لم يعد استخدام الهيرويين في الولايات المتحدة وصمة تلاحق الفقراء فقط أو ترتبط بالمشاهير. ولعل أشهر الضحايا هو سيمور فيليب هوفمان، الممثل المعروف الذي مات العام الماضي إثر تناوله جرعة زائدة من الهيرويين. وبسبب انتشار تعاطي هذه المادة المخدرة بين مختلف شرائح المجتمع، ما أدى إلى تفاقم المشاكل في جميع أنحاء البلاد، أطلقت السلطات الأميركية على الأمر اسم "وباء الهيرويين".
في السياق، كان مركز السيطرة على الأمراض، التابع لوزارة الصحة الفدرالية في واشنطن، قد حذر في دراسة أصدرها أخيراً حول الموضوع، من أن نسبة استخدام الهيرويين والمسكنات من مشتقات الأفيون زادت في الولايات المتحدة بنسبة 63 في المائة بين عامي 2002 و2013. وتشير الدراسة إلى أن أكثر من نصف مليون أميركي أقروا باستخدامهم الهيرويين ومشتقاته خلال عام 2013. ويؤكد رئيس المركز توم فريدين أن زيادة نسبة تعاطي الهيرويين والمسكنات من مشتقات الأفيون أدت إلى ارتفاع معدل الوفيات الناجم عن تناول جرعات زائدة مميتة، وقد توفي عام 2013 أكثر من 8200 شخص جراء ذلك.
ويعزو عدد من الأطباء، من بينهم الطبيبة في غرف الطوارئ والباحثة لينا ويين، السبب إلى الإفراط في استخدام مسكنات الألم من مشتقات الأفيون في العقود الأخيرة، كالأوكسيكونتين والبيركوسيت. وكانت شركات الأدوية قد عملت على التسويق لهذه الأدوية، لافتة إلى أنها لا تؤدي إلى الإدمان، قبل أن يتبين عدم صحة ادعاءاتها.
وتقول ويين إن "كثيرا من الأطباء أسرفوا بوصف هذه الأدوية للمرضى، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من آلام مزمنة". ومع اكتشاف الأمر، شددت السلطات الأميركية الرقابة على الأطباء. بعدها، لجأ البعض إلى الهيرويين باعتبار سعره أرخص من تلك الأدوية، كما أن الحصول عليه أسهل. ويرى بعض المتخصصين أن قوننة استخدام الحشيش في بعض الولايات الأميركية أدت إلى وجود أسواق محلية ومنتجين محليين داخل البلاد وبشكل قانوني، ما دفع بتجار ومهربي المخدرات من خارج الولايات المتحدة وتحديداً المكسيك، إلى البحث عن سبل يمكن من خلالها إنتاج وبيع الهيرويين بكلفة "معقولة"، وأحياناً أرخص من بعض العقاقير الطبية، وخصوصاً الهيرويين المستخدم عن طريق الحقن.
اقرأ أيضاً: مؤتمر دولي: التكنولوجيا والصراعات المسلحة سهلت تهريب المخدرات
ولا يمكن فهم مسألة غلاء الأدوية في الولايات المتحدة من دون التوقف عند أمور عدة، من بينها التأمين الصحي. وما زال ملايين الأميركيين (أكثر من 11 في المائة من البالغين) من دون تأمين صحي حتى بعد الإصلاحات الأخيرة في قانون التأمين الصحي. حتى أن عدداً لا بأس به من شركات التأمين لا تغطي جميع تكاليف العلاج أو جزءا منها، بما فيها الدخول إلى مراكز العلاج من الإدمان.
وتتعقد المشكلة والعلاج بسبب البيروقراطية ورفض كثير من السياسيين التعامل مع الإدمان كمرض. وهذا يعني أن على الولايات أن تخصص مزيداً من المال بالإضافة إلى مراكز للعلاج والمتابعة، وذلك بعد التخلص من المراحل الأولى للإدمان. أيضاً، يجب الاستعانة بالمعالجين النفسيين أثناء علاج المدمنين.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الولايات الأميركية تجرم استخدام المخدرات كالهيرويين ومشتقات الأفيون. وفي حال القاء القبض على أي مدمن في حوزته مخدرات، يكون مصيره السجن، بدلاً من تركيز الجهود على البحث عن التجار، وإحالتهم إلى مراكز العلاج التي تساعد هؤلاء على التخلص من الإدمان. أكثر من ذلك، فإنها تعمد في بعض الأحيان إلى إغلاق بعض المراكز.
وساهم جشع بعض شركات الأدوية، بحسب يين، في زيادة أسعار الأدوية المستخدمة للإسعاف الأولي بنحو أربعة أضعاف خلال فترة قصيرة، كالنولاكسوم. ويمكن أن يؤدي استخدام هذا الدواء بسرعة إلى إنقاذ المدمنين في حال تناولوا جرعة زائدة ومميتة. تضيف أن الأمر يتطلب تدريب الطواقم الطبية، وعائلات المدمنين، وأصدقائهم، وعناصر الشرطة الذين يتعاملون بشكل دائم مع الأشخاص المدمنين.
وتجدر الإشارة إلى أن أغنياء أميركا والشركات الكبرى، وخصوصاً شركات صناعة الأدوية الكبيرة، يصرفون أموالاً طائلة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأميركية. وقد وصلت كلفتها عام 2012 إلى أكثر من ستة مليارات دولار، بحسب مركز السياسة المسؤولة. ولا تهتم هذه الشركات بالاستثمار في الإنسان وصحته، بل يصبح المواطن العادي هدفاً للاستغلال بهدف تحقيق الأرباح.
اقرأ أيضاً: الهيرويين يضرب قلب أميركاالهيرويين يضرب قلب أميركا