التخوف كان منذ البداية من وقوع "خطأ في الحسابات"، أو من تصرف ميداني فردي يؤدي إلى رد فعل يخرج عن السيطرة.
الآن أضيف تخوف ثالث: أن يبالغ الجانبان في لعبة تحسين شروطهما التفاوضية من خلال الذهاب إلى أقصى الحدود في اختبار نية الآخر. فالوضع لا يحتمل التمادي في التحدّي المتبادل الذي توالت حلقاته أخيراً، من مصادرة ناقلة النفط البريطانية إلى إرسال قوات أميركية إلى السعودية، ثم إلى قضية شبكة التجسس الأميركية التي تزعم طهران أنها كشفتها، وتنفي واشنطن صحتها.
تطورات كهربت الوضع من جديد ورفعت من سرعة عطبه.
احتجاز ناقلة النفط البريطانية في مضيق هرمز أثار مثل هذه الخشية. عرقل المساعي الدبلوماسية وأعطى جناح الصقور في واشنطن ذخيرة إضافية.
وزير الخارجية مايك بومبيو تحدث، أمس الإثنين، عن الموضوع مرتين، بلغة اختلط فيها التلويح بالقوة مع دبلوماسية التحذير: "إيران لاعب سيئ، ونحن نملك قدرات عسكرية قوية، لكننا لا نسعى إلى المواجهة، ونأمل أن نعثر على حل دبلوماسي"، وفق قوله.
وفي رده على سؤال حول الخط الأحمر، قال: "لا نبلغ عدونا بما ننوي عمله، وبما لا نريد أن نعمله".
وفي مناسبة أخرى كرر الإشارة إلى "قدرات أميركا التي تعرفها إيران، والتي تجعلها لا تأخذ عدم ردنا على أنه ضوء أخضر لها".
في المقابل، تحدث الرئيس دونالد ترامب عن الموضوع خلال استقباله لرئيس وزراء باكستان، عمران خان، بلغة مختلفة تعكس استمرار التباين بين البيت الأبيض وفريق الأمن القومي.
لم يأت على ذكر الخيار العسكري، ولا حتى بالتلميح. بقي عند حدود التعبير عن "الاستعداد" لعقد صفقة، ولو أنه أقر بـ"صعوبتها".
ولوحظ أن ترامب لم يتوقف كثيراً عند حجز الناقلة البريطانية الذي حصل في أعقاب ما تسرّب عن اجتماع عقده السيناتور رون بول بموافقة، بل بطلب ترامب، مع الوزير محمد جواد ظريف في نيويورك أواخر الأسبوع الماضي.
الإدارة أحاطت الخطوة بالتكتم، وبدا أنها لم تحقق أكثر من كسر الجليد وتبادل العروض حول إطار الحوار من دون توافق بشأنه.
الوزير بومبيو اعترف بـ"التواصل"، وقال إن مواقف الجانب الإيراني من الحوار بدت "مختلطة"، أي أن هناك تباينا بين القيادات في طهران.
التعبير نفسه استخدمه الرئيس ترامب عندما أجاب عن سؤال في هذا الخصوص. الاستنتاج أن السيناتور بول لم يقو على انتزاع موافقة الوزير ظريف على رسم مسار للدخول في المفاوضات.
وثمة اعتقاد بأن الوزير ظريف "لا يملك البت لوحده بمسألة من هذا العيار"، وبما يفيد بأن أمر المفاوضات لم يحسم بعد في طهران، أو أن ما عرضه السيناتور اقتضى التشاور بشأنه مع صاحب القرار هناك.
خيار المفاوضات مفضّل بقوة في واشنطن، لأن البديل غير مقبول، لكن المعادلة غير مواتية. إدارة ترامب "وضعت نفسها في مأزق جراء التصعيد المتوالي الذي بدأته بانسحابها من الاتفاق النووي"، كما يقول بن رودز، النائب السابق لمستشار الرئيس باراك أوباما لشؤون الأمن القومي.
الحصيلة أن إيران تلعب الآن ورقة مضيق هرمز بدون ثمن، لأن "ترامب لا يريد الحرب"، خاصة في عام انتخابي.
وظفت طهران المضيق ضد العقوبات، والإدارة الأميركية تراهن على التحالف الدولي لحماية خطوط الملاحة في الخليج، لكن هذا التدبير حتى لو جرى اعتماده، لا يحل الأزمة - الورطة، ولو أنه يشتري بعض الوقت للرئيس ترامب ريثما تتم صياغة مخرج سلمي مرهون تحقيقه بتنازلات من الجهتين.