دفعت أزمة الكهرباء في لبنان البلاد إلى شفا دمار مالي، في الوقت الذي يعرقل فيه انقطاع الكهرباء الاقتصاد، كما أدى الدعم المقدم لها إلى زيادة أعباء الدين العام.
وليس لدى لبنان القدرة على توفير الكهرباء على مدار الساعة منذ الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 حتى عام 1990، ما جعل منازل كثيرة تعتمد على مولدات كهرباء أو على أصحاب مولدات خاصة، يتقاضون رسوماً باهظة كي تظل بضعة مصابيح مضاءة، أو لاستمرار عمل الأجهزة المنزلية أثناء انقطاع الكهرباء اليومي المعتاد، الذي يمكن أن يستمر لساعات.
وأصحاب المولدات الخاصة الذين لا يخضعون بشكل كبير لضوابط، مسؤولون عن شبكة من كابلات الكهرباء في شوارع المدينة ويشتهرون باسم (مافيا المولدات). ويقول أصحاب هذه المولدات إنهم يوفرون خدمة لا تستطيع الدولة توفيرها.
وتستخدم محطات الكهرباء القديمة التي تديرها الدولة زيت وقود باهظ التكلفة، وهو ما يزيد إلى جانب عادم المولدات التي تعمل بالديزل الدخان الذي يغطي المدن، في دولة يقطنها ستة ملايين نسمة.
وتعهدت الحكومة بإجراء تغييرات، بما في ذلك تحسين جمع الفواتير للمساعدة في تمويل تكاليف إنشاء محطات أنظف وأكثر كفاءة، لكنها تحتاج أيضاً إلى تمويل أجنبي وهو الأمر الذي يعني زيادة أسعار الكهرباء وغيرها من الإصلاحات التي تكافح الحكومة لتحقيقها.
ما مدى ضخامة المشكلة؟
تقول الحكومة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إن إصلاح الكهرباء حيوي لخفض الدين الذي يعادل الآن نحو 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول الحكومة إن صافي التحويلات لشركة كهرباء لبنان المملوكة للدولة، يمثل الآن ما بين مليار و1.5 مليار دولار في العام، وينفق معظمها على زيت الوقود. وهذا يعادل نحو ربع عجز الميزانية العام الماضي البالغ 4.8 مليارات دولار.
اقــرأ أيضاً
وقال صندوق النقد الدولي في عام 2016، إن التكلفة المتراكمة لدعم شركة كهرباء لبنان تعادل نحو 40 بالمئة من إجمالي ديون لبنان.
ويقول البنك الدولي إن نقص الكهرباء يأتي في المرتبة الثانية، بعد عدم الاستقرار السياسي في عرقلة النشاط التجاري.
وانتعش الاقتصاد بمعدل سنوي تراوح بين واحد واثنين في المئة فقط في السنوات الأخيرة. والاعتماد على محطات الكهرباء التي تعمل بزيت الوقود، ومولدات الكهرباء التي تعمل بالسولار له مخاطر صحية أيضاً، إذ إنه يسبب تلوث الهواء الذي يمكن أن يؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي.
وطبقاً لبيانات 2014، فإن تلوث الهواء في بيروت يزيد ثلاث مرات عن المعدلات التي تعتبرها منظمة الصحّة العالمية خطراً.
لماذا يصعب جداً حل الأمر؟
لم تتغير أسعار الكهرباء بالنسبة للمستهلكين منذ عام 1996، عندما كان سعر النفط لا يتجاوز 23 دولاراً للبرميل. والآن يقترب سعر النفط من 70 دولاراً، إلا أن رفع سعر الكهرباء في وقت لا يحصل فيه المستهلك على خدمة جيدة يعدّ أمراً صعباً.
ولا يتجاوز متوسط قدرة محطات الكهرباء الرئيسية ألفي ميغاوات، مقارنة مع طلب يبلغ في ذروته 3400 ميغاوات.
وبالنسبة لبيروت التي تعدّ أفضل مدينة يتم تزويدها بالكهرباء، فإن هذا يعني انقطاعاً يومياً لمدة ثلاث ساعات. وبالنسبة لمناطق أخرى، فإن ذلك يمكن أن يعني انقطاع الكهرباء معظم اليوم.
ويسعى لبنان الآن إلى إقامة محطات تعمل بالغاز وبتمويل خاص. إلا أنه لا يملك حتى الآن جهة تنظيمية يمكن أن تحدد الأسعار، أو تقوم بالتحكيم في النزاعات بين الحكومة ومنتجي الكهرباء.
ويمثل أيضاً التوزيع وجمع العائدات مشاكل كبيرة. وتحصل شركة كهرباء لبنان على مدفوعات تمثل نصف الكهرباء التي تنتجها فقط، إذ يتم فقد بعض الكهرباء بسبب تهالك شبكة النقل، بالإضافة إلى سرقة إمدادات أخرى من خلال كابلات غير مرخصة.
وفي عام 2012، كلّفت الحكومة شركات خاصة للقيام بأعمال القياس وإعداد الفواتير وتحصيلها لصالح شركة كهرباء لبنان، إلا أنها لم توفر لها السلطة الكافية لفرض عملية الدفع.
لماذا لم تتحرك الحكومة من قبل؟
بذل لبنان جهداً بشكل متقطع لإنهاء انقطاع الكهرباء لعقود، إلا أن جهوده أحبطها الصراع وعدم الاستقرار السياسي وتحديات صنع السياسات في نظام حكومي، يعتمد على توازن دقيق للمصالح عبر التجمعات الطائفية في البلاد.
وظل لبنان بلا رئيس من عام 2014 حتى عام 2016، وباشرت حكومة مؤقتة عملها لمدة تسعة أشهر حتى فبراير/ شباط من هذا العام، بسبب التناحر السياسي على المناصب الوزارية.
اقــرأ أيضاً
وحتى بعد تشكيل حكومة، فإنها لا تملك سوى موارد قليلة لا تكفي للإنفاق على البنية الأساسية للكهرباء، لأن نصف عائدات الدولة تقريباً مطلوبة لخدمة الدين العام. وأدى ذلك إلى إصلاحات سريعة بدلاً من حلول طويلة الأمد، مثل استئجار محطات توليد كهرباء عائمة تعمل بزيت الوقود على مراكب مدفوعة الأجر.
وقالت جيسيكا عبيد، المتخصصة في الطاقة بمنظمة استدامة البترول والطاقة في لبنان، إن شركات مولدات الكهرباء الخاصة أدّت دوراً في عرقلة الإصلاحات، ولكن المناورات بين الأحزاب السياسية المتناحرة كانت مسؤولة أيضاً عن ذلك.
هل هناك قوة دفع للإصلاحات
تعهد البنك الدولي ومستثمرون آخرون، باستثمار 11 مليار دولار في البنية الأساسية في لبنان بما في ذلك الكهرباء، لكن هذه الاستثمارات لن تأتي إلا إذا نفذت الحكومة إصلاحات، مثل تحديد مسار لزيادة أسعار الكهرباء.
اقترحت وزيرة الطاقة ندا بستاني زيادة الأسعار، ووضعت الخطوط العريضة لإقامة مولدات جديدة للطاقة، إلا أن خططها واجهت معارضة من أحزاب سياسية أخرى ممثلة في الحكومة. لكن هذه المرة، قال زعماء من مختلف الفصائل السياسية اللبنانية إن حل أزمة الطاقة ضروري، واتفقوا على بيان سياسي لمراجعة التعريفات وتوفير إمدادات كهرباء على مدى 24 ساعة في "أقرب وقت ممكن"، ولم يحددوا بعد موعداً لتحقيق ذلك.
(رويترز)
وليس لدى لبنان القدرة على توفير الكهرباء على مدار الساعة منذ الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 حتى عام 1990، ما جعل منازل كثيرة تعتمد على مولدات كهرباء أو على أصحاب مولدات خاصة، يتقاضون رسوماً باهظة كي تظل بضعة مصابيح مضاءة، أو لاستمرار عمل الأجهزة المنزلية أثناء انقطاع الكهرباء اليومي المعتاد، الذي يمكن أن يستمر لساعات.
وأصحاب المولدات الخاصة الذين لا يخضعون بشكل كبير لضوابط، مسؤولون عن شبكة من كابلات الكهرباء في شوارع المدينة ويشتهرون باسم (مافيا المولدات). ويقول أصحاب هذه المولدات إنهم يوفرون خدمة لا تستطيع الدولة توفيرها.
وتستخدم محطات الكهرباء القديمة التي تديرها الدولة زيت وقود باهظ التكلفة، وهو ما يزيد إلى جانب عادم المولدات التي تعمل بالديزل الدخان الذي يغطي المدن، في دولة يقطنها ستة ملايين نسمة.
وتعهدت الحكومة بإجراء تغييرات، بما في ذلك تحسين جمع الفواتير للمساعدة في تمويل تكاليف إنشاء محطات أنظف وأكثر كفاءة، لكنها تحتاج أيضاً إلى تمويل أجنبي وهو الأمر الذي يعني زيادة أسعار الكهرباء وغيرها من الإصلاحات التي تكافح الحكومة لتحقيقها.
ما مدى ضخامة المشكلة؟
تقول الحكومة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إن إصلاح الكهرباء حيوي لخفض الدين الذي يعادل الآن نحو 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول الحكومة إن صافي التحويلات لشركة كهرباء لبنان المملوكة للدولة، يمثل الآن ما بين مليار و1.5 مليار دولار في العام، وينفق معظمها على زيت الوقود. وهذا يعادل نحو ربع عجز الميزانية العام الماضي البالغ 4.8 مليارات دولار.
ويقول البنك الدولي إن نقص الكهرباء يأتي في المرتبة الثانية، بعد عدم الاستقرار السياسي في عرقلة النشاط التجاري.
وانتعش الاقتصاد بمعدل سنوي تراوح بين واحد واثنين في المئة فقط في السنوات الأخيرة. والاعتماد على محطات الكهرباء التي تعمل بزيت الوقود، ومولدات الكهرباء التي تعمل بالسولار له مخاطر صحية أيضاً، إذ إنه يسبب تلوث الهواء الذي يمكن أن يؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي.
وطبقاً لبيانات 2014، فإن تلوث الهواء في بيروت يزيد ثلاث مرات عن المعدلات التي تعتبرها منظمة الصحّة العالمية خطراً.
لماذا يصعب جداً حل الأمر؟
لم تتغير أسعار الكهرباء بالنسبة للمستهلكين منذ عام 1996، عندما كان سعر النفط لا يتجاوز 23 دولاراً للبرميل. والآن يقترب سعر النفط من 70 دولاراً، إلا أن رفع سعر الكهرباء في وقت لا يحصل فيه المستهلك على خدمة جيدة يعدّ أمراً صعباً.
ولا يتجاوز متوسط قدرة محطات الكهرباء الرئيسية ألفي ميغاوات، مقارنة مع طلب يبلغ في ذروته 3400 ميغاوات.
وبالنسبة لبيروت التي تعدّ أفضل مدينة يتم تزويدها بالكهرباء، فإن هذا يعني انقطاعاً يومياً لمدة ثلاث ساعات. وبالنسبة لمناطق أخرى، فإن ذلك يمكن أن يعني انقطاع الكهرباء معظم اليوم.
ويسعى لبنان الآن إلى إقامة محطات تعمل بالغاز وبتمويل خاص. إلا أنه لا يملك حتى الآن جهة تنظيمية يمكن أن تحدد الأسعار، أو تقوم بالتحكيم في النزاعات بين الحكومة ومنتجي الكهرباء.
ويمثل أيضاً التوزيع وجمع العائدات مشاكل كبيرة. وتحصل شركة كهرباء لبنان على مدفوعات تمثل نصف الكهرباء التي تنتجها فقط، إذ يتم فقد بعض الكهرباء بسبب تهالك شبكة النقل، بالإضافة إلى سرقة إمدادات أخرى من خلال كابلات غير مرخصة.
وفي عام 2012، كلّفت الحكومة شركات خاصة للقيام بأعمال القياس وإعداد الفواتير وتحصيلها لصالح شركة كهرباء لبنان، إلا أنها لم توفر لها السلطة الكافية لفرض عملية الدفع.
لماذا لم تتحرك الحكومة من قبل؟
بذل لبنان جهداً بشكل متقطع لإنهاء انقطاع الكهرباء لعقود، إلا أن جهوده أحبطها الصراع وعدم الاستقرار السياسي وتحديات صنع السياسات في نظام حكومي، يعتمد على توازن دقيق للمصالح عبر التجمعات الطائفية في البلاد.
وظل لبنان بلا رئيس من عام 2014 حتى عام 2016، وباشرت حكومة مؤقتة عملها لمدة تسعة أشهر حتى فبراير/ شباط من هذا العام، بسبب التناحر السياسي على المناصب الوزارية.
وحتى بعد تشكيل حكومة، فإنها لا تملك سوى موارد قليلة لا تكفي للإنفاق على البنية الأساسية للكهرباء، لأن نصف عائدات الدولة تقريباً مطلوبة لخدمة الدين العام. وأدى ذلك إلى إصلاحات سريعة بدلاً من حلول طويلة الأمد، مثل استئجار محطات توليد كهرباء عائمة تعمل بزيت الوقود على مراكب مدفوعة الأجر.
هل هناك قوة دفع للإصلاحات
تعهد البنك الدولي ومستثمرون آخرون، باستثمار 11 مليار دولار في البنية الأساسية في لبنان بما في ذلك الكهرباء، لكن هذه الاستثمارات لن تأتي إلا إذا نفذت الحكومة إصلاحات، مثل تحديد مسار لزيادة أسعار الكهرباء.
اقترحت وزيرة الطاقة ندا بستاني زيادة الأسعار، ووضعت الخطوط العريضة لإقامة مولدات جديدة للطاقة، إلا أن خططها واجهت معارضة من أحزاب سياسية أخرى ممثلة في الحكومة. لكن هذه المرة، قال زعماء من مختلف الفصائل السياسية اللبنانية إن حل أزمة الطاقة ضروري، واتفقوا على بيان سياسي لمراجعة التعريفات وتوفير إمدادات كهرباء على مدى 24 ساعة في "أقرب وقت ممكن"، ولم يحددوا بعد موعداً لتحقيق ذلك.
(رويترز)