هل يفلت "الذباب الإلكتروني" من قبضة السلطات السعودية؟

07 اغسطس 2020
تنكب الجيوش الإلكترونية على الدفاع عن سياسات المملكة وولي العهد (Getty)
+ الخط -

تقوم جيوش إلكترونية من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية بملاحقة ومضايقة منتقدي المملكة، وتصفهم بـ"الخونة"، في إطار موجة من تنامي المشاعر القومية في البلاد، لكن تأثير هذه الجيوش الإلكترونية جعل الحكومة السعودية تسعى إلى ضبط هذه الحسابات.

وتصاعد تأثير هذه الحسابات مع صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي قام بسلسلة تغييرات اجتماعية في المملكة المحافظة منذ صعوده إلى السلطة. وتنكب الجيوش الإلكترونية، المعروفة باسم "الذباب الإلكتروني"، على الدفاع عن سياسة المملكة، وتضع صوراً في العادة للحكام السعوديين،  وأصبحت أخيراً قوة متصاعدة.

ويشيرون في العادة في منشوراتهم إلى وكالات الأمن السعودية. ويربط كثيرون هذه "الحسابات الوهمية" بسياسة كان يقودها المسؤول السابق في "الديوان الملكي" سعود القحطاني، وهو مسؤول نافذ مقرّب من الأمير محمد بن سلمان، وقد أعفي من منصبه على خلفية دور محتمل له في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية عام 2018.

ولطالما أثار القحطاني الخوف في المملكة، واكتسب ألقاباً عدة بينها "كاتم الأسرار" و"السيد هاشتاغ" (وسم) و"وزير الذباب الإلكتروني"، بعدما قيل إنّه كان يقود جيشاً من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، للدفاع عن صورة ولي العهد وتخويف المنتقدين.

لكن سعى نقاش عبر قناة تلفزيونية سعودية، في يونيو/حزيران الماضي، إلى النأي بارتباط الحكومة بهذه الحسابات. وتساءل مقدم تلفزيوني عبر قناة "الإخبارية" السعودية عن "ما خطورة وضع هذه الحسابات صوراً لرموز الدولة واستخدام كذلك التهديد وكأنهم مدعومون من الحكومة؟".

وقال الأكاديمي السعودي، صالح العصيمي، إن الحسابات تعطي "إيحاء أنهم مدعومون من الدولة وأنهم حكومة موازية، بل قد تكون أشد بطشاً من الدولة". وأضاف العصيمي "هم أعطوا هذا الحق لأنفسهم". وكررت وسائل إعلام سعودية هذه الدعوة التي رأى البعض فيها تحذيراً للقوميين.

ويؤكد الخبير أنس شاكر لوكالة "فرانس برس" أن "هذه الحسابات الوهمية أثتبت أنها قيمة للقيادة السعودية". لكنه أشار إلى أنه "بينما تصبح أكثر قوة، فإن الحكومة ترغب في إحكام سيطرتها وإظهار أنها السلطة المطلقة".

وقد تعرض العصيمي نفسه إلى انتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد هذا النقاش. وتساءل أحد الحسابات في تغريدة "ما الذي يريدونه منا أن نتوقف عن الدفاع عن الوطن؟"، ودافعت حسابات أخرى، من بينها أمير سعودي، عن هذه الحسابات، باستخدام وسم "#الحسابات_الوطنيه_درع_الوطن".

ويتخوف كثيرون من هذه الحسابات الإلكترونية التي اكتسبت شهرة بالتزامن مع حملات قمع رسمية لإخماد أي انتقادات معارضة. ويذكر شاكر كيف لاحقت هذه الحسابات سيدة سعودية تدعى هدى الحمود عام 2017، بعد تسميتها مسؤولة عن برنامج تابع لوزارة التعليم السعودية.

وبحثت هذه الحسابات الإلكترونية في حسابها على "تويتر"، وعثرت على منشورات قالوا إنها مؤيدة لقطر و"جماعة الإخوان المسلمين". وامتدت الملاحقة لتصل إلى حساب زوجها. ويشير شاكر إلى نجاح هذه الحملة، إذ أُعفيت الحمود من منصبها بعد أيام من تعيينها.

وفي الوقت نفسه، أغلق الكثير من السعوديين حساباتهم على "تويتر"، بما في ذلك أولئك الذين شاركوا في انتقاد إصلاحات الأمير محمد بن سلمان، بينما يتعامل آخرون لم يغلقوا حساباتهم بحذر شديد. وقبل مقابلات عمل حكومية، يقول كثيرون إنهم يحذفون الكثير من المنشورات التي يمكن أن تقدمهم بأنهم غير وطنيين، بينما يضع آخرون منشورات تعبر عن وطنيتهم.

ويقول عامل حكومي لوكالة "فرانس برس": "يومياً على (تويتر) أقوم بإهانة قطر مرة أو مرتين". وأضاف أن "قطر لا تهمني، لكن بهذه الطريقة لا يمكن لأحدهم أن يتهمني بأني غير وطني في حال تحدثت ضد سياسات الدولة الأخرى".

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن "تويتر" أنّه أغلق آلاف الحسابات المرتبطة بحكومات أجنبية والمتهمة بنشر أخبار كاذبة على موقع التواصل الاجتماعي، من بينها حسابات تضخّم الرسائل المؤيدة للسعودية في شكل مصطنع، كجزء من حرب الدعاية الإقليمية. واتهم القضاء الأميركي موظفين سابقين في "تويتر"، العام الماضي، بالتجسس لصالح الحكومة السعودية.

ولكن يرى خبراء أنه سيكون من الصعب كبح جماح الحسابات السعودية التي صعدت تدريجياً مع تنامي المشاعر القومية. ويقول شاكر "ترى السعودية أنه من الصعب السيطرة على العصابات الإلكترونية"، مشيراً إلى أنهم قد "يهاجمون المنتقدين الأجانب يوماً ما، وقد يأتي دور شخصيات بارزة في الحكومة في اليوم التالي".

وسيختبر ولاء هذه الحسابات للدولة بينما لجأت المملكة إلى إجراءات التقشف وخفض الإنفاق، وبينها إلغاء بدل المعيشة للموظفين الحكوميين وزيادة ضريبة القيمة المضافة. ومن جهتها، ترى إيمان الحسين، وهي باحثة غير مقيمة في "معهد دول الخليج" في واشنطن، أن "المشاعر القومية التي دفعت بها الدولة قد تصبح بمثابة حصان طروادة". وأشارت "قد تصبح هذه الحسابات (...) تحدياً أمام الدولة".

(فرانس برس)

المساهمون