واشنطن وقرار السرقة الكبرى: سبات عميق

02 سبتمبر 2014
تدرس إسرائيل توقيت قراراتها لتفادي الإحراج (أحمد غرابيلي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

عندما اتخذت إسرائيل قرار أكبر مصادرة لأراضٍ فلسطينية منذ ثلاثين عاماً، اختارت لذلك توقيتاً ساعدها إلى حد كبير في تفادي رد فعل أميركي قوي وحاسم، وهو ما كانت تخشاه إسرائيل في الدرجة الأولى، بالمقارنة مع خشيتها من ردود الفعل الدولية الأخرى. ومن اللافت أن جميع الانتقادات الدولية لإسرائيل، في إعلان مصادرتها لأراض فلسطينية قبل أيام، جاءت على لسان مسؤولين أو ناطقين بأسمائهم المعروفة، فيما عدا انتقاد الحليف الأميركي لها في تصريح يتيم جاء منسوباً إلى مسؤول مجهول الهوية في وزارة الخارجية الأميركية، وهذا بحد ذاته يعكس مدى الحذر، الذي يهيمن على المسؤولين الأميركيين عند انتقادهم إسرائيل.

لقد اتخذ القرار يوم السبت وعرف به العالم يوم الأحد ونددت به معظم الدول يوم الإثنين، في حين أن واشنطن، رغم اشتراكها في التنديد، كانت في حالة سبات سياسي شبه مطبق استمر ثلاثة أيام متواصلة بسبب عطلة عيد العمال يوم الإثنين، التي سبقها يوما العطلة الأسبوعية المعتادة. وعلاوة على ذلك، فإن غياب أنصار إسرائيل في الكونغرس الأميركي عن واشنطن، للاستمتاع بإجازتهم السنوية، يخفف عنهم الإحراج، كما يجنب إسرائيل الانتقاد الحتمي، الذي تسمعه دوماً ممن يعارضون الاستيطان في الأراضي المحتلة، حتى لو كانوا من أنصارها.

ولولا إلحاح وكالات الأنباء على أحد مصادرها في وزارة الخارجية الأميركية، على الإدلاء بتصريح مقتضب من دون الكشف عن اسمه، لما سمعنا  ردَّ الفعل الأميركي من الأساس، لأن توقيت قرار المصادرة قلل من فرص صدور بيان تنديد أو تعليق فوري على لسان الناطق باسم البيت الأبيض، أو الخارجية الأميركية، أو من الرئيس، باراك أوباما، ووزير الخارجية، جون كيري.

وتعرف إسرائيل من دون شك أن صدور ذلك من واشنطن، إذا تم، فلن يجري إلا مساء الثلاثاء بتوقيت القدس، بعد أن يكون زخم ردود الفعل قد انحسر عن القدرة على التأثير. وقد جرت العادة في واشنطن، عند توجيه سؤال إلى مسؤول أميركي عن أي تطور أو حدث، يرجع إلى مواقف بلاده السابقة تجاه المسألة نفسها، ويدلي بإجابة متسقة مع المواقف المعلنة سابقاً.

لذلك، فإن التصريح الذي نقلته وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي لم تسمه، يدعو فيه إسرائيل إلى التراجع عن قرارها، استند فيه المسؤول إلى الموقف الأميركي المبدئي من الاستيطان، إذ إن واشنطن لا تخفي معارضتها للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، بل إن إدارة الولايات المتحدة ومعظم أصدقاء إسرائيل في الكونغرس، يجاهرون بانتقاد الاستيطان ويعتبرونه سبباً رئيسياً لفشل محادثات السلام.

وتحرص إسرائيل غالباً، عندما تكون في حاجة إلى دعم أميركي، على أن يكون أصدقاؤها في واشنطن في أوج نشاطهم، وهذا ما حدث عند اختيارها لتوقيت العدوان على غزة. أما عندما تتوقع معارضة من داعميها بشأن قضية خلافية، فإنها تختار توقيتاً عكسياً يخفف عنها الإحراج معهم، ويخفف عنهم الإحراج مع العالم. أما الإعلام الأميركي، فإن التعاطف مع إسرائيل هو السائد دوماً فيه، بحق أو من دون وجه حق، فقد تجاهلت صحف ومحطات أميركية عديدة قرار المصادرة الإسرائيلي، في حين أن القنوات والصحف، التي تطرقت إليه ضمنته الحجة نفسها التي لجأت إليها في تبرير العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو مقتل ثلاثة شبان إسرائيليين قيل إنهم اختُطفوا في الخليل.

قد تكون إسرائيل نجحت في تأخير ردود الفعل الأميركية القوية على مشروعها الاستيطاني الجديد، ولكنها لن تنجح في منع صدور ردود فعل لاحقة ضد القرار، وربما إجراءات عملية لعرقلة تنفيذه، لأن مصادرة الأراضي ضربة قوية غير متوقعة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لجهود وآمال جون كيري، في استئناف عملية السلام بعد أن اعتبر الأخير رسمياً أن وقف إطلاق النار في غزة سيكون المدخل لاستئناف المحادثات السلمية.

وربما شكّل القرار الإسرائيلي صفعة لكيري بأن إسرائيل ترفض السلام من جذوره، وتعاند بالتالي المحادثات التي تسعى الولايات المتحدة إلى استئنافها.

المساهمون