يستمرّ التصعيد الصيني الأميركي المتبادل في هونغ كونغ، مع إقرار بكين "قانون الأمن القومي"، لتفسح المجال أمام تدخل إضافي في شؤون الإقليم، خصوصاً لناحية التضييق على الحكم الذاتي المستمر منذ عودة هونغ كونغ من بريطانيا إلى الصين، عام 1997. وردّ المناهضون لبكين في الإقليم بحلّ حزبهم كي لا يتعرّض للملاحقة. في المقابل، استبقت الولايات المتحدة الخطوة الصينية بوقف "تصدير أعتدة عسكرية حساسة". ولا يُمكن فصل التصعيد عن المسار التصادمي على مستويين: الصين هونغ كونغ، والصين الولايات المتحدة. على المستوى الأول، يمكن اعتبار القانون رداً صينياً كبيراً على التظاهرات التي بدأت في هونغ كونغ في يونيو/حزيران من العام الماضي، على خلفية إقرار قانون لتسليم مشتبه فيهم من الإقليم إلى بكين. وعلى الرغم من تراجع سلطات هونغ كونغ لاحقاً عن القرار، إلا أن التظاهرات المنددة بالصين استمرت بزخمٍ قوي، فلم تنجح القوى الأمنية في هونغ كونغ في لجمها، ولا التحشيد العسكري الصيني على مشارف هونغ كونغ في وقفها.
أقرت الصين القانون تحت شعار مكافحة "الأنشطة الانفصالية"
وتسعى الصين من خلال القانون الجديد، إلى فرض سيطرتها على الإقليم، كونها تعتبره تاريخياً جزءاً منها، كما إقليم التيبت، وجزيرة تايوان. أما على المستوى الثاني، فإن القانون الصيني يمكن توظيفه في سياق الحرب المستمرة مع الأميركيين، بدءاً من محاولة واشنطن تحييد الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون بحوار ثنائي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. كما يمكن توظيفه في إطار الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، التي لم يضع اتفاق التجارة الجزئي الموقّع في 15 يناير/كانون الثاني الماضي حداً لها، وضمنه مصير بحر الصين الجنوبي. ويمكن تصنيفه أيضاً رداً صينياً على الاتهامات الأميركية المتواصلة في شأن فيروس كورونا. ومع أن الصين حققت ما تريده في هونغ كونغ، إلا أنها قد تحوّل الإقليم إلى أسخن نقطة نزاع مع الأميركيين، واستطراداً البريطانيين، الحكام السابقين لهونغ كونغ. وكما كان متوقعاً، فقد أقرت الصين القانون أمس الثلاثاء، تحت شعار مكافحة "الأنشطة التخريبية والانفصالية" في هونغ كونغ، حسب ما أكده عضو اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني ونواب هونغ كونغ في المجلس، تام يو تشونغ. وأضاف في تصريحات لصحافيين، أن العقوبات لن تشمل الإعدام، لكنه لم يذكر تفاصيل أخرى مثل إمكانية تطبيق القانون بأثر رجعي. بل أعرب عن أمله "في أن يكون القانون بمثابة رادع لمنع من يريدون إثارة المشاكل. لن ندع هونغ كونغ تُستخدم كأداة لتقسيم البلاد. أما رئيسة هونغ كونغ كاري لام، فأكدت نيتها تنفيذ "القانون".
ورداً على الخطوة الصينية، أعلن حزب "ديموسيستو" الذي أسسه ناشطون معارضون لبكين في هونغ كونغ، حل نفسه. وذكر الحزب على صفحته على "تويتر"، أنه "بعد نقاشات داخلية قررنا حل الحزب ووقف أي نشاط جماعي نظراً إلى الظروف". وأعلن القياديون في الحزب، جوشوا وونغ وناثان لو وجيفري نغو وأغنيس شو انسحابهم من الحزب، مؤكدين نيتهم مواصلة نضالهم فردياً، ما يوحي برغبتهم في حماية الحزب من أي ملاحقة قضائية أو استبعاد، مع بدء تطبيق هذا القانون. وكتب وونغ على صفحته على "فيسبوك": "سأستمر في الدفاع عن بيتي هونغ كونغ إلى أن يكبتوا صوتي ويقضوا عليّ". وتراهن الأحزاب المناهضة للصين على الفوز بكافة المقاعد الشاغرة في المجلس التشريعي في هونغ كونغ، في انتخابات 6 سبتمبر/أيلول المقبل، من خلال الغضب المتنامي للسكان من بكين. وتخشى مجموعات حقوقية من احتمال استخدام القانون لإسكات شخصيات وأحزاب راغبة في أن تتمتع هونغ كونغ بحكم ذاتي أكبر. لكن من الصعب معرفة العواقب الحقيقية للنصّ حالياً بسبب سريّة مضمونه. وفي مايو/أيار الماضي، أعلنت بكين مشروع القانون بهدف "منع ووقف وقمع أي تحرك يهدد بشكل خطير الأمن القومي مثل النزعة الانفصالية والتآمر وإعداد أو الوقوف وراء نشاطات إرهابية، وكذلك نشاطات قوى أجنبية تشكل تدخلاً في شؤون" هونغ كونغ. كما يسمح أيضاً لوكالات الأمن الصينية بالعمل بحرية في المدينة.
أوقفت واشنطن تصدير "معدات عسكرية حساسة" إلى هونغ كونغ
في سياق آخر، أعلنت الصين أنها ستتخذ "تدابير مضادة"، بعدما أوقفت الولايات المتحدة تصدير "معدات عسكرية حساسة" إلى هونغ كونغ رداً على اعتماد بكين "قانون الأمن القومي". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية جاو لي جيان، إن "المحاولات الأميركية لعرقلة مضي الصين في اعتماد قانون الأمن القومي لهونغ كونغ عبر ما يسمّى عقوبات، لن تنجح أبداً"، مضيفاً أن "الصين ستتخذ التدابير المضادة المناسبة". وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قد ذكر مساء أول من أمس الإثنين، أن الولايات المتحدة لن تصدِّر بعد اليوم إلى هونغ كونغ أعتدة عسكرية حساسة، وأنها لم تعد تتعامل معها على أنها كيان منفصل عن بكين. وأضاف في بيان: "لم يعد بإمكاننا التفريق بين تصدير هذا العتاد إلى هونغ كونغ وبين تصديره إلى بقية أنحاء الصين"، مشيرا إلى أن قرار وقف تصدير هذه الأعتدة اتخذ لأن الولايات المتحدة لا تريد "المخاطرة بوقوعها في أيدي" الجيش الصيني. ومن المتوقع أن تُنهي وزارة الخارجية الأميركية جميع صادراتها الخاضعة للرقابة إلى هونغ كونغ، بما في ذلك الذخيرة والمعدات العسكرية التي تحتاج بالفعل إلى ضوء أخضر من الإدارة الأميركية والكونغرس لتصديرها. وستتوقف وزارة التجارة الأميركية بدورها عن التمييز بين هونغ كونغ والصين في ما يتعلق بالمنتجات الأميركية ذات الاستخدام المزدوج، والتي لها تطبيقات عسكرية ومدنية على حد سواء. وأعلن بومبيو القرار، بعد ساعات من قيام الصين بتقييد تأشيرات الدخول لبعض الأميركيين لهونغ كونغ. وقال إنه "ليس من دواعي سرورنا اتخاذ هذا الإجراء، وهو نتيجة مباشرة لقرار بكين انتهاك التزاماتها بموجب الإعلان الصيني البريطاني المشترك المسجل لدى الأمم المتحدة". وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن الجمعة، فرض قيود على تأشيرات المسؤولين الحاليين والسابقين في الحزب الشيوعي الصيني، المتورطين في تقويض الحكم الذاتي لمنطقة هونغ كونغ. وأفاد بيان لوزارة الخارجية الأميركية، بأن الحزب الشيوعي الصيني كثّف جهوده لتقويض الحكم الذاتي لهونغ كونغ، واتهم على الأقل عضواً ببرلمان هونغ كونغ بـ"سوء السلوك".