27 أكتوبر 2024
وثيقة حماس وأصداء مراجعات الإسلاميين
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مطلع مايو/ أيار الجاري، وثيقتها الجديدة التي تضمّن نصّها نقاطاً تستحقّ التوقّف والتحليل، كونها تعكس نقلةً نوعية في بنية خطاب "حماس"، مقارنةً بنصّ ميثاق الحركة الذي صدر في أغسطس/ آب 1988، والذي غلب عليه خطابٌ عاطفيٌّ فضفاضٌ غارقٌ في العموميات، قام بالأساس على التصلّب الأيديولوجي، وجنح نحو تبنّي أفكارٍ مطلقة، كما غلب عليه التخندّق في ثنائيات دوغماتيزمية مغلقة مثل (الحقّ– الباطل)، إلى جانب نزعة شعاراتية طوباوية، رفعت سقف الأهداف عالياً بصورةٍ لا تتناسب مطلقاً مع القدرات والمعطيات على أرض الواقع.
فقد جاءت الوثيقة الجديدة بمثابة إعادة تعريفٍ من الحركة لنفسها، ولإطار علاقتها مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، وحملت تطوّراً كبيراً في رؤيتها لطبيعة الصراع مع إسرائيل، من حيث المنطلقات والمخرجات، وهي تعكس، في مجملها، قدراً كبيراً من النضج، فالمراجعات الفكرية سمة أساسية من سمات الحركات السياسية، وهي تعني التمتّع بالمرونة والحيوية والقدرة على إعادة النظر في مسيرة الحركة، ومدى ملاءمة الوسائل المُتبعة لتحقيق الأهداف، والتفرقة بين ما هو "تكتيكي" وما هو "استراتيجي"، وإدخال تكييفاتٍ جديدة على الرؤى القديمة، في إطار من المواءمات السياسية والظرفية، على ضوء المتغيّرات الإقليمية والدولية، وهو ما يعني عدم التشبّث بالأفكار القديمة نفسها، أو التمركز حول المواقف السابقة، فهذا يعني، ببساطةٍ، السقوط في وهدة الجمود الذي يؤدي إلى الانفصال عن الواقع.
أعادت "حماس"، في البند الأول من الوثيقة، تعريفها نفسها بأنّها حركة مقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين، واللافت هنا إعادة الحركة تعريفها نفسها حركةَ تحررّ وطني، تهدف إلى مقاومة الاحتلال، متحررّة من الخطاب العاطفي في الميثاق الذي يرى أنّ "الوطنية جزءٌ من العقيدة الدينية"، بوجوب "الجهاد ضدّ العدو"، و"لا حلّ للقضية الفلسطينة إلا بالجهاد"، ومن القالب "الأممي" القديم الذي عرّفت نفسها وفقاً له، بأنّها من أجنحة "الإخوان المسلمين" في فلسطين، ذلك "التنظيم العالمي صاحب الرؤية الإسلامية الشمولية". وبهذا، تكون "حماس" قد انفصلت عن جماعة الإخوان المسلمين تنظيمياً، بيْد أنّها، بالطبع، مازالت تتبعها فكرياً وتتخذها مرجعية لها.
ربما تكون هذه الخطوة استجابة لحملة الاستهداف الإقليمية – الدولية التي تلاحق التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، تهدف "حماس" من خلالها النأي بنفسها عن الضغوط والعقبات التي
ستواجهها حال بقائها تحت المظلّة التنظيمية الإخوانية. وبغضّ النظر عن الدوافع، تظلّ الخطوة، في مجملها، تطوراً إيجابياً يضع حدّاً فاصلاً بين البُعدين، "الوطني" و"الأممي"، فطالما شكّل المزج بينهما ملمحاً أساسياً للخطاب الإخواني تحديداً، وهي خطوةٌ سبقتها إليها الفروع الإخوانية في تونس والمغرب، لاسيّما مع الإخفاقات الكبيرة للمركز الإخواني في مصر.
وعن إطار علاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية، حملت الوثيقة تطورّاً مهما، فقد اعترفت "حماس" بمنظمة التحرير إطاراً وطنياً للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها، وهو خطابٌ مختلفٌ عمّا حمله الميثاق الذي ركّز على التمايز الأيديولوجي لحركة حماس عن المنظمة التي وصفها بأنّها "تتبنّى الفكرة العلمانية المناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامّة" لا تقبل المساومة، كون "من فرّط في دينه فقد خسر".
وعن رؤيتها لطبيعة الصراع مع إسرائيل، تحرّرت الوثيقة من خطاب الميثاق الذي وصّف الصراع بأنه ديني بين الإسلام واليهودية، مرددّاً خطاباً "مؤامراتياً" عن تاريخ اليهود وتآمرهم الدائم على الإسلام والمسلمين، حيث فرّقت الوثيقة بين اليهودية ديانة والصهيونية أيديولوجية عنصرية ذات طبيعة عدوانية توسعيّة، وذكرت أنّ الصراع مع المشروع الصهيوني ضدّ الصهاينة المُحتلّين المعتدين.
أمّا التطوّر بالغ الأهمية فهو ما جاء في الوثيقة عن قبول "حماس" إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، شريطة أن تكون دولة مستقلّة كاملة السيادة، عاصمتها القدس، مع التأكيد على عودة اللاجئين والنازحين، كونها صيغة توافقية وطنية مشتركة، وقد كان الميثاق يقول باعتقاد "حماس" بأنّ أرض فلسطين "أرض وقف إسلامي"، لا يصحّ التنازل عن أي جزءٍ منها، إلا أن الوثيقة حملت، في ثناياها، قدراً من التناقض الذاتي في هذه النقطة، عندما أصرّت على تحرير فلسطين تحريراً كاملاً من النهر إلى البحر.
بهذا التطوّر الجديد في الوثيقة، تكون "حماس" قد اقتربت، بدرجةٍ ما، من القبول بمبدأ التسوية السلمية، ومن القبول بشروط الرباعية الدولية، فالقبول بدولة على حدود 1967 يعني اعترافاً ضمنياً غير مباشر بإسرائيل ووجودها على بقيّة أرض فلسطين، كما يعني قبولاً بمعطيات الواقع على الأرض، والتحرّر من الخطاب العاطفي الطوباوي الذي يحلّق في سقفٍ مفتوح، من دون آلياتٍ تعمل على تحقيقه في الواقع.
في التحليل النهائي تُعدّ الوثيقة في مجملها نقلة نوعية، يُمكن البناء عليها، بيْد أنّها تحتاج إلى مزيد من المناقشات، والشروحات، والتوضيحات لنقاطٍ فيها شابها الغموض والإيجاز.
فور إعلان "حماس" عن وثيقتها، اندلع جدلٌ ساخن في الفضاء الإعلامي، بين مؤيّد ومعارض لها، بيْد أنّ اللافت هو تشكيك بعض غلاة خصوم الإسلاميين في جديّة مضمون الوثيقة، ووصف الخطوة إجمالاً بأنّها "مناورة" أو مجرّد "ألاعيب" (!). والحقيقة أنّ مواقف بعضهم من غلاة العلمانيين من ذوي النزعة الاستئصالية، الذين يضعون كلّ الإسلاميين، على اختلاف ألوانهم، في سلّة واحدة، تدعو إلى الحيرة والدهشة إلى أبعد حدٍّ، فإذا ما تمسّك الإسلاميون برؤاهم القديمة اتهموهم بالجمود والتطرّف، وإذا ما قاموا بمراجعات اتهموهم بالمناورة والخداع والبحث عن مكاسب وقتية (!).
تكمن مشكلة جماعات الإسلام الحركي في تمسّكها برؤىً تاريخية تجاوزها العصر، تقبع في عصر دولة الخلافة الإمبراطورية، مخاصمةً عصر الدولة الوطنية. ومراجعتها أفكارها القديمة وتجديدها، موقف إيجابي يستحقّ التقدير، بغضّ النظر عن مساحة الاتفاق أو الاختلاف مع مضمون التجديد.
كانت "حماس"، وغيرها من جماعات الإسلام الحركي، وستظلّ في تصنيفها ضمن الحركات ذات المرجعية الإسلامية التي انطلقت من أسس ومفاهيم إسلامية، ولن تتحوّل يوماً إلى حركاتٍ ليبرالية أو يسارية مثلاً، وليس المطلوب منها أن تفعل، وإنّما هي مُطالَبة بأن تتكيّف مع روح العصر، وأن تتحرّر من انغلاقها التنظيمي، والفكري. ووفقاً لهذا، فإنّ غلاة العلمانيين الذين يطالبون الإسلاميين بما يتجاوز قناعات الأيديولوجية، وتكويناتهم الفكرية، فإنّهم يُكلّفون الأشياء ضدّ طباعها، ويطلبون في الماء جذوة نار، ويدفعون الأجنحة الصقورية المتشدّدة داخل هذه الحركات إلى التصدّر فيها.
أمّا المفارقة الطريفة التي تستحقّ التأمّل طويلاً، فهي أنّ "حماس" التي تخضع للحصار منذ سنوات، وخاضت مواجهتيْن عسكريتيْن مع إسرائيل في أقلّ من ست سنوات (2014،2009)، والتي تتعرّض قياداتها للتعقّب والملاحقة، أقدمت على خطوة المراجعات، وحققّت تقدّماً بدرجة ما، بينما تحققّ الجماعة الأمّ في مصر مزيداً من التراجع والإخفاقات، والبقاء في أضابير التنظيم المُغلق، والإغراق في دياجير سرديات المظلومية والمحنة والابتلاء، فضلاً عن نشوب صراعٍ قياديٍّ داخلها بين ما يُعرف بـ "القيادة التاريخية" و"القيادة الشبابية"، هو في حقيقته مجرّد "صراع على التنظيم"، يخلو من أي أبعادٍ فكرية، سوى ثورية موهومة يرفعها الطرف الثاني. أمّا الأطرف فهو أنّ الطرف الذي قرّر القيام بمراجعاتٍ هو الذي قال: "السلمية ليست من ثوابتنا، ولن نفرّط في امتلاك السلاح" (!).
ولا يدري المرء هنا هل هو بصدد مأساة أم ملهاة.. أم مزيج من كليهما معاً؟
فقد جاءت الوثيقة الجديدة بمثابة إعادة تعريفٍ من الحركة لنفسها، ولإطار علاقتها مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، وحملت تطوّراً كبيراً في رؤيتها لطبيعة الصراع مع إسرائيل، من حيث المنطلقات والمخرجات، وهي تعكس، في مجملها، قدراً كبيراً من النضج، فالمراجعات الفكرية سمة أساسية من سمات الحركات السياسية، وهي تعني التمتّع بالمرونة والحيوية والقدرة على إعادة النظر في مسيرة الحركة، ومدى ملاءمة الوسائل المُتبعة لتحقيق الأهداف، والتفرقة بين ما هو "تكتيكي" وما هو "استراتيجي"، وإدخال تكييفاتٍ جديدة على الرؤى القديمة، في إطار من المواءمات السياسية والظرفية، على ضوء المتغيّرات الإقليمية والدولية، وهو ما يعني عدم التشبّث بالأفكار القديمة نفسها، أو التمركز حول المواقف السابقة، فهذا يعني، ببساطةٍ، السقوط في وهدة الجمود الذي يؤدي إلى الانفصال عن الواقع.
أعادت "حماس"، في البند الأول من الوثيقة، تعريفها نفسها بأنّها حركة مقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين، واللافت هنا إعادة الحركة تعريفها نفسها حركةَ تحررّ وطني، تهدف إلى مقاومة الاحتلال، متحررّة من الخطاب العاطفي في الميثاق الذي يرى أنّ "الوطنية جزءٌ من العقيدة الدينية"، بوجوب "الجهاد ضدّ العدو"، و"لا حلّ للقضية الفلسطينة إلا بالجهاد"، ومن القالب "الأممي" القديم الذي عرّفت نفسها وفقاً له، بأنّها من أجنحة "الإخوان المسلمين" في فلسطين، ذلك "التنظيم العالمي صاحب الرؤية الإسلامية الشمولية". وبهذا، تكون "حماس" قد انفصلت عن جماعة الإخوان المسلمين تنظيمياً، بيْد أنّها، بالطبع، مازالت تتبعها فكرياً وتتخذها مرجعية لها.
ربما تكون هذه الخطوة استجابة لحملة الاستهداف الإقليمية – الدولية التي تلاحق التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، تهدف "حماس" من خلالها النأي بنفسها عن الضغوط والعقبات التي
وعن إطار علاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية، حملت الوثيقة تطورّاً مهما، فقد اعترفت "حماس" بمنظمة التحرير إطاراً وطنياً للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها، وهو خطابٌ مختلفٌ عمّا حمله الميثاق الذي ركّز على التمايز الأيديولوجي لحركة حماس عن المنظمة التي وصفها بأنّها "تتبنّى الفكرة العلمانية المناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامّة" لا تقبل المساومة، كون "من فرّط في دينه فقد خسر".
وعن رؤيتها لطبيعة الصراع مع إسرائيل، تحرّرت الوثيقة من خطاب الميثاق الذي وصّف الصراع بأنه ديني بين الإسلام واليهودية، مرددّاً خطاباً "مؤامراتياً" عن تاريخ اليهود وتآمرهم الدائم على الإسلام والمسلمين، حيث فرّقت الوثيقة بين اليهودية ديانة والصهيونية أيديولوجية عنصرية ذات طبيعة عدوانية توسعيّة، وذكرت أنّ الصراع مع المشروع الصهيوني ضدّ الصهاينة المُحتلّين المعتدين.
أمّا التطوّر بالغ الأهمية فهو ما جاء في الوثيقة عن قبول "حماس" إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، شريطة أن تكون دولة مستقلّة كاملة السيادة، عاصمتها القدس، مع التأكيد على عودة اللاجئين والنازحين، كونها صيغة توافقية وطنية مشتركة، وقد كان الميثاق يقول باعتقاد "حماس" بأنّ أرض فلسطين "أرض وقف إسلامي"، لا يصحّ التنازل عن أي جزءٍ منها، إلا أن الوثيقة حملت، في ثناياها، قدراً من التناقض الذاتي في هذه النقطة، عندما أصرّت على تحرير فلسطين تحريراً كاملاً من النهر إلى البحر.
بهذا التطوّر الجديد في الوثيقة، تكون "حماس" قد اقتربت، بدرجةٍ ما، من القبول بمبدأ التسوية السلمية، ومن القبول بشروط الرباعية الدولية، فالقبول بدولة على حدود 1967 يعني اعترافاً ضمنياً غير مباشر بإسرائيل ووجودها على بقيّة أرض فلسطين، كما يعني قبولاً بمعطيات الواقع على الأرض، والتحرّر من الخطاب العاطفي الطوباوي الذي يحلّق في سقفٍ مفتوح، من دون آلياتٍ تعمل على تحقيقه في الواقع.
في التحليل النهائي تُعدّ الوثيقة في مجملها نقلة نوعية، يُمكن البناء عليها، بيْد أنّها تحتاج إلى مزيد من المناقشات، والشروحات، والتوضيحات لنقاطٍ فيها شابها الغموض والإيجاز.
فور إعلان "حماس" عن وثيقتها، اندلع جدلٌ ساخن في الفضاء الإعلامي، بين مؤيّد ومعارض لها، بيْد أنّ اللافت هو تشكيك بعض غلاة خصوم الإسلاميين في جديّة مضمون الوثيقة، ووصف الخطوة إجمالاً بأنّها "مناورة" أو مجرّد "ألاعيب" (!). والحقيقة أنّ مواقف بعضهم من غلاة العلمانيين من ذوي النزعة الاستئصالية، الذين يضعون كلّ الإسلاميين، على اختلاف ألوانهم، في سلّة واحدة، تدعو إلى الحيرة والدهشة إلى أبعد حدٍّ، فإذا ما تمسّك الإسلاميون برؤاهم القديمة اتهموهم بالجمود والتطرّف، وإذا ما قاموا بمراجعات اتهموهم بالمناورة والخداع والبحث عن مكاسب وقتية (!).
تكمن مشكلة جماعات الإسلام الحركي في تمسّكها برؤىً تاريخية تجاوزها العصر، تقبع في عصر دولة الخلافة الإمبراطورية، مخاصمةً عصر الدولة الوطنية. ومراجعتها أفكارها القديمة وتجديدها، موقف إيجابي يستحقّ التقدير، بغضّ النظر عن مساحة الاتفاق أو الاختلاف مع مضمون التجديد.
كانت "حماس"، وغيرها من جماعات الإسلام الحركي، وستظلّ في تصنيفها ضمن الحركات ذات المرجعية الإسلامية التي انطلقت من أسس ومفاهيم إسلامية، ولن تتحوّل يوماً إلى حركاتٍ ليبرالية أو يسارية مثلاً، وليس المطلوب منها أن تفعل، وإنّما هي مُطالَبة بأن تتكيّف مع روح العصر، وأن تتحرّر من انغلاقها التنظيمي، والفكري. ووفقاً لهذا، فإنّ غلاة العلمانيين الذين يطالبون الإسلاميين بما يتجاوز قناعات الأيديولوجية، وتكويناتهم الفكرية، فإنّهم يُكلّفون الأشياء ضدّ طباعها، ويطلبون في الماء جذوة نار، ويدفعون الأجنحة الصقورية المتشدّدة داخل هذه الحركات إلى التصدّر فيها.
أمّا المفارقة الطريفة التي تستحقّ التأمّل طويلاً، فهي أنّ "حماس" التي تخضع للحصار منذ سنوات، وخاضت مواجهتيْن عسكريتيْن مع إسرائيل في أقلّ من ست سنوات (2014،2009)، والتي تتعرّض قياداتها للتعقّب والملاحقة، أقدمت على خطوة المراجعات، وحققّت تقدّماً بدرجة ما، بينما تحققّ الجماعة الأمّ في مصر مزيداً من التراجع والإخفاقات، والبقاء في أضابير التنظيم المُغلق، والإغراق في دياجير سرديات المظلومية والمحنة والابتلاء، فضلاً عن نشوب صراعٍ قياديٍّ داخلها بين ما يُعرف بـ "القيادة التاريخية" و"القيادة الشبابية"، هو في حقيقته مجرّد "صراع على التنظيم"، يخلو من أي أبعادٍ فكرية، سوى ثورية موهومة يرفعها الطرف الثاني. أمّا الأطرف فهو أنّ الطرف الذي قرّر القيام بمراجعاتٍ هو الذي قال: "السلمية ليست من ثوابتنا، ولن نفرّط في امتلاك السلاح" (!).
ولا يدري المرء هنا هل هو بصدد مأساة أم ملهاة.. أم مزيج من كليهما معاً؟