(1)
ثَلجٌ يتجاوز احتضاره الأليف
لخَيمة تشدُ إليها هذا الخراب والمدى،
خَيمةٍ تأوي أشلاء البرق ونجمة هاربة.
بعدَ النجمةِ
قد يكونُ لا شيء
أو قد يكونُ..
لستُ أدري ما قد يكون.
أمدُّ يَدي عَلّي أصلُ
غَيرَ أنَّ تمائمَ الريح،
تَشرّبتْ دمَ آخر القَناديل.
نجمةٌ هَاربةٌ تَصيحُ في البريةِ
أنَّ لهذا الاحتضار نبوءة مُستحيلة.
(2)
هَذا شجرُ العُزلةِ،
يُغادرُ لعنتهُ إلى برقٍ مُعمرٍ
والذينَ خرجوا مِن أجنحتيْ
أخذوا البُعد الأثيريَّ للروحِ
ما كُنتُ أنشدُ مِن سَلوى،
إذ تَركوا اللغزَ آنذاكَ، مُطمئناً.
(3)
ثمَّ، إنَّ ذاكرةَ غابةٍ
تَخثرتْ فيها ملامحُ الحريقْ
تُحاولُ أن تُضيءَ الغيابَ
دونَ أنْ يسقط من وجه الحلم
طائرُ الغناء.
(4)
كانَ يَبكيْ،
وكَانت الطفلةُ الوردةُ ترتعشُ
أمامَ حقلِ الجرح وتجاعيد الغيم.
خرجَ التعبُ عن هيكلِ الزمنْ
طافِحاً بالحنينْ،
ودمعتهُ ما زالت عالقةً
بَيني وبينَ العتبةِ.. كَفضاءْ
وإني لأرى الله فيها، كُل حين.
(5)
ألملمُ حُطامكَ كي أبني قَمراً
حادَ البياضِ، حادَ العَبقْ
لَكن، مَن يلتقطُ ذاكَ اليمامَ
من بينِ تلكَ الأصابعِ؟
تَقمص مُوسيقاها فَتحطمْ.
هل عرفَ جناحاكَ
أنَّ اليمامَ أيضاً، يَتحطمْ؟
(6)
سَأنمو،
فَراشةً في ماءِ الحُلمِ
فِلهذا الشُحوبْ عزاء انفتاحْ
وكلمةٌ، تحملُ ملامحَ برعمٍ طالعٍ
من تَبعثرِ بِلور السَماء.
دونَ وجَهي يَتباعدُ هذا السربُ الأزرقْ
كَيف للنجمِ الأخيرِ أن يَهتديْ لاسمهِ؟
(7)
فيِ تحولات الغسقِ،
أنتظرْ شكلاً مضيئاً للجرح
كأننيْ تائهةٌ في شَهقةِ البريقْ وفي الضَجر..
فلأتحولَ في صاعقة الموتِ بَجعةً،
وليأخذُ هذا المَدىْ شكلَ اضطرابيْ!
(8)
لاقِني، في الموج الذي يقترب
وفي جهات النسيان القصية
نحاول أبداً الصعود حتى الرؤيا.
وإذْ نولدُ باسمِ المَغفرةِ
نجهلُ أن ننتميْ،
ونجهلُ الفَناء الطليقْ.
(9)
فَراشاتٌ،
انشَطرت في الصرخة الأخيرة.
ولأنَّ غلالة الحُزنِ
مُتأصلةٌ في البذرةِ الأولى،
ولأنَّ هَذه التهويدة قَد يَطالهُا التلفْ
أفلتتْ السماءَ مِن أجنِحتها، ونَامتْ.
(10)
تَبنّيتُ اسمَ الجَحيمْ،
فتعثَّرت في دَميْ زهرةُ اليقينْ
لِذا، فتّشتُ عن الهاويةِ في وجهيْ
حفرتُ في جذعِ الفكرةِ صليباً
وصلّيتُ، هبوطاً إلى أعماقِ اليم
كي لا يضلَّ السَحاب الطريقْ.
(11)
مِن شَجرةِ الموتىْ،
قَطفتُ جُمجمتيْ
غرستُها في رمادِ فينيقْ
وبعدَ ألفِ عامٍ من البُكاءِ
سَقيتُ فيها بالدمعِ هَذا الرمادْ
نهضَ الفينيقُ، أعمىْ.
(12)
ما بعد الصَدى والريحْ،
نسيتُ كيفَ يبدو صَوتيْ
والدمُ البكرُ لم يزلْ
يَتهيأ لقيامتهِ في جبلٍ بعيدْ.
(13)
والقمرُ إذ ارتمىْ حافياً من البياضْ
قيلَ إنهُ يَتسرّبُ مِنْ مَلامحيْ
يَتخلّل دمي كالأثير
نَفختُ فيهِ من رُوحي،
فَاستفاقَ الماء
وأنا عَبثاً أحاولُ أن لا أصحو
مِن نشوةِ الغرقْ!
(14)
خُذني بَعيداً..
لمكانٍ أسخرُ فيهِ من هذا العالمْ
أو يسخرُ هو مِنيْ، لا فَرقْ عِنديْ
مكانٍ، أكونُ فيهِ تهديداً للوقتِ الهزيلْ
وفوضى أليفة لمزاجيةِ العدمْ!
خُذني على هَيئةِ الأبدْ،
فأنا الآنْ، امتدادٌ هادئ طويل
لهذا الضَبابْ الكثيفْ.
(سورية)