واشنطن تراجع استراتيجيتها السورية: "إعادة ضبط" لا تغيير

16 نوفمبر 2014
تعرض أوباما لانتقادات عديدة بسبب ارتباك استراتيجيته (Getty)
+ الخط -

كشف مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، أنّ الرئيس باراك أوباما، وجّه فريقه للأمن القومي بمراجعة "الاستراتيجية" الأميركية في سورية، بعدما اكتشف أنه لا يمكن هزيمة "تنظيم "الدولة الإسلامية" من دون الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

وحسب هذا المسؤول، الذي سرّب خبر المراجعة إلى محطة "سي. إن. إن" الإخبارية، يوم الأربعاء الماضي، فإن إدارة أوباما تدرك الآن بأن التركيز على العراق أولاً ووضع سورية ثانياً في سياق الحرب على تنظيم "داعش" كان خطأ في الحسابات.

واستناداً إلى المسؤول نفسه، فإن الأسبوع الماضي شهد عقد أربعة اجتماعات لفريق الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض، وبأن أوباما نفسه ترأس أحد تلك الاجتماعات، في حين حضرها مسؤولون رفيعون، مثل وزير الخارجية جون كيري.

ويضيف المصدر بأن الهدف الأساس لهذه المراجعة، يتمثل في أن تكون الاستراتيجية الأميركية نحو سورية مساندة للحرب على تنظيم "الدولة"، إذ إنه لا يمكن، عملياً، هزيمة التنظيم في العراق من دون إلحاق هزيمة به في سورية. والمشكلة هنا، حسب مسؤولين أميركيين، أن الغارات الأميركية على التنظيم في سورية تضعفه، ولكنها تصب في صالح النظام السوري لا في صالح "المعارضة المعتدلة" التي تدعمها الولايات المتحدة.

دوافع المراجعة

لأكثر من ثلاث سنوات ونصف، هي عمر الثورة السورية الآن ضد نظام الأسد، عانت "استراتيجية" أوباما نحو سورية من التردد والارتباك، إن لم يكن من التخبط أيضاً.
وعلى الرغم من أن أوباما أعلن منذ السنة الأولى للثورة السورية، عام 2011، بأن الأسد فقد شرعيته، غير أنه لم يقدم على أي خطوة عملية للإطاحة بنظامه أو للتدخل عسكرياً، مكتفياً بتقديم دعم "غير قاتل" ومحدود للمعارضة السورية "المعتدلة".

وبسبب غياب "استراتيجية" أميركية واضحة، فإن ذلك أحدث نوعاً من الشرخ داخل إدارته وبين مساعديه الكبار، ما بين مؤيد لموقفه المتردد والمرتبك، وما بين آخرين ناقدين لذلك. وعلى صعيد مواز، فإن سياسة إدارة أوباما الغامضة هذه نحو سورية، أثارت حنق كثير من الحلفاء الأميركيين في المنطقة من المعارضين للنظام السوري، وفي مقدمتهم السعودية وتركيا.
ويتّهم خصوم إدارة أوباما، في الداخل الأميركي وخارجه، مقاربتها للوضع السوري بأنها هي من ساهمت في خلق الفراغ هناك، والذي ملأه تنظيم "داعش".

غير أن المفاجأة التي أحدثتها سيطرة تنظيم "الدولة" على مساحات شاسعة في شمال العراق وغربه في شهر يونيو/حزيران الماضي، ومن ثمّ توحيده للمناطق التي يسيطر عليها على جانبي الحدود العراقية - السورية تحت قيادته، اضطرت إدارة أوباما إلى العودة مجدداً إلى المنطقة. وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن أوباما عن استراتيجيته الجديدة للحرب على تنظيم "الدولة"، والقائمة على تركيز الجهود الأميركية لهزيمة التنظيم وتدميره في العراق أولاً، في الوقت نفسه الذي يتمُّ فيه محاولة منعه من الحصول على "ملاذ آمن" في سورية. ولأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011، قامت طائرات أميركية باستهداف مواقع داخل سورية محسوبة على "تنظيم الدولة" وفصائل إسلامية مقاتلة أخرى، ولكنها لم تستهدف قوات النظام السوري ومنشآته.

غير أن "استراتيجية" أوباما نحو سورية بقيت مرتبكة وغامضة، مرة أخرى. ففي العراق، حسب المسؤولين الأميركيين، ثمة حكومة تعترف بها الولايات المتحدة، ويمكنها العمل معها، وخصوصاً بعد الإطاحة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي لصالح حيدر العبادي. أيضاً، فإن الولايات المتحدة تعدّ الإقليم الكردي في العراق، وقواته من البشمركة، شركاء يمكن الاعتماد عليهم. أما في سورية، فإن الوضع جِدُّ مختلف.

فالولايات المتحدة لا تعترف بشرعية نظام الأسد، وبالتالي فإنها لا تقبل بالعمل معه ضد "داعش"، لكنها لا تملك، استناداً إلى موقف إدارة أوباما، شركاء على الأرض أقوياء بما فيه الكفاية للعمل معهم لملء الفراغ الذي سيترتب على سقوط الأسد أو على انتزاع المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيم.

ولذلك فإن أوباما، أعلن في خطاب الحرب على "داعش" في العاشر من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بأن الولايات المتحدة ستعمل على تدريب خمسة آلاف مقاتل سوري في السعودية، ممن "تمّ فحص خلفياتهم بشكل مناسب".

لكن حتى مع هذه الجهود، فإن الإدارة الأميركية تعترف بأنها غير كافية لأسباب عديدة. أولاً، فإن عملية تجميع وفرز الخمسة آلاف مقاتل هؤلاء وفحص خلفياتهم ستتطلب خمسة أشهر، وهي عملية لم تبدأ بعد إلى اليوم. ثانياً، إن التدريب سيستمر قرابة العام، وربما أكثر، بالنسبة لهؤلاء الآلاف الخمسة. وثالثاً، فإنه حسب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، فإن خمسة آلاف مقاتل فقط لا يمكن لهم أن يفوا بالمهمة. ثمة حاجة إلى ما بين 12 و15 ألف مقاتل من قوات المعارضة لاستعادة المناطق التي سيطر عليها "داعش" في شرق سورية، وذلك على افتراض أن تدريبهم سيستغرق ما بين عامين وثلاثة أعوام. الأعقد من ذلك، حسب ديمبسي، أن هذه الجهود لن يكتب لها النجاح طالما أن المعارضة السورية المدعومة من الغرب لا تستطيع تطوير "هيكل سياسي" يجمعها "وهذا سيستغرق بعض الوقت". وهكذا فإن "استراتيجية" أوباما في سورية، لا تزال تراوح إلى الآن مكانها، أي في دوائر الغموض والارتباك والتردد.

مذكرة هيغل

الاتهامات بغياب استراتيجية أميركية شاملة للوضع السوري ليست مقتصرة وحسب على خصوم إدارة أوباما الداخليين والخارجيين، بل إنها تشمل أيضاً مسؤولين حاليين رفيعين في إدارته.

وفي السياق، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أواخر الشهر الماضي، بأن وزير الدفاع، تشاك هيغل، كان قد بعث لمستشارة الأمن القومي الأميركية، سوزان رايس، بمذكرة "ناقدة جداً" لمقاربة إدارة أوباما الاستراتيجية الكلية في سورية. وحسب تقارير إعلامية أميركية، فإن تلك المذكرة ركزت على ضرورة وجود "رؤية أكثر وضوحاً حول ما يمكن القيام به حيال نظام الأسد"، وخصوصاً أنه من الواضح أن نظام الأسد يستفيد عملياً من الهجمات الجوية الأميركية على "الدولة" و"جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم "القاعدة". فنظام الأسد الآن يوجّه قوته الضاربة نحو إضعاف من تصفهم واشنطن "بالمعارضة السورية المعتدلة"، التي تعلن دعمها لها.

موقف هيغل هذا ليس معزولاً داخل الإدارة الأميركية. فهو ذات الموقف الذي عبّر عنه من قبل كل من وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا، ورئيس الاستخبارات الأميركية السابق الجنرال ديفيد بتريوس. بل إن وزير الخارجية الحالي، يتبنى ذات الرؤية. وهو قد ضمّ صوته إلى أصواتهم بضرورة أن تقوم واشنطن بتسليح "المعارضة السورية المعتدلة". ولكن أوباما لا يزال إلى الآن، على الأقل، يرفض توصياتهم تلك. ووصل به الأمر قبل شهرين تقريباً أن أعلن بأن الحديث عن قدرة مقاتلي المعارضة السورية، والذين هم "مجموعة من الأطباء والمزارعين والصيادلة السابقين وما إلى ذلك"، على هزيمة نظام الأسد، لو توفر لهم التدريب والتسليح الفعال، أمر مبالغ فيه وطوباوي.

حديث المراجعات

اللافت هنا، أنه على الرغم من كل الانتقادات الداخلية والخارجية، فإن إدارة أوباما لا تزال تبعث يوماً بعد يوم، إشارات مؤكدة على أنها باقية في حيز الارتباك والتردد، وحتى الغموض في السياق السوري.

على سبيل المثال، سارع المتحدث باسم المجلس الأمن القومي الأميركي إلى نفي أن ما يجري حالياً يندرج في نطاق "المراجعة بقدر ما أنه يأتي في سياق إعادة الضبط" للاستراتيجية الأميركية في سورية. وعاد ليؤكد على المواقف السابقة نفسها، وتحديداً، بأن ساحة المعركة الأساسية ضد "داعش" هي العراق، وبأن استهداف التنظيم في سورية يندرج في سياق "حرمانه من ملاذ آمن". كما لم يفته أن يؤكد أيضاً أن الولايات المتحدة لا تعترف بشرعية الأسد، وبأنها تعمل، مع حلفائها على حصاره وعزله.

لكنّ مسؤولاً آخر، أشار إلى أن "النقاشات" الجارية داخل الإدارة الآن حول الاستراتيجية الأميركية في سورية تتركز حول إمكانية فرض منطقة عازلة على الحدود مع تركيا يحظر فيها الطيران وهو مطلب تركي قديم طالما رفضته الولايات المتحدة. كما تضمن النقاشات توسيع دائرة تدريب "المعارضة المعتدلة" في كل من السعودية وتركيا وتسريع آليتها التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد، على الرغم من مرور أكثر من شهرين على إعلان أوباما عن ذلك.

السؤال المطروح هنا، هل ثمة سبب للتفاؤل بتغيير جذري على الاستراتيجية الأميركية في سورية بعد "حديث المراجعات" هذا؟

في الواقع، كلا. ففي مطلع العام الحالي كان ثمة حديث مشابه، وخصوصاً بعد تعبير السعودية عن غضبها العارم من التردد الأميركي في سورية وتلميح كيري أكثر من مرة أنه غير راض عن تلك السياسة.
حينها، سرّبت الكثير من المعلومات بأن إدارة أوباما تدرس بجدية رفع الحظر الذي تفرضه على تسليح "المعارضة المعتدلة" بأسلحة نوعية، وتحديداً بصواريخ أرض - جو للتصدي لطيران الأسد الحربي.
غير أن مصير تلك "المراجعة"، لم يكن أفضل حالاً من "الخط الأحمر" الذي وضعه أوباما لنظام الأسد بعدم استخدام السلاح الكيماوي في الصراع الدائر في سورية، فكانت النتيجة أن مُحِي ذلك الخط في شهر أغسطس/آب من العام الماضي، بعدما هدد أوباما بعمل عسكري ضد نظام الأسد بعد معلومات عن استخدام السلاح الكيماوي.

وفيما تثار تساؤلات حول ما اذا كان ذلك يعني أن إدارة أوباما لن تسعى إلى إحداث تغيير حقيقي في "استراتيجيتها" نحو سورية، فإنه يجب أولاً انتظار تفاصيل "الصفقة"، إن تمت، التي تحاول هذه الإدارة تحقيقها مع إيران حول ملفها النووي وقضايا إقليمية أخرى. كما أنّ روسيا وحساباتها في المنطقة وفي أوكرانيا لن تكون غائبة أيضاً. فالملف السوري، أصبح ورقة مساومة في أيدي أطراف إقليمية ودولية كثيرة. وآخر لاعب يعتدّ به هنا، هو اللاعب السوري، وأقصى ما ينبغي أن يتوقعه السوريون هو ذهاب الأسد والدائرة الضيقة من حوله، مع بقاء نظامه. هذا ما يقوله الأميركيون، فهم لم يجدوا بعد بديلاً للأسد يملأ الفراغ بعده ويتمكن من السيطرة على ذات النظام مع بعض التحسينات الشكلية.

المساهمون