هل يفوّض البرلمان التونسي صلاحياته التشريعية للحكومة؟

22 مارس 2020
تخشى السلطات تعطل الشأن العام (ياسين القايدي/الأناضول)
+ الخط -
يبحث البرلمان التونسي عن حلولٍ بديلة للاجتماعات في جلسات عامة، لتأمين استمرارية العمل التشريعي، وسط تأزم الوضع الصحي بسبب جائحة كورونا، في وقت تزداد المطالب الشعبية لتعليق نشاطه، وتفويض صلاحياته التشريعية للحكومة، لإصدار مراسيم لتفادي تعطّل الشأن العام.

وتداولت خلية الأزمة البرلمانية التي تتشكّل من مكتب البرلمان ورؤساء الكتل، برئاسة رئيس البرلمان راشد الغنوشي، إيجاد وسائل وآليات عمل عن بعد على غرار التطبيقات الإعلامية، بشكل يضمن استمرارية العمل التشريعي، ويحافظ على إجراءات التحوط والسلامة من وباء كورونا الذي يهدد البلاد.

وأقرّ مكتب البرلمان، بحسب بلاغ رسمي، "عقد جلسة عامة الثلاثاء المقبل، 24 مارس/ آذار، لإقرار تدابير استثنائية هادفة لضمان استمرارية العمل في الجلسة العامة"، إلى جانب "إجراء حوار مع الحكومة حول الوضع العام بالبلاد في علاقة بالوضع الصحي".

وقوبل هذا القرار برفض واستهجان برلمانيين، اعتبروا عقد جلسة عامة والاجتماع وسط تحذيرات الأطباء من التجمهر والتجمعات بمثابة الاستهانة والاستخفاف، خصوصاً مع تشبث غالبية أعضاء المكتب بإيجاد حلول للعمل عن بعد والمحافظة على استمرارية عمل الجلسات العامة، في إشارة إلى رفض مطالب تفويض الحكومة للعمل بمراسيم لتفادي تعطيل القوانين الحكومية في حالة عجز البرلمان عن العمل والانعقاد.

واستغرب النائب حاتم المليكي دعوة مجلس النواب لعقد جلسة عامة، الثلاثاء المقبل، لإجراء حوار مع الحكومة، في وقت يطالب الجميع بالحجر التام، بالإضافة إلى تعطيل عمل الحكومة. وتساءل المليكي في حديث لـ"العربي الجديد"، عن الذنب الذي اقترفه أعوان المجلس والصحافيون الأمنيون وغيرهم ممن يؤمّنون عمل واستمرار البرلمان ممن لا ذنب لهم أمام هذا القرار الذي وصفه بغير الصائب، والذي لا يمكن تفسيره إلا بتوظيف سياسي مقيت وتصفية حسابات، في إشارة سلبية إلى دور المجلس والصورة التي يجب أن يعطيها للشعب.

وطالب المليكي مكتب البرلمان بالتعقل وإعلاء المصلحة الوطنية ورفع التوصيات مباشرة للحكومة أو إجراء لقاء بين لجنة الصحة والحكومة للمتابعة بعيداً عن الشعبوية. وأضاف أن "الوزير الأول الفرنسي طلب من المجلس التفويض للحكومة لإصدار مراسيم نظراً للوضع الاستثنائي، وفي تونس يبحثون عن دعوة وزير الصحة والحكومة وحجزهم لـ10 ساعات للاستماع لخطابات النواب".

وينصّ البند 70 من الدستور التونسي على حلولٍ في حالة عجز البرلمان عن عقد جلسات عامة، إذ "يمكن لمجلس نواب الشعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون لمدة محدودة لا تتجاوز الشهرين، ولغرض معين، لرئيس الحكومة، إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تُعرَض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس".


وفسّرت أستاذة القانون الدستوري منى كريم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه نظراً للإمكانية الواردة باستحالة انعقاد الجلسات العامة للبرلمان التونسي في ظروف عادية، يمكن لمجلس النواب تطبيق الفقرة الثانية من البند 70 من الدستور والتفويض للحكومة عبر التصويت على قانون يضمن ذلك، ويشترط للمصادقة على هذا التفويض موافقة بثلاثة أخماس نواب الشعب، أي 130 صوتاً على الأقل، وذلك حتى يفسح لرئيس الحكومة إمكانية اتخاذ مراسيم تدخل في مجال القانون. وأضافت أن "القرار يعود للبرلمان لتفويض جزء من صلاحياته للحكومة لتفادي تعطل المشاريع والاتفاقيات المالية المستعجلة وذلك لفترة محددة دستورياً لا تتجاوز الشهرين، ثم يتم إثر ذلك عرضها على البرلمان للمصادقة عليها".

من جهته، اعتبر أستاذ القانون العام والوزير السابق سمير الطيب، في تدوينة على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، أن تونس "دخلت اليوم مرحلة دقيقة في حربها ضد وباء كورونا المستجد، ستؤدي، للتقليص فيها، إلى اللجوء لا محالة إلى الحجر التام لكل المواطنين، مرحلة تقتضي من الحكومة التدخل السريع على كل الواجهات: صحية، أمنية، اقتصادية واجتماعية، وكذلك في علاقة بالنقل والخدمات والمرافق كلها... وليس ثمة من سبيل لبلوغ هذا غير سبيل المرور السريع من نموذج تسيير الشأن العام في الحياة العادية إلى نموذج آخر يتعلق بتسيير الشأن العام في حالة الأزمات".

وقال الطيب إن "الدستور يوجد الحل للعبور من وضع الحكم العادي إلى وضع حكم الأزمات من خلال الفقرة الثانية من الفصل 70 الذي سييسر على الحكومة قيادة المرحلة بالسرعة والنجاعة الكافيتين في احترام تام للمنظومة الدستورية. كما سيمكن اللجوء إلى المراسيم من تحقيق فائدة سياسية، تتمثل في حسم الجدل الوهمي القائم على تحديد الصلاحيات في هذه الفترة على الرغم من وضوح الدستور، وهناك فائدة عملياتية ناتجة عن تحديد واضح لقائد هذه المعركة وهو رئيس الحكومة". وأضاف أن هناك "فائدة اقتصادية واجتماعية من خلال تمكين رئيس الحكومة من التدخل السريع عبر إجراءات استثنائية لإنقاذ النسيج الاقتصادي، وخصوصاً إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة في هذه الفترة المتسمة بتعطل الإنتاج، وكذلك التدخل لفائدة الفئات الهشة غير القادرة على مجابهة انقطاعها عن سوق الشغل ولو لفترة وجيزة، بما في ذلك ضمان خلاص الأجور ومختلف التدخلات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص، وفائدة في علاقة بشرعية القيادة (الحكومة) ومشروعية قراراتها، مما يعطيها ورئيسها المكانة والثقة اللازمتين لتخطي المرحلة، وفائدة استباقية في صورة إقرار الحجر التام الذي سيتعذر معه السير العادي لدواليب مجلس نواب الشعب في القيام بوظيفته التشريعية".

وفي سياق متصل، طلبت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية ولجنة الأمن والدفاع في البرلمان التونسي من رئيسي الجمهورية والحكومة، قيس سعيّد وإلياس الفخفاخ، فرض حالة الحجر الصحي التام وحظر التجول الشامل لفترة 24 ساعة إلى حين تسجيل استقرار الأوضاع الصحية.

وأكد رئيس لجنة الصحة خالد الكريشي، ورئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان التونسي عماد الخميري، لـ"العربي الجديد"، إقرار اللجنتين المطالبة بالحجر الصحي على كامل البلاد. وبيّن الكريشي أن تطور الأزمة الصحية بسبب تفشي فيروس كورونا، وإزاء عدم الالتزام بالحجر الذاتي لعدد من المصابين والمشتبه في إصابتهم، يجب اتخاذ قرار الحجر العام على الأقل لمدة أسبوع أو أسبوعين قابلة للتمديد لمجابهة هذا الفيروس.

واعتبر مراقبون أن مطالبة رؤساء الكتل وبرلمانيين من مختلف الحساسيات بفرض الحجر الصحي العام وحظر التجول التام، في مقابل برمجة جلسة عامة للحوار مع الحكومة وتواصل الاجتماعات والجلسات واللقاءات، بمثابة التضارب والتناقض بين دعوات البرلمانيين وممارساتهم.

وقال المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن هناك تعنتاً سياسياً من قبل السلطة التشريعية ومكتب البرلمان برفض تفويض الحكومة إصدار مراسيم لتسيير شؤونها وتعليق أعمال البرلمان وقتياً إلى حين السيطرة على هذه الجائحة، مشيراً إلى أن هذا التعنت مرده تنازع الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والذي لا يفسر إلا بالمنافسة السياسية التي لا محل لها في هذا الوضع المأزوم.

ولفت المؤدب إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تعرف فيها السلطتان التشريعية والتنفيذية تدافعاً وليّاً للأذرع في علاقة بالبند 70، إذ سبق لحكومة الحبيب الصيد طرح قانون لتفويضها إصدار قوانين بمراسيم عام 2015 على البرلمان خلال العهدة السابقة بسبب تراكم القوانين والبطء في المصادقة عليها وتعلل الحكومة بتعطل أعمالها. وقوبل القانون برفض واسع من جميع الكتل، واليوم بعد خمس سنوات، يطرح الموضوع من جديد إزاء تعطل تمرير القوانين، حيث ألغيت جميع أعمال اللجان هذا الأسبوع، ويرجح تواصل تعطل الأشغال لأسابيع إذا لم يجد مكتب البرلمان وسيلة بديلة قريباً.

واعتبر المؤدب أن الوضع المخيف الذي تمر به تونس وسائر دول العالم، يستدعي أن يتعالى البرلمانيون والسياسيون عن الخلافات والصراعات، والبحث عن أسرع الآليات لتمرير القرارات الحكومية والقوانين بنجاعة وفاعلية لتأمين استمرار الحياة وتوفير التموين اللازم للمواطنين وتعويض المتضررين.




 

دلالات
المساهمون