هل يضرب ترامب نظام الأسد؟

14 ابريل 2018
+ الخط -
تفيد تصريحات الرئيس الأميركي  دونالد ترامب وتغريداته المتعددة على "تويتر"، واجتماعاته مع القادة العسكريين والمسؤولين في مجلس الأمن القومي والبيت الأبيض، بأن الإدارة الأميركية تتهيأ للقيام بضربة عسكرية ضد النظام السوري، أو ربما عمل عسكري أوسع من الضربة، لكنها كما يقال ستكون أقل من حرب، والأمر مرهون بحسم ترامب قراره.
ويبدو أن الإدارة الأميركية لم تحسم قرارها بعد، إذ أن الصواريخ "الجميلة والجديدة والذكية"ـ حسبما وصفها الرئيس في تغريدةٍ له، وطالب روسيا بالاستعداد لها لأنها آتية إلى سورية قريباً، عاد وتراجع بشأنها بالقول إنها قد تأتي قريباً وقد تتأخر، وقد لا تأتي، الأمر الذي يكشف اهتزاز مواقف ترامب وضبابيتها وارتباك تصريحاته وتغريداته، مع أن أمر اتخاد قرار الضربة العسكرية لا تحسمه تغريدات على "تويتر"، بل تتدخل فيه جملة معقدة من العوامل الداخلية والخارجية.
لحسابات الرئيس ترامب الداخلية الدور الأساسي، خصوصا وأنه ما يزال ملاحقاً من المحقق الخاص، روبرت مولر، بشأن التدخلات الروسية المحتملة في الانتخابات الرئاسية في عام 2016، إضافة إلى فضائح وإشكالات تلاحقه، إلى جانب الخوف من خسارة حزبه انتخابات الكونغرس النصفية المقبلة. يرجح ذلك كله لجوء ترامب إلى اتخاذ خيار الضربة العسكرية للتغطية على هذه المشكلات، إلا أن التريث في اتخاذ قرار بشأنها قد يعني أنه ربما يستدرج النظام البوتيني في روسيا إلى صفقةٍ ما، حيث تتدخل بعض الأطراف والقوى الدولية في ذلك. والمعتاد في عالم السياسة الدولية أن كل شيء ممكن الحدوث، وخصوصا الصفقات والتفاهمات والمؤامرات.
وعلى الرغم من أن الضربة العسكرية الأميركية للنظام السوري إن حدثت، فهي تمثل رداً على التحدي الذي فرضه هذا النظام على ترامب وإدارته، بإيعازٍ من حليفيه البوتيني والملالي 
الإيراني، من خلال الهجوم الكيميائي بغاز السارين ضد السكان المدنيين في مدينة دوما، واختاروا توقيت تنفيذه في اليوم نفسه من العام الماضي الذي قصفت فيه صوارخ كروز الأميركية مطار الشعيرات، رداً على الهجوم الكيميائي الذي قام به النظام ضد المدنيين في بلدة خان شيخون في الرابع من إبريل/ نيسان 2017.
ويزيد من احتمالات الضربة العسكرية سعي الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي واسع للقيام بها، مفضلة الاعتماد على مشاركة حلفائها الغربيين التقليديين، وبعض حلفائها الإقليميين، ولو رمزيا، حيث استطاعت أن تضمن مشاركة فرنسا المعنية أيضاً بالرد على التحدي الكيميائي، ذلك أن الرئيس، إيمانويل ماكرون، اعتبر في أكثر من مناسبة أن أي "هجوم كيميائي مميت" في سورية هو خط أحمر يُلزم بلاده بالرد، ولو بشكل منفرد إذا لزم الأمر. لذلك تشاور مع نظيره الأميركي، واتفق معه على "رد قويٍّ مشترك"، كما أن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أكدت التحاق بلادها بالركب، وعلى ضرورة محاسبة النظام السوري "الوحشي" الذي "يهاجم شعبه"، وذهبت إلى القول بضرورة "محاسبة داعميه أيضاً".
على الصعيد الإقليمي، أكدت كل من دولة قطر والعربية السعودية والكويت والأردن استنكارها الهجوم الكيميائي على مدينة دوما، وشدّدت على ضرورة محاسبة المسؤولين عنه، وعلى ألا يمر هجوم السارين من دون عقاب، وأكدت دعمها وتأييدها أي عمل عسكري أميركي ضد النظام، بل وأبدت بعض دول الخليج العربي استعدادها للمشاركة فيه أيضاً.
وعلى الرغم من وجود مؤشراتٍ تخفض سقف توقعات القيام بضربة عسكرية، وخصوصا ما 
يبديه بعض أركان الإدارة الأميركية، وميل شركاء أوروبيين إلى اللجوء إلى مجلس الأمن المعطل روسياً، إلا أن إرسال الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا سفنا حربية وغواصات وبوارج حربية إلى البحر الأبيض المتوسط يفترض أن أمر الضربة العسكرية قادم، خصوصا في ظل تعنت ساسة النظام البوتيني، وإنكارهم التام أي هجوم كيميائي على دوما، واستخدامهم الفيتو الثاني عشر ضد مشروع قرار أميركي، الأمر الذي أظهر مدى استهتارهم بالمساعي الغربية لمعاقبة المسؤولين عن هجوم السارين، بعد أن تحول هذا الغاز القاتل إلى سلاح روسي، يستخدمه نظام بوتين حيثما يشاء في سورية وفي بريطانيا (تسميم الجاسوس سيرغي سكريبال)، وفي أماكن أخرى.
يبقى أن أي ضربة عسكرية أميركية منفردة، أو بمشاركة حلفاء الولايات المتحدة الغربيين والإقليميين، لن تجدي نفعاً إن جرت ضربة عسكرية فقط، وتحت مسمّى خطة اللاخطة، لأنها مهما كانت قويةً لن تكون مؤثرة إلى درجة تهدّد بسقوط نظام الأسد. وقد يستفيد منها نظام الأسد وحليفاه، البوتيني والملالي الإيراني، كونها لا تدخل ضمن رؤيةٍ متكاملةٍ للوضع في سورية، وفي غياب إستراتيجية أميركية وغربية لما يحدث في سورية، إذ أن لأي عملية عسكرية هدف سياسي، والمفترض بالهدف من أي عمل عسكري ضد نظام الأسد وحلفائه أن يجسد إرغامهم للدخول بجديةٍ في مفاوضات الحل السياسي عبر مسار جنيف الأممي تحت سقف القرارات الأممية.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".