هيمنة فرنسية على اقتصاد الجزائر... وتساؤلات حول الامتيازات والاحتكار

20 ابريل 2019
خلال تحرّك للجزائريين ضد النظام (العربي الجديد)
+ الخط -
ارتفعت الأصوات في الحراك الجزائري، مطالبة بتحرير الاقتصاد من الهيمنة الفرنسية، إذ لا يزال بلد المليون شهيد يتناقل أخبار السنوات الطويلة من الاستعمار الفرنسي الذي انتهك الأرض وسكانها، ولم يخفف الاستقلال من حدة النقمة المتناقلة من جيل إلى آخر.

إلا أن رحيل عبد العزيز بوتفليقة عن رأس النظام بعد تحركات انطلقت في 22 شباط/ فبراير الماضي، تزامن مع طرح المحتجين رؤية أخرى للسياسات الاقتصادية، تقوم على إعلاء شأن الإنتاج على حساب الريع، وتحرير الاقتصاد من الامتيازات المقدمة إلى المحظيين، ومن بينهم فرنسا.

فالأخيرة، بحسب كثير من الجزائريين، اتخذت البلاد سوقاً لتصريف بضائعها، في حين أن استثماراتها في البلاد، تميل لخدمة المصالح الفرنسية، وسط عدد كبير من الامتيازات وغضّ الطرف عن الكثير من المخالفات.

تبلغ الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الجزائر 2.5 مليار دولار نهاية 2017، حسب أرقام حصلت عليها "العربي الجديد" من الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمار. وتتمثل هذه الاستثمارات بـ500 مشروع، تنخرط فيه نحو 400 شركة تشغل نحو 40 ألف منصب شغل مباشر، وترتكز هذه الاستثمارات، في قطاع الطاقة، ثم الصناعات الميكانيكية والصيدلانية، وصولاً إلى الخدمات في المرتبة الأخيرة.

ويرى خبراء اقتصاد وسياسيون أن فرنسا ستبقى تعتبر الجزائر سوقاً تجارية ولن تستثمر فيها، ودليلهم على ذلك أن الاستثمارات الفرنسية في الجزائر بقيت ذات تأثير نسبي على الاقتصاد، كما تخلق مناصب الشغل بسيطة مقابل الامتيازات القانونية والضريبية التي تحوزها.

وفي السياق يشرح مبارك سراي، خبير اقتصادي ومستشار سابق في الرئاسة الجزائرية، أن "الاستثمارات الفرنسية رغم تراجعها أمام الاستثمارات الصينية والتركية إلا أنها موجودة".

ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "المشاريع الفرنسية في الجزائر تجد منافسة من الصين على وجه الخصوص، التي دخلت قطاعات عديدة من تشييد الطرق والجسور إلى بيع القماش والألعاب، غير أن هذا لم يمنع تركز الاستثمارات الفرنسية في قطاعات النفط والميكانيك والموادّ الغذائية والصيدلانية، كما أن فرنسا تفضل أن تبقى الجزائر سوقاً لمنتجاتها عوض الاستثمار فيها".

وتحظى الاستثمارات الفرنسية بامتيازات لا تتلقاها أي دولة أخرى، وخاصة في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مع دخول شركات فرنسية عملاقة السوق الجزائرية من دون شراكة مع رؤوس أموال جزائرية، عكس ما ينصّ عليه قانون الاستثمار الجزائري، الذي يلزم الأجانب بإشراك طرف جزائري بحصة 51 في المائة في أي مشروع يقام فوق التراب الجزائري، وهو ما حصل مع ثلاثة مشاريع فرنسية كبرى، أنشئت في الجزائر في السنوات الأخيرة، ولا تزال الأسئلة تطرح حولها.

وتقول مصادر "العربي الجديد"، إن أول المشاريع هي المتعلقة بشركة "توتال" النفطية في الجزائر، التي حصلت سنة 2016 على صفقة لإنشاء مصنع ضخم شمال غرب الجزائر، مختص في تكرير النفط، وإنتاج الزيوت بغلاف مالي قارب المليار الدولار.

وهو المشروع الذي ظل الطرف الجزائري فيه مجهولاً، رغم إصرار الحكومة الجزائرية أن "سوناطراك" هي التي ستحوز 51 في المائة من المشروع، وهو ما تؤكده الشركة النفطية الجزائرية، إلا أن هذا المشروع لم يدخل في ميزانية استثماراتها المبرمجة بين عامي 2017 و2022.

وفي السياق، لا يستغرب المدير العام الأسبق لشركة "سوناطراك" عبد المجيد عطار، "فرض الفرنسيين مصالحهم على الحكومة الجزائرية، وخاصة في المجال النفطي، وذلك لعدة اعتبارات أولها سياسية بالطبع. فالنظام الجزائري يرى دائماً وجوده مرهوناً برضا النظام الفرنسي، والسبب الثاني خلف تقديم تسهيلات للفرنسيين، ما يراهن عليه بعض المسؤولين الجزائريين في فرنسا عند تحويل أموالهم الخاصة، فباريس تعدّ جنة لثروات الجزائريين".

ويضيف عطار لـ "العربي الجديد"، أن "فرنسا لديها الأسبقية في مجال منع الصفقات النفطية خارج سلطتها، كما يمكن ملاحظة سطوة فرنسية من نوع آخر تتعلق بعقود شراء الغاز، حيث تضغط باريس بتمديد عقود الغاز الجزائري إلى فرنسا، في مقابل الحصول على صفقات استخراج النفط".

لعل أكبر مشروع فرنسي أثار حفيظة الرأي العام الجزائري، هو مشروع تجميع السيارات من علامة "رينو"، المُدشن سنة 2014 برأس مال فرنسي بالكامل، بلغ مليار يورو أي ما يقارب 1.4 مليار دولار، على أن يجمّع 150 ألف سيارة سنوياً. ومنذ افتتاحه شغل هذا المصنع الشارع الجزائري، وذلك لغلاء السيارات المركّبة فيه، وعدم رفعه لنسبة الإدماج المتعلقة بالقطع المصنعة محلياً".

وحسب يوسف نباش رئيس جمعية وكلاء السيارات متعددي العلامات، فإن "مصنع رينو هو أكبر عملية احتيال في الجزائر، الفرنسيون اشترطوا أولاً اختيار مكان إقامة المشروع، ثم اشترطوا عدم إدخال أي شريك جزائري خوفاً على التكنولوجيا الفرنسية، والأخطر من ذلك أن رينو وعن طريق الرئيس فرنسوا هولاند اشترطت عدم تصدير السيارات المركبة من الجزائر حتى لا يتضرر مصنعهم في طنجة المغربية، الذي يمدّ السوق الأفريقية بالسيارات".

ويلفت نباش لـ "العربي الجديد"، إلى أن " المصنع وبعد 5 سنوات لا يزال يجمع سيارات فرنسية 100 في المائة، رغم أن القانون الجزائري يلزم العلامات العالمية برفع نسبة الإدماج في السيارات المركبة إلى 40 في المائة بعد السنة الثالثة من إطلاق المشروع، وللأسف المصنع الفرنسي لا يزال يحوّل أموال الجزائريين إلى الخارج بطرق قانونية".

وتضيف المصادر، أن المشروع الثالث الذي نجحت باريس في إقامته من دون شراكة جزائرية، هو مصنع "سانوفي" لإنتاج الأدوية، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة كالسكري والضغط الدموي، بحجم استثمار فاق 500 مليون دولار، ورأى المصنع النور سنة 2016.

ويكشف مراد صايجي، ممثل فيدرالية منتجي الأدوية الجزائريين أن "المصنع احتكر سوق الأنسولين في الجزائر، وأصبح مصير أكثر من مليوني جزائري مصاب بالسكري مرهوناً بمصنع "سانوفي" الواقع في الضاحية الغربية للجزائر العاصمة".

ويضيف المتحدث ذاته لـ "العربي الجديد" أن الحكومة ترفض منح تراخيص لإنتاج الأدوية، حتى تبقي على الاحتكار الفرنسي، وهو أمر خطير، كما أن المصنع استفاد من عدة امتيازات أولها مسح غرامة بـ 40 مليون يورو صادرة عن القضاء الجزائري بتهمة التهرب الضريبي والتصريح الكاذب للعلامة الفرنسية عن بياناتها المالية.

ويحمّل أستاذ الاقتصاد في جامعة البليدة، أحد رموز الحراك الشعبي فارس مسدور، من سماهم "المسؤولين الجزائريين النافذين في السياسة والاقتصاد سابقاً مسؤولية هيمنة فرنسا على السوق"، مضيفاً في اتصال مع "العربي الجديد" أن "هؤلاء المُوالين لفرنسا يسهّلون دخول شركات فرنسية، بعضها مفلس، وفي المقابل يستفيدون ماديا".

ويقول: "إنهم يعملون من دون ضجيج في خدمة فرنسا". ويضيف مسدور أن "الشركات الفرنسية هرّبت مليارات دولار من الجزائر منذ 2005، كأرباح وتضخيم للفواتير، رغم أن القوانين الجزائرية تمنع تحويل الأرباح كاملة نحو الشركات الأم وتلزم باستثمار نصف الأرباح في الجزائر". ويتابع: "حان الوقت لإعادة رسم الاقتصاد الجزائري وفق ما يخدم الجزائر والجزائريين وليس وفق ما يخدم فرنسا وأتباعها". 
المساهمون