حين نقل المصري عبد الغفار مكاوي إلى اللغة العربية عمل "الديوان الشرقي للشاعر الغربي" للألماني يوهان فولفغانغ غوته، تساءل في التقديم "ماذا لو أقبلنا على استغلال هذه الكنوز، كما استغل شاعر الألمان الأكبر كنوز الشرق؟".
إن هذا الكنز الحضاري الذي يتحدّث عنه مكاوي ليس متاحاً، وكان غوته استثناء بين أبناء عصره ومن جاء بعده. إنه واحد من مئات المستشرقين، لكنه أتى الشرقَ ممتلئاً بإرادة الانفتاح وإحساس إيجابي بالنقص في ما يمتلكه من إرث معرفي. هذه القيم لم يتَحلَّ بها الغربيون إلا نادراً، ما جعل معظم استشراقهم نفعياً.
اختار غوته أن يكون الشعر أداة استخراجه للكنز. عشق نموذج الشاعر المتجوّل كما قرأ عنه لدى المتصوّفة، وحاول أن يضع حكمة الشرق العرفانية إلى جانب حكمة الغرب المكتسبة، وينسج منهما العالم.
وحين كان يُسأل عن هذه الطموحات الجبارة، كان يجيب ببساطة بأنه يحب أن يشغل نفسه بالمهمّات الصعبة والتجارب القصوى بدل أن يصارع الصغائر والدسائس التي يحفل بها زمنه.
يُعلّم الشاعر الألماني أن اكتشاف النفس لا يتمّ سوى عبر الآخر، ويُعلّم أيضاً أن الإجابات عن الأسئلة الكبيرة لا يمكن أن يحتويها زمننا أو حيزنا المكاني وحده.
لذلك فتح الآفاق لنفسه، وتنفس ملء رئتيه هواء المغامرة البشرية. مغامرة لا بد أن تنتقل من روح إلى أخرى، وإلا ظلت كنوزنا وكنوز الآخرين مدفونة في الأرض.