هندسة الزوال

26 أكتوبر 2015
الوعي بمقتضيات سلامة البيئة يبدأ من عقول الناس (Getty)
+ الخط -

أتفق مع من يذهب إلى أن جوهر الأزمة الناشئة من ظاهرة الاحترار العالمي هو أننا ظللنا نحطِّم - بأيدينا - نمط المناخ المستقر، من خلال تصدير الاضطراب المستفحل إلى الأنظمة الإيكولوجية. بتحريكنا للطاقات من قشرة الأرض وضخ مخرجات النفايات إلى الغلاف الجوي وغيرها من الأنشطة التي يمكن أن توسم بالأنانية، نستحق أن نوصف بــ "مهندسي زوالنا". منا من يدرك، ومنا من لا يدرك هذه الحقيقة، ومنا من يفترض أنه محض تشاؤم.

حتى الذين يدركون - كما يقرّ نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور - ويلتزمون باتخاذ إجراءات عملية بخصوص البيئة، غالباً ما يشعرون بالإحباط بسبب إحساسهم بالعجز تجاه مسألة المناخ. ويقومون بتغيير سلوكهم وعاداتهم الخاصة، ويقللون من تأثيراتهم السالبة، ويرفعون أصواتهم عالياً كلما حانت الفرصة، ويضغطون على واضعي السياسات من أحزاب الخضر والمنظمات البيئية والأفراد وبعض وسائل الإعلام المختلفة وما إليها. لكن، يبقى لديهم شعور بأن تأثيرهم الثمين ما زال ضئيلاً، لأن الزخم القوي للآلة الإعلامية التي بُنيت لتصنع التقدم تبدو مستقلة تماماً عن سيطرة الإنسان وعن قدرته على التحكم في ما يجري.

اعتراف آخر يورده آل غور في كتابه "المستقبل.. ستة محركات للتغيير العالمي" الذي صدرت نسخته العربية من ضمن سلسلة عالم المعرفة، مفاده أن "تراثنا التطوّري جعلنا عرضة للعديد من المحفزات التي تثير التفكير قصير الأجل. عندما يكون المسؤولون المنتخبون تحت ضغط منتظم ومتواصل من أجل توجيه جل اهتمامهم إلى آفاق قصيرة الأجل، فإن المستقبل لا يلقى المستوى المطلوب من الاهتمام".

لماذا نصرّ على النظر تحت أقدامنا - دائماً - في ما يخصّ الشأن البيئي؟ البعض يرى أن ثمّة أسباباً تدعو إلى التفاؤل بشأن المستقبل، منها أن الحرب في تراجع كما يبدو، وكذا الفقر العالمي! وقد جرى القضاء على بعض الأمراض المخيفة، ومنع انتشار أخرى، وانتشرت المعرفة، وتحسنت مستويات المعيشة ومتوسط دخل الفرد، وانتشرت التكنولوجيا وسهلت عمليات الاتصال.

لكن، هل نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث أمامنا من مظاهر الاختلال الجذري بين البشر والنظم الإيكولوجية الأرضية والتي بدأت في التفاقم منذ بدايات التحول في أنظمة الطاقة والزراعة والنقل والبناء في جميع أنحاء العالم؟ أم علينا مواصلة غرس الإيمان في كل من نلقاه بإمكانية تحوّل الضرورات فرصاً والتهديدات إمكانات، إذ إن الحرص على سلامة البيئة والوعي بمقتضيات هذه السلامة يبدآن في عقول الناس؟ وإذا أريد لجهد التنمية أن يستمر لا بدّ من الالتزام بالاستخدام الرشيد للموارد الناضبة، والالتزام في استهلاك الموارد المتجددة، والالتزام بقدرة البيئة على التعامل مع ما نلقيه فيها نفايات وملوثات.

*متخصص في شؤون البيئة

اقرأ أيضاً: الجفاف يهدد صغار المزارعين في السودان
المساهمون