منذ تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل يومين بضم الكتل الاستيطانية ومنطقة الغور لو فاز بالانتخابات، وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتجاهل الموضوع. وزارة الخارجية اكتفت بالصمت. لم تتطرق إلى الموضوع على الرغم من خطورته، ولا ردت على استفسارات حوله. الخميس، وفي لقائها مع الصحافة، لم تأتِ الناطقة الرسمية مورغن أورتيغس على سيرته، ولا تركت المجال لسؤال بخصوصه. واكب ذلك همس بأن الإدارة "تبدي تفهمها" لهذه الخطوة.
اليوم، وبعد الإلحاح طلع "التفهم" من الهمس إلى العلن. مصدر في الخارجية كشف بأن إسرائيل أبلغت إدارة ترامب "مسبقاً" بعزمها على الإقدام على هذه الخطوة، قبل أن يعلنها نتنياهو. وأضاف أن الإدارة لا ترى في ذلك ما "يمنع إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في المستقبل". الاعتقاد السائد أنها وافقت لدعم نتنياهو في الانتخابات وتعزيز فرص فوزه فيها.
لكن السياق الذي جاء فيه تعهد نتنياهو بالضم وموافقة الإدارة عليه، يدلّ على أن الخطوة أبعد من ورقة انتخابية، وليست معزولة عن إجراءات وخطوات ومقدمات سبقتها، لتشكل في النهاية جوهر ما سمي بـ "صفقة القرن".
في 8 يونيو/حزيران الماضي، أدلى السفير الأميركي في إسرائيل، وأحد مهندسي الصفقة دافيد فريدمان، بتصريح قال فيه إن "من حق اسرائيل ضم أجزاء من الضفة إن لم يكن كلها". كلامه لم يكن صدفة، ولا جسّ نبض، بقدر ما كان بمثابة تمهيد إلى خطوة الضم التي تعتزم إسرائيل اتخاذها، والتي يبدو أنه جرى الإعداد لها بالتنسيق مع فريق كوشنر. يومذاك انطوى سكوت وزارة الخارجية على تجاوب ضمني ينسجم مع اعتراف الإدارة بضم القدس ثم الجولان. تبع ذلك ترتيب وانعقاد "ورشة البحرين"، التي كانت خطوة أخرى لتجويف صيغة الدولتين، تحت ستار أن الإدارة تعمل بمقاربة مختلفة، تقوم على تقديم الاقتصاد على السياسة؛ بزعم أن العكس وتجاربه كلها باءت بالفشل وأن تحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين هو المدخل السليم إلى السلام.
ثم برزت إشارة أخرى تنبئ بوضوح بنية شطب القضية عن الخارطة. ففي ظل هدوء عطلة الصيف خلال أغسطس/آب الماضي، قامت وزارة الخارجية فجأة بحذف اسم السلطة الفلسطينية من قائمة الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. عندما اكتُشف الأمر، سُئلت الوزارة عن السبب. في البداية زعمت بما يفيد بأن الاسم غاب بنتيجة عملية تجديد لموقع الوزارة الإلكتروني. أوحت أنه سقط سهواً بانتظار تصحيح الخطأ. وتمسكت بنفس التفسير لعدة أيام. وعندما تعذر تسويق زعمها، خرجت بتعليل مفاده أن اسم السلطة أضيف إلى اللائحة أيام (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما "بدافع الحماس" وبما يعني أن إدراجه فيها لم يكن يرتكز إلى مستند مشروع يُلزم باستمراره. الواضح من هذا التفسير أن الإدارة أسقطت من حسابها احتمال تحوّل السلطة الفلسطينية إلى دولة.
على هذه الأرضية، جاء تعهد نتنياهو بضم المستوطنات والأغوار. وفي هذا السياق جاء تعاطف الإدارة معه. وكلاهما، الخطوة والموافقة، مكمل لصيغة الصفقة قبل إعلانها. فهذه مبنية أصلاً على أساس الأمر الواقع على الأرض. وجرت ترجمتها بقطع كلّ الصلات بالسلطة الفلسطينية حتى لا تبقى سلطة، بدءاً من نقل السفارة إلى القدس، وانتهاء بإغلاق بعثتها في واشنطن. والآن تتهيأ الإدارة للموافقة على الضم الموعود. وفي ذات الوقت ما زالت تتحدث عن "رؤية للسلام" يحملها مشروع الصفقة الذي سيكشف عنه قريبا. والأنكى من ذلك، أنه بعد كل هذا، تواصل الإدارة الزعم بأنه "ليس هناك تغيير في سياسة أميركا" تجاه القضية. عبارة متوارثة رددتها الإدارات المتعاقبة، لتمرير تساهلها مع التوسع الإسرائيلي، بما ضمن تحويله إلى أمر واقع على الأرض، اغتنم نتنياهو مع إدارة ترامب فرصة الاهتراء العربي لتحويله إلى "تصفية العصر".