واشنطن الحائرة بين طهران وأنقرة

01 نوفمبر 2014
تمرّ العلاقة الأميركية التركية بأسوأ مراحلها (كايهان أوزير/الأناضول)
+ الخط -

تختلف استراتيجية تركيا عن استراتيجية الولايات المتحدة في ما يتعلق بالملف السوري، إذ يرى المسؤولون الأتراك أن استهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) داخل الأراضي السورية، يجب أن يتزامن مع خطة لإسقاط النظام السوري، في حين تخشى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، على ما يبدو، من أن يؤدي استهداف النظام السوري إلى إغضاب إيران، الأمر الذي قد يدفعها لخلق صعوبات أمام التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

ورغم أن إيران ليست عضواً في هذا التحالف، إلا أن إدارة أوباما تعوّل عليها كثيراً في مساعدة التحالف من خارجه، باعتبار أن تدمير "داعش" يصبّ في مصلحتها في نهاية المطاف. لكن الولايات المتحدة وفي الوقت الذي تريد فيه تفادي أية عرقلة آتية من إيران، فإنها تغامر بتحالفها الوثيق مع تركيا، في حال إهمالها لوجهة النظر التركية إرضاءً لإيران.

وفي هذا الشأن أكد مسؤولون أميركيون، أن "التباين في الآراء بين واشنطن وأنقرة، تجاه سبل التعامل مع الأزمة السورية، يهدّد تحالفاً قوياً استمرّ بينهما لأكثر من ستة عقود". واعتبروا أن "نجاح التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لا يُمكن أن يحقق أي نجاح من دون تركيا".

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست"، يوم الخميس، عن مسؤولين أميركيين، حاليين وسابقين، تصريحات أعربوا فيها عن قلقهم من "اهتزاز التحالف الأميركي التركي وتأثير ذلك على أمن البلدين". وقال السفير الأميركي السابق لدى تركيا، فرنسيس ريتشاردون، إنه "إذا لم تكن تركيا حليفاً لنا فنحن في مشكلة، وتركيا في مشكلة أيضاً". وتابع قائلاً إن "تركيا أهم حليف لنا في العالم".

وتحت عنوان "علامات الانهيار تظهر على تحالف، مضى عليه 60 عاماً بين الولايات المتحدة وتركيا"، نشرت "واشنطن بوست" تقريراً لمراسلتها في العاصمة اللبنانية بيروت، ليز سلاي، أشارت فيه إلى أن "الخلاف بين البلدين يزداد عدوانية، كلما ارتفعت النبرة القاسية من الخطاب المناهض للآخر، وكلما زادت حدة الشتائم التي يتبادلها مسؤولو البلدين، والاتهامات حول من هو المسؤول عن الفوضى السائدة في منطقة الشرق الأوسط، والتي وصلت إلى درجة أن البعض بدأ يتساءل هل صحيح أن أميركا وتركيا حليفان؟".

ويجيب التقرير عن هذا التساؤل بـ"نعم"، لكن مع الإشارة إلى أن "التحالف الوثيق بينهما أصبح الآن موضع اختبار بسبب سورية". ويعود الخلاف إلى رفض تركيا السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها، لشنّ هجمات ضد "داعش"، بسبب ملاحظات لها، حول كيفية إدارة المعركة المستعرة في ضواحي المدينة الحدودية السورية عين العرب.

ومما يغضب تركيا أيضاً إنزال الطائرات الحربية الأميركية، الأسبوع الماضي، أسلحة إلى جماعة كردية تُصنّفها تركيا "منظمة إرهابية". ولم يخفِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، غضبه من الطريقة التي أبلغه بها أوباما عن الإنزال، في مكالمة هاتفية جرت بينهما بعد ساعة واحدة، أو أقلّ، من إعلان أردوغان للصحافيين، أن "تركيا لن تسمح بمثل هذه المساعدة". ولذلك فإن أردوغان وخلال جولته على دول البلطيق الأسبوع الماضي، انتقد أوباما في كل محطة وصل إليها بعبارات لاذعة.

وسعى مسؤولون أميركيون إلى طمأنة تركيا بأن الإنزال الجوي كان لمرة واحدة، ثم اتفقت الدولتان على خطة لدعم الأكراد السوريين المحاصرين مع مقاتلي "البشمركة" (القوات الكردية) العراقيين، الذين لا تعترض تركيا عليهم كونها تحتفظ بعلاقات ودية مع أكراد العراق.

وقال المحلل التركي في مركز "الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن، بولنت علي رضا، إن "التحالف بين تركيا وأميركا ولد تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، نتيجة مخاوف مسلمي تركيا من التوسّع السوفييتي، ولكن التوتر بين واشنطن وأنقرة لا يحدث للمرة الأولى، فقد سبق أن حدث في 1974، عندما فرضت الولايات المتحدة حظراً على تصدير السلاح إلى تركيا، بعد غزو القوات التركية قبرص في ذلك العام".

ويضيف علي رضا "في عام 2003، كان هناك غضب في واشنطن عندما رفض البرلمان التركي السماح للقوات الأميركية باستخدام الأراضي التركية نقطة انطلاق لغزو بلد اسلامي هو العراق، مما أثار بروداً عميقاً في العلاقات بين البلدين استمر سنوات".

ويتهم الأميركيون الأتراك بأن لديهم شيئاً من التعاطف نحو "داعش"، لكن الأتراك بدورهم يتهمون الأميركيين بـ"قصر النظر" في تعاملهم مع المشكلة السورية، معتبرين أن "الاستراتيجية الأميركية لن تنجح، إن لم تكن خطرة وتأتي بنتائج عكسية".

وتعتقد تركيا أن "الرئيس السوري بشار الأسد هو السبب الجذري لحالة عدم الاستقرار، التي أدت إلى نشوء الدولة الإسلامية، وأن تركه في السلطة من شأنه إطالة أمد الحرب الأهلية على حدودها الجنوبية". أما أوباما ومسؤولون أميركيون آخرون، فإنهم وعلى الرغم من تردادهم دوماً أن "الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من أي حلّ، فإنهم لا يعملون شيئاً من أجل إزاحته من السلطة".

ولم تُشر "واشنطن بوست" إلى سبب عزوف واشنطن عن استهداف الأسد، كما لم تنقل عن أي مسؤولين أميركيين أو أتراك تفسيراً لذلك، لكن من المرجّح أن واشنطن تسعى في هذا الجانب لمراعاة مشاعر طهران حتى لا تسبب لها أي مشكلات، قد تعيق التحالف الدولي ضد "داعش" من خلال نفوذها في العراق.

وتقف واشنطن بذلك حائرة بين طهران وأنقرة، إذ إن إيران وتركيا تدعم كل منهما طرفاً مغايراً في الحرب السورية، فتركيا تدعم المعارضة الإسلامية المعتدلة ضد الأسد، الذي تدعمه إيران عسكرياً وسياسياً.

وتتهم طهران أنقرة بإطالة أمد الحرب في سورية عن طريق التدخل في شؤونها الداخلية، وفقاً لتصريحات مسؤولين إيرانيين، ويرون أنه "كان بالإمكان إنهاء الأزمة في سورية منذ ثلاث سنوات، لو كان المسؤولون الأتراك توقفوا عن المطالبة بتغيير النظام"، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).

ومع أن إيران والولايات المتحدة عدوان لدودان منذ عقود، لكنهما يشتركان في مصلحة استراتيجية واحدة الآن، تتمثل في تقويض المكاسب التي حققها "الدولة الإسلامية" الذي يهدد باعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط، من خلال الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي. وتمثل المكاسب العسكرية لمقاتلي "داعش" تحدياً لاستراتيجية طهران، الرامية الى تمديد نفوذها الإقليمي من خلال حلفائها في العراق وسورية ولبنان واليمن.