واسطة يا "ست".. مدد يا "حسين"

11 يونيو 2015
أبدت الطالبة فجر العادلي شجاعة أمام السيسي وميركل (Getty)
+ الخط -
بعيداً عن زيارة السيسي المهينة للديمقراطية وحقوق الإنسان إلى ألمانيا، وبعيداً عن الوفد المرافق للزيارة والمثير للاشمئزاز، وبعيداً عن امتناع رئيس البرلمان الألماني عن مقابلة السيسي، وبعيداً عن تصريحات الصحافة الألمانية ضد الزيارة، وبعيداً عمّا أبدته الطالبة الشجاعة فجر العادلي في مواجهة السيسي وميركل، وبعيداً عن حقيقة التخاذل والتواطؤ الدولي تجاه القضية المصرية والتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان والقمع المفرط الذي تقوم به السلطة بكل مؤسساتها تجاه المعارضين..

كل ذلك لا ينفي حقيقة وجود مقاومة من الثوار تعرقل بشكل كبير خطة السلطة في السيطرة والإخماد والتمكين مما يؤكد على أن الكرة لا زالت على ملعب الثوار بعيداً عن المواقف الدولية.


ورغم التأكيد على هذه الحقائق، علينا أن ننخرط في المشكلات المصرية ونعود بذاكرة الأسماك قليلاً إلى تصريحات وزير العدل السابق محفوظ صابر والذي صرح بمنتهى السفور بأن أبناء عمال النظافة لا يصلحون أن يكونوا قضاة، فمثل هذه التصريحات الفاسدة تعكس حالة العنصرية والطبقية والتمييز الذي تعاني منه الأمة المصرية منذ عقود من الزمن.

وما قاله محفوظ صابر قاله وزير العدل الحالي أحمد الزند بصياغة أكثر فجاجة وأكثر عنصرية في جملته الشهيرة (نحن الأسياد وهم العبيد) وكذلك قاله مدير أمن البحيرة إبان ثورة يناير المجيدة.

هذه التصريحات الفجة ما هي إلا انعكاس حقيقي لحكم العسكر الذين أزالوا حكم الملك والباشوات وجاءوا بحكم الأسياد، الذين أزالوا قطاعاً مثقفاً منتجاً وجاءوا لنا بقطاع جاهل فاسد غير منتج، وأصبحت الواسطة والمحسوبية والتوريث من أهم أدوات الجهاز البيروقراطي والطبقية الجديدة، كما أصبحت من أهم مصوغات التعيين على الإطلاق حتى أصبحت الوظائف ذات الحيثية الاجتماعية والمرتبات العالية والامتيازات قاصرة على أولاد كبار الموظفين وأصحاب النفوذ والرأسمالية المتوحشة، حتى بات أبناء الطبقات العاملة والمهن المختلفة المجتهدون منهم وأصحاب المراتب الأولى في كلياتهم المتخصصة يصابون باليأس والإحباط في الفوز بإحدى هذه الوظائف رغم محاولاتهم المضنية في التقدم لتلك الوظائف على أمل أن تصيبهم صدفة الواسطة ولو عن طريق الخطأ، وهذا ما انعكس سلباً على قضية الانتماء للوطن مما زاد من مشاعر الحقد والكراهية وتسبب في الكثير من الانحرافات والتطرف مما خلف حالة من عدم الاستقرار والأمان الاجتماعي، وضرب الأمة في عمودها الفقري وهم الشباب عصب الأمة ودرعها الواقي ومستقبلها، مما زاد من دوافع الهجرة، شرعية كانت أو غير شرعية والتشتيت في بلاد ربما لا ترحب بمجيئنا في الغالب لكنها بلاد لا تعرف الواسطة بل تحترم الجد والعمل وتشجعه بغض النظر عن مهنة الوالد أو ملكيته.

ما قاله محفوظ صابر والزند وكثير من رجال القضاء والشرطة يعكس تماماً ما تعانيه البلاد من فساد الحكم واحتكار للسلطة والثروة واحتقار المواطن. ما قاله محفوظ صابر والزند وغيرهما يكفي لإحداث ثورة وثورات وهي آتية لا محالة، لكنها لن تكون ثورة على طريقة 25 المستأنسة لأن ثورات العبيد كما يصفونهم لم تقم على حسابات المكسب والخسارة، لم تقم من أجل التحرر وكفى، بل قامت من أجل القضاء على الأسياد ومحو آثارهم من ذاكرة التاريخ.

(مصر)
المساهمون