هل يستطيع البنك الفدرالي إنقاذ الاقتصاد الأميركي؟

06 مارس 2020
جيروم باول يواجه محنة الركود الاقتصادي (Getty)
+ الخط -


في اختبار سريع للدور الذي يمكن لمجلس الاحتياطي الفدرالي "البنك المركزي" لعبه حال دخول الاقتصاد الأميركي في ركودٍ، وهو احتمال زادت التوقعات بحدوثه بعد عامين من الحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى تبعات انتشار فيروس كورونا الجديد وارتفاع عدد حالات الوفاة بين المصابين به حول العالم، فإن السؤال الذي بات مطروحا في أوساط المستثمرين وأسواق المال: هل ينجح الفدرالي في إنقاذ الاقتصاد الأميركي؟ 

حتى الآن فشل البنك المركزي في مهمته بوضوح، بعد أن خسرت مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية ما يقرب من ثلاثة بالمائة من قيمتها يوم الثلاثاء، رغم تخفيض البنك سعر الفائدة على أمواله بنصف بالمائة، يمثل أكبر تخفيض لها منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.

ورغم مفاجأة الأسواق في غير موعد انعقاد اجتماعاته، لأول مرة أيضاً منذ الأزمة المالية العالمية، لم يأت قرار الفدرالي بالنتائج المرجوة، الأمر الذي ألقى كثيراً من الشكوك حول قدرته على التعامل مع أي أزمات قريبة.

ويزيد من تعقيد الأمور أنه في الوقت الذي استقر فيه معدل البطالة لدى الأميركيين عند واحدٍ من أقل مستوياته التاريخية، لم يتبق للبنك الفدرالي من معدلات الفائدة التي يتحكم فيها إلا 1% - 1.25%، وهو ما يؤكد تعبير ظروف الاقتصاد الأميركي الحالية عن بيئة جديدة إلى حدٍ كبير عما اعتادت البنوك المركزية على التعامل معه.

وفي ورقة بحثية صدرت يوم الأربعاء عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أحد أهم مراكز الأبحاث الاقتصادية في العالم، أكد الباحثان ديفيد ويلكوكس، زميل المعهد غير المقيم، وديفيد رافشنيدر، الذي ألف قبل عامين كتاباً ناقش فيه قدرة لجنة السوق الفدرالية المفتوحة، التابعة للبنك الفدرالي، على التعامل مع أي ركود مستقبلي، على ضرورة تغيير البنك لأسلوبه في التعامل مع الأسواق حال وقوع ركود.
وحسب الباحثين فإن "حالات الركود السابقة استلزمت تدخل البنك الفدرالي بخفض سعر الفائدة 5%، بينما لا تسمح بذلك مستويات الفائدة الحالية".

ومع إشارة الورقة إلى حقيقة أن وصول معدلات الفائدة على سندات الخزانة طويلة الأجل إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق تزيد من صعوبة موقف البنك في التعامل مع الركود، أكد ويلكوكس أنه "في حالة عدم تغيير البنك طريقة إدارته للسياسة النقدية، فمن المؤكد أن حالات الركود القادمة ستكون أطول وأعمق من اللازم".

وطالب الباحثان مسؤولي البنك الفدرالي بالإعلان بوضوح عما سيلتزم البنك بعمله وقت حدوث الركود، وعن التوقيت الذي سيبدأ فيه باستخدام أدوات التيسير الكمي والنقدي بمعدلات متسارعة، مؤكدين أن التصريحات الغامضة قد تطيح بما تبقى للبنك من فاعلية في الأسواق.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه العديد من المحللين الاقتصاديين أن السبب في استمرار انخفاض أسعار الأسهم الأميركية يوم الثلاثاء بعد تخفيض معدلات الفائدة المفاجئ بنصف بالمائة هو أن الأزمة الحالية أزمة صحية لا اقتصادية، بدا أن الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان قد سبق الجميع، حين قال قبل اتخاذ البنك قراره بالتخفيض إن "التوصل إلى مصل يمنع الإصابة بالفيروس سيكون أفضل من تخفيض معدلات الفائدة على الدولار".

وبعد ملاحظتها ضعف تأثير قرار البنك الفدرالي على الأسواق، توصلت الإدارة الأميركية إلى قناعة بضرورة التركيز في الفترة الحالية على مواجهة الفيروس، من أجل منع الركود من التسلل إلى الاقتصاد الأميركي، بعد أن أدركت أن أي سياسات نقدية أو مالية لن تكون كافية، طالما لم يتم التوصل إلى طريقة لاحتواء الفيروس والحيلولة دون انتشاره.
ويوم الأربعاء، وبعد ما يقرب من أسبوعين من التفاوض، صوت مجلس النواب الأميركي لصالح قرار بتوجيه مبلغ 3.8 مليارات دولار، تحت عنوان نفقات طارئة، لمواجهة انتشار الفيروس، تشمل 3 مليارات دولار لتطوير علاج للمصابين به، وما تبقى لمركز احتواء الأمراض ومنع انتشارها، المعروف باسم CDC، على أن يتم عرضه على مجلس الشيوخ للتصويت عليه قبل نهاية الأسبوع. وقبل يومين، أكد ترامب أنه سيوقع على أي مبلغ يقرر الكونغرس الموافقة على تخصيصه لمواجهة الفيروس القاتل.

وبجانب السعي الطبيعي للحفاظ على صحة المواطنين، يولي ترامب أهمية خاصة للحد من انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، بعد أن تسببت أخبار انتشاره في انخفاض مؤشرات الأسهم الأميركية بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية.

ويعول الرئيس الأميركي على استمرار انتعاش الأسهم، والاقتصاد ككل، باعتباره أهم دعائم حملته لإعادة انتخابه رئيساً في نوفمبر / تشرين الثاني القادم. وبسبب حرصه على ارتفاع أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية متتالية، واعتباره من علامات نجاح سياساته الاقتصادية، لم يتوقف ترامب عن ممارسة الضغوط على البنك الفدرالي لخفض معدلات الفائدة.

ويوم الثلاثاء، بعد إعلان البنك الفدرالي قراره، طالب ترامب مسؤولي البنك بمزيد من التخفيض، وصولاً إلى معدلات فائدة سالبة، كما هو الحال لدى دول الاتحاد الأوروبي، التي اعتبرها منافسة له ولاقتصاد بلاده.

ومنذ عام 1998، لجأ البنك الفدرالي إلى تخفيض معدلات الفائدة على أمواله 6 مرات خارج مواعيد انعقاد اجتماعاته المعلنة، وفي كل مرة من تلك المرات، خفض البنك معدلات الفائدة مرة أخرى في أول اجتماع بعدها.

وبعد اتخاذ القرار هذا الأسبوع، أكد جيروم باول، رئيس البنك الفدرالي، أن ما يعني البنك ليس الفيروس، وإنما المخاطر التي قد يتعرض لها الاقتصاد بسبب انتشار الفيروس، مضيفاً "ولذلك فقد قررنا التدخل بعد ملاحظة التأثير على آفاق نمو الاقتصاد".
المساهمون