هناء شحادة تتحدّى سرطان الثدي في غزة

03 نوفمبر 2019
"كنت مطالبة بأن أكون قويّة أمام الجميع" (محمد الحجار)
+ الخط -

يُعَدّ سرطان الثدي من أصعب التجارب التي قد تختبرها امرأة. وتتفاقم الأوضاع في مجتمع غير متفهّم مع إمكانيات طبية متواضعة، كما هي الحال في قطاع غزة.

كان عام 2009 بالنسبة إلى الفلسطينية هناء شحادة، من مدينة غزة، أسوأ أعوام حياتها. في خلاله، اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي، ومرّت بالتالي بأحوال نفسيّة مأزومة، لا سيّما مع اضطرارها إلى الخضوع لفحوصات كثيرة، في ظلّ إمكانيات طبية ضعيفة في مستشفيات قطاع غزة في ذلك الحين. لكنّها حسمت أمرها وقرّرت ألا تدع المرض يهزمها، وهذا ما كان، فقد تغلّبت عليه بوسائل مختلفة. واليوم، بعد عشرة أعوام، صارت هناء (59 عاماً) مثالاً تقتدي به مصابات أخريات بالسرطان، فهي راحت تشارك في نشاطات اجتماعية خاصة بمريضات السرطان وتابعت دورات متخصصة في المجال، ما جعلها تصير رئيسة مجلس إدارة مؤسّسة العون والأمل لرعاية مرضى السرطان، بالتزامن مع إدارة مشروع خاص بمأكولات "الياسمين".

تقول هناء لـ"العربي الجديد" إنّها كانت فقط في التاسعة والأربعين من عمرها يوم هاجمها المرض، ولم يكن الأمر سهلاً عليها. وعندما اكتشفت الكتلة الغريبة في ثديها، شكّت منذ اللحظة الأولى في أنّها كتلة سرطانية، نظراً إلى اطلاعها المتواصل على كلّ ما يخصّ المرأة. وتشير إلى أنّها صرّحت أمام طبيبها قبل أن يطلعها على نتائج الفحوصات بأنّها تدرك إصابتها بالسرطان، ففوجئ. ثمّ توالت المراحل الصعبة، من استئصال للورم وعلاج كيميائيّ وتبعات الإجراءات الطبية. فتخبر هناء أنّها قضت عاماً كاملاً "هزيلة وفي حالة نفسية صعبة، وقد تساقط شعري"، فيما تأسف لأنّ الجميع كان ينظر إليها نظرات شفقة وتمييز. تضيف أنّ "أبنائي الستّة عاشوا حالة نفسيّة سيّئة، خصوصاً ابنتي الصغيرة التي كانت تبلغ حينها 11 عاماً وكذلك ابني ذو الستة عشر عاماً". وتذكر كيف أنّ "الاثنَين ضمّاني حينها وبكيا، لكنّهما قالا لي أنت قويّة".



وفي خلال رحلة مكافحتها للمرض الخبيث، راحت شحادة تحيك أردية أطفال وفساتين وألبسة أخرى من الصوف، وحظيت منتجاتها تلك بإقبال جيّد من قبل محيطها ومن زبائن آخرين. وفي عام 2013، بدأت تُعِدّ مأكولات جاهزة من قبيل الكعك والمعمول والكبّة، بحسب الطلب، وكان سوق منتجاتها الغذائيّة حيّ الشيخ رضوان حيث تسكن، قبل أن يزداد الإقبال عليها من خارجه. وفي عام 2014، صار لمشروعها اسم "الياسمين"، وراحت توسّع نطاق عملها مستندة إلى صفحة خاصة أنشأتها على موقع "فيسبوك"، إلى جانب توزيع منشورات دعائية تستعرض فيها ما تعدّه، من قبيل أنواع الكعك المختلفة والمعمول والمعجّنات والكبّة الشامية واللبنة والجبنة والسماقية الغزية والمكدوس، بالإضافة إلى تحضيرها ولائم كبيرة. تمكّنت منتجات هناء من الوصول إلى بيوت غزية كثيرة، على إثر أصداء إيجابيّة ووسط إشادة كبيرة بها. كذلك شاركت بمنتجاتها في معارض مختلفة لدعم مريضات السرطان وغيرهنّ. بالنسبة إليها، فإنّ مشروعها وحبّ الناس لها استطاعا أن يمثّلا حافزاً لمريضات في غزة، رحنَ يقتدينَ بها ويستوحينَ من طاقتها ومن إنتاجها المستمرّ.




قبل أكثر من سبعة أعوام، تطوّعت هناء في مؤسسة العون والأمل لرعاية مرضى السرطان في غزة، وشاركت في دورات متخصصة في تقديم الدعم النفسي والمعنوي والتوجيه لمريضات السرطان. وقد التزمت بأنشطة المؤسسة المختلفة، لا سيّما الحملات والمعارض، لتتبوّأ منصب رئيسة مجلس إدارة المؤسسة.



وتتابع هناء أنّ "60 في المائة من نساء غزة المصابات بالسرطان يواجهنَ ظلماً مجتمعياً كبيراً، وقد طُلّقنَ وحُرمنَ من حقوق كثيرة"، مشيرة إلى أنّ الأمر يصل أحياناً إلى حدّ مقاطعتهنّ من قبل أقاربهنّ، وهذا ما يجعلهنّ محطّمات نفسياً. تضيف أنّ كثيرات من هؤلاء قصدنَها، وقرّرت مساندتهنّ بهدف تخطّي ظروفهنّ الصعبة التي لم تعرفها هي في عائلتها في خلال مرضها. وتوضح أنّ "ثمّة نساء تزوّجنَ عن حبّ، لكنّهنّ واجهنَ الطلاق بعد إصابتهنّ بالمرض". وتتحدّث هناء عن امتناع نساء كثيرات عن الخضوع إلى الفحص المبكر وكذلك عن المتابعة الطبية اللازمة، مؤكدة أنّ "همومهنّ جعلتني أنسى همومي. فأنا كنت مطالبة بأن أكون قويّة أمام الجميع".



مع الوقت، ازدادت خبرة هناء في كيفية تحدّي مرض السرطان، وهي تتابع بصورة يومية كلّ الأخبار ذات الصلة. وبدورها تنقل المعلومات المفيدة إلى مريضات السرطان اللواتي يقصدنَ المؤسسة وأخريات يزرنَها في منزلها. وتشدد هناء على أنّ "سرطان الثدي يطاول أنوثة المرأة"، وهو ما يساهم أكثر في تدهورها نفسياً. يُذكر أنّ الحالة النفسيّة السيّئة قد تفاقم شراسة المرض.
المساهمون