هوية مصر.. الجغرافيا كما فهمها جمال حمدان

27 يونيو 2018
(نهر النيل قرب مدينة المنيا المصرية)
+ الخط -

تنظم كلية الآداب في "جامعة القاهرة" اليوم الأربعاء محاضرة تحت عنوان "المشروع الوطني في العلوم الإنسانية.. دراسة حالة لهوية مصر عند جمال حمدان"، يلقيها الباحث والمترجم المصري عاطف معتمد (1969) المتخصّص في الجغرافيا الطبيعية والعلوم الاجتماعية.

يقف الباحث عند مفهوم "الجغرافيا" التي يقصدها المفكر المصري جمال حمدان (1928 – 1993) باعتبارها "جسراً يربط بين العلوم الطبيعية والاجتماعية وتصل ما فصله التخصّص الأكاديمي الضيق"، و"المكان" بوصفه فلسفة عملية واقعية ترتفع برأسها فوق التاريخ لكن تظل أقدامها راسخة في الأرض، وأنه لا انفصال في الواقع للجغرافيا عن صيغة فلسفية.

يُجمل معتمد منهجية صاحب "شخصية مصر" بأنها ترى علم الجغرافيا مهتماً في المقام الأول بدراسة التباين بين الأقاليم وما يجمعها من تشابه وما يفرق بينها من عناصر اختلاف، وحين تكون للأماكن صفات مميزة متفردة ينضج المكان إلى مرحلة نسميها "شخصية الإقليم"، وأن دراسة الشخصية الإقليمية لا تقتصر على الحاضر وإنما لابد من متابعة تطور هذه الشخصية عبر التاريخ.

كما يناقش "عبادة الذات" كما رآها حمدان، فكلما زاد الجهل بمصر كلما زاد التعصّب لها، وكلما أمعن المصريون في الهزيمة والانكسار ازداد فخرهم بأنفسهم كشعب محارب، ما يفضي إلى التفاؤل بإسراف يدعو إلى الإشفاق، أول التشائم إلى حد متطرّف قابض للنفس.

يستعيد معتمد مقولة صاحب "دراسة في جغرافيا المدن" بأن مصر تستعصي على التعميم، فهي أرض خصبة ينطبق عليها حقا مسمى "أرض المتناقضات أو الأضداد"، متتبعاً تأثير الفروق الاجتماعية الحادة، والتباين الشديد بين عظمة الآثار القديمة وتواضع المسكن القروي اليوم، والتباين بين الوادي والصحراء حيث يتجاوران جنباً إلى جنب كما تتجاور الحياة والموت.

يرى حمدان، بحسب المحاضر، أن مصر بسبب تجمع كلّ هذه التناقضات فيها ينحو أبناؤها إلى الحلول الوسطى التي تبتكر من خلال عملية طويلة ومعقدة ومتراكمة، يمكن تلمّسها عند قراءة دورها الحضاري والتاريخي، وتعاملها مع الموارد والطاقة، وفي السياسة والحرب، وفي النظرة والتفكير.

يشير معتمد إلى أن صاحب "أفريقيا الجديدة" آمن بأن "مصر أكثر من أي بلد آخر، حياتها كلها هي النهر، لا وجود لها بدونه، بل إن مصر من الناحية العملية ترعة أكثر مما هي أو بقدر ما هي نهر.. حسبك فقط أن شبكة ترعها والمصارف ليست أول وأقدم ما في العالم فحسب، وإنما كذلك أكثفها إلى اليوم حيث لا مثيل لأطوالها بحسب المساحة أو السكان. إنها ببساطة ابنة الري جغرافياً، وإن كانت أمة تاريخياً".

أما الصحراء، وفق حمدان، فهي ذات تأثير كبير في الشخصية المصرية، حيث الواحة فيها تعتمد على المياه الجوفية لا على المطر، حيث تجمع بين نقيضتي الجفاف والحياة في أرض زراعية بلا نبات طبيعي ورعي ما جعل المصري يأكل الخبز بلا لحم والبقول بلا ألبان، وهي أساس حكمته وواقعيته.

المساهمون