هل يُمكن هزيمة أميركا؟

26 يناير 2019
+ الخط -
هل يمكن مواجهة أميركا؟ وهل يمكن التغلّب عليها؟ سؤالان عادا إلى الواجهة على خلفية الأحداث الجارية في فنزويلا. يمكن من متابعة وسائل التواصل الاجتماعي ملاحظة فئة مؤيدة للرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، تحت شعار "كل من تحاربه أميركا نحن معه". عظيم. لكن هل يمكن كسب أي معركةٍ ضد الأميركيين؟ التاريخ، أقلّه، لا يشفع لهذه الفئة، غير أنه لا يمكن إسقاط مبدأ أن "لكل شيء مرّة أولى"، إلا أن أحداث فنزويلا لا تشي بهذه "المرّة الأولى".
كيف يمكن أن تهزم الولايات المتحدة، وهي التي ربطت عملتها المحلية، الدولار، بالنفط العالمي وبالذهب؟ كيف يمكن مواجهة الأميركيين، ونحن في يومياتنا نتصرّف كأننا أميركيون؟ من الطعام إلى الموسيقى إلى السينما والسيارات والهواتف والكومبيوترات والسجائر والملابس والأحذية، إلى "فيسبوك" و"تويتر"، وصولاً إلى اللغة الإنكليزية. لا يمكن محاربة أميركا بالديمغرافيا، فأمة الـ330 مليون نسمة، متفوقة على الهند (1.4 مليار نسمة) والصين (1.4 مليار نسمة أيضاً). نادراً ما ترى أو تسمع أو تشعر بالوجودين، الهندي والصيني، عالمياً. لا تزال الهند بعيدة عن الحضور الدولي، على الرغم من أنها من أكبر اقتصاديات العالم. والصين ما انفكّت تسعى، منذ السبعينيات، للحاق بالأميركيين بخططها الخمسية. لا تزال الفجوة واسعة، مع أن التنين الأحمر خطا خطواتٍ هائلة في العقود الأخيرة، كما أن استخدام المال لا يكفي لكسر الأميركيين، فالثقافة المالية عالمياً أميركية، وكذا المؤسسات المالية والقواعد المصرفية، لا بل حتى النظام المالي العالمي أميركي الهوى.
حسناً، لنذهب إلى الولايات المتحدة، نظامها مصنوع بقبضة حديدية، إلى درجة جعلت معها الرئيس دونالد ترامب أقوى رجل في العالم. نعم دونالد ترامب الذي أفلس مرات عدة، والذي يحاربه "الاستبلشمنت" الأميركي، قادرٌ على المواجهة، حتى انتهاء ولايته، بعد عام ونيّف. في أميركا ملايين المهاجرين من أصولٍ عربية وأفريقية وآسيوية ولاتينية وأوروبية، جميعهم، بشكل أو بآخر، انسجموا في النظام وتناغموا معه. لا يمكن، أبداً، تغيير النظام الأميركي من الداخل، تماماً لا يمكنك مواجهة الأميركيين على وسائل التواصل الاجتماعي التي ابتكروها، من "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما. سيد النظام يتحكّم بالنظام.
بغضّ النظر عن وضع فنزويلا، يحق لكل فردٍ أن يسأل "كيف يمكن مواجهة أمةٍ نعتبرها ظالمة بحقّ بلدان عدة، بطريقة ما؟". بالطبع، المواجهة التقليدية، سياسياً أو عسكرياً، غير واردة. اسألوا الاتحاد السوفييتي وكوريا الشمالية. أما نموذج فيتنام فلا يمكن تطبيقه في أي دولة. الولايات المتحدة قادرةٌ أن تفرض عقوباتٍ على الجميع، ولا أحد قادرٌ على فعل العكس. طبيعي جداً أن بعضاً ممّن يطالبون بالعدالة الاجتماعية والإنسانية يشعرون بالألم جرّاء هيمنة الأقوى عالمياً على كل شيء، غير أنه لمواجهة الأميركيين، تُستوجب طرق غير تقليدية، بعيدةٌ عن الشعارات الموسمية أو الدائمة. "الموت لأميركا" مثلاً شعار غير واقعي في سياق المواجهة الحالية. الأميركيون ليسوا هؤلاء الذين نراهم في المؤتمرات الصحافية، ولا الإعلاميين. أميركا هي عالم الظلّ. هناك يجب أن تبدأ. يدرس الأميركيون نفسياً كل من يريدون مواجهته، والتغلّب عليه. يعلمون "الخطوة المقبلة" لكل من يريدون محاربته، حتى أن ما قد تعتبره "خسارة لهم" قد تكون انتصاراً لهم من ناحية واقعية.
يُقال "لا يكسر الحديد إلا الحديد". من هنا يمكن مواجهة الأميركيين، أن تجيد ما يجيدونه، ودراستهم، ومعرفة نقاط ضعفهم، لا أن تحمل رشاشاً ما في بلدٍ ما، وتهرع إلى سفارتهم أو مصالحهم أو قنصليتهم ومواجهتهم. هي أمورٌ قد تساهم في التنفيس عن غضبٍ ما، لكن البلاد التي وُلدت في الشوارع تعلم لعبة الشوارع. أما نحن فكل ما يبقى لدينا مجرد أغنية أو قصيدة نشتم فيها الأميركيين وينتهي الأمر. "هل يمكن مواجهة أميركا؟ وهل يمكن التغلّب عليها؟". حالياً؟ بالطبع لا.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".