يراهن الملياردير الأميركي وارن بيفت، على مستقبل الغاز، رغم سحب الشكوك الكثيفة التي تراكمها جائحة كورونا في سماء الطلب العالمي على الطاقة وأسعارها. ونفذت شركة بيركاشير هاثاوي التي يملك أسهمها ويديرها الملياردير بيفت، أولى صفقاتها وأكبرها خلال العام الجاري في أصول الغاز الطبيعي، إذ أكملت هاثاوي صفقة شراء شركة "دومنيان إنيرجي"، التي تعد واحدة من أكبر منشآت الغاز الطبيعي في أميركا.
في هذا الشأن، قالت شركة "دومنيان إنيرجي" الأميركية، إنها وقعت صفقة لبيع وحداتها في مجال نقل الغاز وتخزينه إلى شركة بيركشير هاثاواي مقابل 9.7 مليارات دولار. ويشمل ثمن الصفقة كذلك الديون المتراكمة على "دومنيان أنيرجي" التي قدرتها بنحو 5.7 مليارات دولار.
ولدى شركة "دومنيان إنيرجي" خطط لنقل الغاز الطبيعي عبر خطوط طولها 7700 ميل عبر الولايات الأميركية، وتأسيس وحدات تخزين الغاز سعتها 346 مليار قدم مكعب. وقال بيفت إنه فخور بإضافة أصول الغاز الطبيعي إلى أعمال الطاقة التي تملكها بيركاشير هاثاواي.
وحسب قناة "سي أن بي سي"، فإن شركة بيركاشير هاثاواي ستمتلك بهذه الصفقة نحو 18% من إجمالي خطوط نقل الغاز في الولايات المتحدة، مقارنة بما كانت تملكه قبل الصفقة البالغة 8.0%. ويشتهر الملياردير بيفت بقدرته الاستثمارية وانتقائه في صفقاته للمجالات التي تصنع أرباحاً كبرى في المستقبل.
وعادة ما يشتري المستثمر بيفت الأصول المنخفضة التي تملك مستقبلاً للنمو، وبالتالي يرى محللون أن صفقة شراء أصول الغاز الرخيصة حالياً في الولايات المتحدة تناسب تماماً اختيارات بيفت.
وتشهد أسعار الغاز الطبيعي في الوقت الراهن انخفاضاً يُعد الأكبر منذ 25 عاماً، كذلك فإن أصول شركات الغاز الطبيعي تواجه أكبر تدهور وسط إفلاسات شركات النفط الصخري وتراجع أسهمها في البورصة الأميركية.
لكن إدارة معلومات الطاقة الأميركية ترى أن الطلب على الغاز المسال سيشهد ارتفاعاً في الأسواق العالمية خلال العقد الجاري. كما ذكرت دراسة صدرت أول من أمس الاثنين عن شركة "كول ماركت ريسيرش" الأميركية أن الطلب على الغاز المسال سيرتفع في أميركا اللاتينية وآسيا مع تعافي الاقتصادات من جائحة كورونا. وتوقعت الدراسة أن تستفيد صناعة الغاز المسال من أسواق أميركا اللاتينية القريبة من الولايات المتحدة، وبالتالي أن تقلّ كلفة النقل على شركات الغاز المسال الأميركية مقارنة بكلف أسعار النقل لآسيا وأوروبا. يذكر أن حصة دول أميركا اللاتينية من إجمالي صادرات الغاز المسال الأميركي بلغت 27.6% حتى أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن الغاز الطبيعي لا يزال هو المهيمن على توليد الكهرباء في الولايات المتحدة، إذ يستحوذ على حصة 38% من إجمالي توليد الكهرباء الأميركية مقارنة بحصة 23% للفحم الحجري و20% للطاقة النووية و17% للطاقات المتجددة.
وينظر محللون إلى خطط المرشح الديمقراطي عن الحزب الديمقراطي جو بايدن، الرامية إلى استثمار نحو 3 تريليونات في الطاقة النظيفة على أنها ستدعم استهلاك الغاز في المدى المتوسط، لأن الولايات المتحدة ستتخلص تدريجاً من توليد الكهرباء بالفحم الحجري الذي سيجري إحلاله بالغاز الطبيعي.
ومن بين العوامل التي تدعم ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي خلال السنوات المقبلة، القوانين الجديدة التي أقرتها منظمة الملاحة الدولية لمنع التلوث في البحار، ودخلت حيز التنفيذ منذ الأول من يناير/ كانون الثاني في العام الجاري. وبناءً على هذا القانون، ستضطر السفن إلى استخدام سوائل الغاز في الوقود بدلاً من الخامات النفطية عالية الكبريت.
ووفقاً للقانون الذي أقرته منظمة الملاحة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإنه لا يسمح للسفن باستخدام الخامات النفطية المحتوية على نسبة عالية من الكبريت تفوق نسبة تفوق 0.5%، وبالتالي فهو يقلب معادلة الطلب العالمي من النفط إلى الغاز الطبيعي والسوائل الخفيفة التي تصاحب عادة إنتاج الغاز.
ويرى مصرف مورغان ستانلي الأميركي أن هذا القانون سيرفع الطلب على سوائل الغاز خلال الثلاث سنوات المقبلة بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً إلى 3.2 ملايين برميل يومياً.
ويرى محللون أن الدول الآسيوية التي ترتفع فيها التجارة الدولية وتعاني من مشكلة التلوث أكثر من غيرها من بقاع العالم ستكون حريصة على تطبيق هذا القانون خلال العام الجاري والأعوام المقبلة.
من جانبها، ترى وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الصادر في يونيو/ حزيران الماضي أن الطلب العالمي على الغاز سينكمش خلال العام الجاري بنسبة 4%، أي نحو 150 مليار متر مكعب، كما تتوقع الوكالة الدولية أن تواصل تداعيات كورونا على الاقتصادات الدولية تأثيرها في الطلب العالمي على الغاز حتى عام 2025.
وتشير توقعات وكالة الطاقة إلى أن الطلب العالمي على الوقود الأزرق سيتراجع بنحو 75 مليار متر مكعب سنوياً. ولكن يشير محللون إلى أن صناعة الغاز المسال تستفيد حالياً من مجموعة عوامل، أهمها ما طرأ من مرونة على العقود المستخدمة في تجارة الغاز، والزيادة الملحوظة في عدد المنصات والوحدات المستقبلة للغاز المسال وتحويله من حالة السيولة إلى الحالة الغازية ونقله عبر أنابيب الغاز في الدول المستهلكة الرئيسية في آسيا وأوروبا.
أما العامل الآخر الذي تشير إليه دراسة "كول أنيرجي ريسيرش" الأميركية، فهو التحول التدريجي الجاري عالمياً نحو الطاقة النظيفة، وهو تحول سينقل الطلب من الفحم الحجري والخامات النفطية الثقيلة نحو الغاز الطبيعي خلال العام الجاري. أما العامل الآخر الذي قد يدعم الطلب على الغاز خلال السنوات المقبلة، فهو إلغاء العديد من مشاريع الغاز الكلفة التي كان مخططاً لها في كندا ودول أخرى بعد تفشي جائحة كورونا.
واتجهت العديد من شركات الغاز الطبيعي نحو تلافي الخسائر الناجمة عن انخفاض أسعار الغاز من طريق تقليل مصاريفها الرأسمالية والتشغيلية، ولذلك فإن مشاريع الغاز المسال العالمية الجديدة ستواجه مصاعب غير مسبوقة في التنافس مع الصناعات القائمة بسبب ارتفاع الكلفة مقارنة بالمشاريع القائمة في دولة مثل قطر التي تنتج الغاز من حقل ضخم مكتمل الإنشاءات.
وبالتالي، تستطيع شركات الغاز القطرية المنافسة على أسواق كبرى مثل الصين واليابان، رغم رخص الأسعار، مقارنة بصناعات الغاز الحديثة التي أُنشئت على أساس أسعار مرتفعة من الغاز، خاصة المشاريع الجديدة في أستراليا.
ويرى محللون أن سوق الغاز خلال السنوات المقبلة ستعتمد إلى درجة كبيرة على مدى قدرة العالم على السيطرة على فيروس كورونا أو القدرة على التعايش معه، إذ إن الجائحة أصبحت من المحددات الرئيسية للنمو العالمي. ويترقب تجار يضاربون على الغاز ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا وآسيا خلال موسم الشتاء الجاري بسبب ارتفاع الطلب المتوقع، إذ تعاني سوق الغاز في أوروبا حالياً من تراكم المخزونات المقدرة بنحو 62 مليار متر مكعب، لكن هذه المخزونات قد تُستهلَك حينما يقترب موسم الشتاء.
ويعتمد الطلب الأوروبي على الغاز في أوروبا وآسيا على درجة البرودة في موسم الشتاء. ويتوقع خبراء في تجارة الوقود الأزرق مزيداً من الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا، وخاصة خلال الشهور المقبلة، وتوقعوا ارتفاع الأسعار إلى 2.50 دولار للمليون وحدة حرارة بريطانية في بداية العام المقبل 2021، وإلى 6 دولارات عند نهاية العام المقبل. وعادة ما ترتفع أسعار الغاز في آسيا بمعدلات أعلى من أوروبا بسبب معدلات الاستهلاك المرتفعة في الصين واليابان والهند ودول النمور الآسيوية.