وادي حضرموت ساحة مفتوحة للاغتيالات: غض طرف من الحكومة والتحالف

23 اغسطس 2017
يتباين مستوى الانفلات الأمني بين مديريات حضرموت(فرانس برس)
+ الخط -
تصاعدت عمليات الاغتيالات في وادي حضرموت شرقي اليمن إلى حد غير مسبوق، مع دخول المواطنين العاديين في دائرة المستهدفين إلى جانب منتسبي قوات الجيش والأمن، من دون إيجاد حل للانفلات الأمني من قبل الحكومة والسلطات المحلية في المحافظة.

وحضرموت كبرى محافظات الجمهورية، تنقسم إدارياً إلى قسمين، الساحل ويتكون من 10 مديريات من ضمنها مدينة المكلا مركز المحافظة، ووادي حضرموت ومركزه مدينة سيئون يتكون من 18 مديرية، ويعامل من قبل السلطات المركزية كمحافظة مستقلة، إذ إن كل مكتب تنفيذي للوزارات بمدينة المكلا عاصمة المحافظة يقابله مكتب مماثل في مدينة سيئون حاضرة وادي حضرموت.

وبينما يشهد ساحل حضرموت تحسناً أمنياً ملحوظاً مع انتشار قوات الجيش والأمن التي تشكلت خلال العامين الماضيين، يعاني وادي حضرموت من انفلات أمني أثار الرعب في أوساط المواطنين، في ظل حالة من التسيب يعيشها جهاز الأمن.

ومنذ انطلاق ثورة 11 فبراير الشعبية في 2011، التي أطاحت بالرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، شهدت مدن وادي حضرموت انفلاتاً أمنياً غير مسبوق مع تصاعد الاغتيالات التي استهدفت القادة العسكريين والتي غالباً ما يتبناها تنظيم القاعدة، لكن الأشهر الماضية شهدت تطوراً جديداً مع تحول الاغتيالات صوب مواطنين عاديين.

ووفقاً لإحصاء أعده "العربي الجديد" فقد شهد وادي حضرموت في النصف الأول فقط من شهر أغسطس/ آب الحالي 6 عمليات اغتيال، ثلاث منها استهدفت مواطنين، ومثلها استهدفت جنوداً، إضافة إلى حادثة سطو على مصرف خاص، وحالة اختطاف لمواطن.

أما في يوليو/ تموز الماضي فقد قتل خمسة مواطنين في أربع عمليات اغتيال، فيما أصيب آخر في إطلاق النار عليه من قبل مسلحين مجهولين، علاوة على حالة سطو نفذها مسلحون مجهولون على محطة بنزين حكومية بمديرية شبام.

وطبقاً للإحصائية فإن كل عمليات الاغتيال وحالات السطو وقعت في مديريات القطن، وشبام، سيئون والتي باتت بمثابة مسرح مفتوح لعمليات القتل التي تحمل غالباً صبغة ثأرية وانتقامية، وينفذ بعضها في الأسواق العامة على مرأى المواطنين.

وساعدت الطبيعة الجغرافية لوادي حضرموت ذي المساحة الشاسعة والوديان المتفرعة القريبة من المدن على تنفيذ جرائم الاغتيالات والفرار بسهولة، إضافة إلى حالة التسيب التي يعانيها جهاز الأمن العام بالمديريات، فمركز الأمن بمديرية شبام لا يزال مدمراً بفعل تفجير استهدفه منذ سنوات، أما مديرية القطن فجهاز الأمن فيها معطل ولم يعد يمارس سوى معاملات مصلحة الأحوال المدنية.

وعلى وقع الاختلالات الأمنية، التقى زعماء قبائل من وادي حضرموت قبل أيام محافظ المحافظة اللواء ركن فرج سالمين البحسني في مدينة المكلا وكرّس اللقاء للوقوف على الجانب الأمني وحلّ ووضع حد لعمليات القتل والسطو التي يعانيها الوادي، ووعد البحسني بإيجاد حل للمشكلة.

وفي السياق، قال مسؤول رفيع المستوى في وادي حضرموت، فضل عدم ذكر اسمه، إن الاختلال الأمني في الوادي يعود إلى تعطيل مراكز الأمن في كثير من المديريات وبقاء أفرادها في منازلهم منذ سنوات، وعدم وجود مساع جدية من الجهات الأمنية لإعادة تفعيلها.

وأوضح المسؤول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قرابة 75 في المائة من أفراد الأمن العام من خارج المحافظة، ومع تطور الأحداث في البلاد منذ 2011 غادر معظمهم عمله وهذا أحد أسباب المعضلة الأمنية، لافتًا إلى أن الهيكل الأمني بوادي حضرموت يعاني أيضاً من قلة كفاءة وخبرة بعض القيادات.

وكشف المسؤول أن المحافظ السابق اللواء أحمد بن بريك اعتمد تجنيد قرابة 30 فرداً لكل مديرية من المديريات التي تشهد انفلاتاً أمنياً، إلا أن قيادات أمنية بوادي حضرموت عطلت هذا القرار.

ونوه المصدر إلى أن تعويل قيادة أمن وادي حضرموت على تدخل التحالف العربي في انتشال الوضع الأمني تسبب هو الآخر في بقاء الوضع على ما هو عليه نتيجة انشغال التحالف بمدن أكثر أهمية بالنسبة له. وطالب المسؤول الحكومة والجهات المختصة باعتماد عدد كاف من أفراد الأمن لكل مديرية مع رفدهم بتجهيزات متكاملة وبقيادة مؤهلة، لإعادة ضبط الأمن.

إهمال حكومي

وبالرغم من الأهمية الكبيرة لوادي حضرموت جغرافياً واقتصادياً، حيث مطار سيئون الشريان الوحيد للسفر إلى الخارج في ظل المشكلات الأمنية التي يعانيها مطار عدن بين حين وآخر، ووجود الشريط الحدودي الطويل بين وادي وصحراء حضرموت مع السعودية، إلى جانب الطريق الدولي الرابط بين اليمن وسلطنة عمان، إلا أن الاهتمام بوادي حضرموت لم يعد في أولويات الحكومة الشرعية التي تبدو مشغولة بتنازع الصلاحيات مع دولة الإمارات في بعض المدن كعدن وغيرها.

وبينما يقع ساحل حضرموت، على غرار جميع مناطق الساحل في جنوب اليمن، تحت النفوذ الإماراتي منذ تحرير مدينة المكلا في إبريل/ نيسان 2016، لا يزال وادي حضرموت الذي يعد عملياً تحت النفوذ السعودي بحكم الرابط الجغرافي والاجتماعي، يعاني من المشكلات الأمنية على نحو غير مسبوق، الأمر الذي دفع بالرياض أخيراً إلى التحرك لحسم ورقة الأمن في الوادي.

وفي هذا السياق، قال مصدر مسؤول، في حديث مع "العربي الجديد"، إن السعودية بدأت أخيراً بتجنيد ألف شاب من وادي حضرموت بمقر المنطقة العسكرية الأولى في سيئون وبإشراف ضباط سعوديين لتخريجهم ضمن جهاز الأمن العام للعمل بوادي حضرموت.

يذكر أن وادي حضرموت يقع تحت سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى وهي القوات الوحيدة بحضرموت التي ينتمي أفرادها إلى مختلف محافظات الجمهورية، وهذه الأخيرة تعاني من أزمة ثقة مع المواطنين بحكم تراكمات سابقة منذ حكم المخلوع صالح، لكن بقاءها إلى هذا الوقت يأتي في إطار توازنات بين الحكومة وقوى النفوذ العسكرية والسياسية في البلاد.

دلالات