13 نوفمبر 2024
هل هي بداية "ربيع فارسي"؟
لو صدّقنا ما يرد من أخبار من إيران، فإن ما يحدث هو بداية ثورة شعبية كبيرة، تنبئ بما يمكن أن نسميه "ربيعاً فارسياً" على غرار "الربيع العربي" الذي شهدته أكثر من دولة عربية عام 2011، وما تزال تداعياته تتفاعل في أكثر من منطقة عربية.
أقول لو صدّقنا، لأن السلطات الإيرانية تحكم قبضتها على وسائل الإعلام والتواصل، وبالتالي فما يصل من أنباء الاحتجاجات ربما لا يعكس حجم ما يقع على أرض الواقع، أو قد يكون مبالغاً فيه، بسبب الدعاية المضادّة التي يقوم بها الإعلام المعارض، وإعلام الدول المعادية لإيران، خصوصاً في إسرائيل والسعودية والإمارات.
لكن الأكيد هو أن ما تشهده إيران منذ نحو أسبوع احتجاجات غير مسبوقة لم تشهدها البلاد منذ عام 2009، أو ما سميت "الموجة الخضراء"، عندما خرجت مظاهرات شعبية احتجاجاً على إعادة انتخاب الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد لعهدة ثانية. وسميت تلك الاحتجاجات "الموجة الخضراء" نسبة إلى اللون الانتخابي لمرشح الإصلاحيين، مير حسين موسوي الذي كان يُعتقد أن السلطات زوّرت نتائج الانتخابات ضده. وعلى الرغم من حدة تلك الاحتجاجات، إلا أنها كانت ذات طابع إصلاحي، رفع المتظاهرون خلالها شعاراً يسأل "أين صوتي؟". وبالتالي فهي لم تكن ضد النظام بقدر ما كانت ضد التزوير الذي حصل، وعندما اعتقلت السلطات الإيرانية رموز الإصلاحيين الذين كانوا يقفون خلفها تم إخمادها، وأدى قمعها آنذاك إلى مقتل سبعة متظاهرين، على الأقل.
أما الاحتجاجات التي تشهدها إيران اليوم فقد فاقت حصيلتها حتى الآن عشرين قتيلاً، وهذا
باعتراف الإعلام الرسمي الإيراني، ومع ذلك لم يمنع ذلك من تصاعد حدّتها وازدياد خطورتها يوماً بعد يوم. وهي عكس سابقاتها، خرجت منذ اليوم الأول احتجاجاً على ارتفاع الأسعار واستشراء الفساد وسياسات الحكومة ضد الفقراء، وعمّت أكثر من مدينة إيرانية، وضمت مئات الإيرانيين الذين خرجوا تلقائياً للتظاهر احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها ومعدّلات البطالة المرتفعة في أوساط الشباب.
سارعت بعض وسائل الإعلام إلى إطلاق مصطلح "انتفاضة الفقراء" على احتجاجات الإيرانيين الذي خرجوا للتظاهر ضد الزيادة التي مسّت أسعار المواد الأساسية، بل وثمة من وصفها بأنها "انتفاضة البيض" بسبب الغلاء الذي عرفته هذه المادة الأساسية، لكن سقف الشعارات التي رفعها المتظاهرون تجاوز المطالب الاجتماعية، وتحولت إلى مطالب سياسية. ولأول مرة، منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، رُفع شعار يطالب بتنحّي المرشد الأعلى علي خامنئي عن منصبه. وهذه أول مرة يتم فيها الطعن في رأس النظام الذي حكم البلاد منذ زهاء 39 سنة بقبضة حديدية محكمة، فارضاً عليها حكماً "ثيوقراطياً" يستمد شرعيته من "ديمقراطية الملالي" أو رجال الدين.
ربما كانت الزيادة في الأسعار هي سبب اندلاع الاحتجاجات التي خرجت لأول مرة في مدينة مشهد، أكبر المدن الإيرانية، قبل أن تنتقل إلى أكثر من مدينة، لكن ما زاد من تأجيج الوضع ما كشفت عنه الحكومة الإيرانية، في إطار موازنتها الجديدة، من أموال تصرف تحت بنود خاصة، تذهب إلى مؤسسات دينية وأمنية غير خاضعة للمساءلة أو المراقبة. وهو ما استغله الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي غرّد محرّضاً الإيرانيين بالقول إن أموالهم تُسرق لتنفق على "الإرهاب"، في إشارة إلى التدخلات الإيرانية في العراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن.
ما تشهده إيران اليوم شبيهٌ، إلى حد ما، بالاحتجاجات التلقائية التي شهدتها تونس عام 2010، قبل أن تتحول إلى الثورة التي أطلقت شرارة الربيع العربي. كلاهما خرجت ضد أوضاع
اجتماعية قاسية، ضاعفت من احتياطي الغضب واليأس المستشري في البلاد أمام استفحال الفساد، وجمود الحركة التي يفرضها نظامٌ منغلقٌ على ذاته يقوم على "تيوقراطية" تجاوزها العصر. وكما في تونس عام 2010 ، فإن من يقود الاحتجاجات اليوم في إيران هم شباب رأوا النور تحت حكم "الملالي"، وأغلبهم عاطلون عن العمل. ومثل ما كان يفعل الشباب في الثورة التونسية، فإن الشباب الإيراني المحتج يوجّه عنفه ضد مراكز الشرطة التي ترمز إلى قوة النظام الذي يقوم على القمع وكبح الحريات وإخراس الأصوات.
استمرت انتفاضة التونسيين شهراً قبل أن تتحول إلى ثورة عارمة أطاحت رأس النظام، على الرغم من العنف الذي واجهته، وهو ما يفسر ارتفاع عدد ضحاياها، ومن قوة النظام التونسي بجهازه البوليسي القمعي الذي كان يحكم قبضته على كل مناحي الحياة في البلاد. وما نشاهده اليوم في إيران يشبه، إلى حد كبير، ما عرفته تونس من قبل، وهو ما يدفع إلى التنبؤ بـ "ربيع فارسي" قادم.
وعكس ما تروّجه اليوم بعض وسائل الإعلام التي تسعى إلى إذكاء نار الاحتجاجات الإيرانية للتعجيل بإشعال فتيل الثورة، فإن أي تحول مقبل في إيران لن يكون بالضرورة في صالح الدول القمعية المحيطة بها، ذات الأنظمة "القروسطية"، وإنما سيكون امتداداً لنَفَس ثورات الربيع العربي التي سعى النظام الإيراني الحالي بتواطؤ مع أنظمةٍ عربيةٍ معاديةٍ له، هي التي تحرّض اليوم على التعجيل بإشعال ثورته، على وأدها وقمعها. وهذه إحدى مفارقات ما يحدث اليوم في واحدة من أكثر المناطق اشتعالاً في العالم!
أقول لو صدّقنا، لأن السلطات الإيرانية تحكم قبضتها على وسائل الإعلام والتواصل، وبالتالي فما يصل من أنباء الاحتجاجات ربما لا يعكس حجم ما يقع على أرض الواقع، أو قد يكون مبالغاً فيه، بسبب الدعاية المضادّة التي يقوم بها الإعلام المعارض، وإعلام الدول المعادية لإيران، خصوصاً في إسرائيل والسعودية والإمارات.
لكن الأكيد هو أن ما تشهده إيران منذ نحو أسبوع احتجاجات غير مسبوقة لم تشهدها البلاد منذ عام 2009، أو ما سميت "الموجة الخضراء"، عندما خرجت مظاهرات شعبية احتجاجاً على إعادة انتخاب الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد لعهدة ثانية. وسميت تلك الاحتجاجات "الموجة الخضراء" نسبة إلى اللون الانتخابي لمرشح الإصلاحيين، مير حسين موسوي الذي كان يُعتقد أن السلطات زوّرت نتائج الانتخابات ضده. وعلى الرغم من حدة تلك الاحتجاجات، إلا أنها كانت ذات طابع إصلاحي، رفع المتظاهرون خلالها شعاراً يسأل "أين صوتي؟". وبالتالي فهي لم تكن ضد النظام بقدر ما كانت ضد التزوير الذي حصل، وعندما اعتقلت السلطات الإيرانية رموز الإصلاحيين الذين كانوا يقفون خلفها تم إخمادها، وأدى قمعها آنذاك إلى مقتل سبعة متظاهرين، على الأقل.
أما الاحتجاجات التي تشهدها إيران اليوم فقد فاقت حصيلتها حتى الآن عشرين قتيلاً، وهذا
سارعت بعض وسائل الإعلام إلى إطلاق مصطلح "انتفاضة الفقراء" على احتجاجات الإيرانيين الذي خرجوا للتظاهر ضد الزيادة التي مسّت أسعار المواد الأساسية، بل وثمة من وصفها بأنها "انتفاضة البيض" بسبب الغلاء الذي عرفته هذه المادة الأساسية، لكن سقف الشعارات التي رفعها المتظاهرون تجاوز المطالب الاجتماعية، وتحولت إلى مطالب سياسية. ولأول مرة، منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، رُفع شعار يطالب بتنحّي المرشد الأعلى علي خامنئي عن منصبه. وهذه أول مرة يتم فيها الطعن في رأس النظام الذي حكم البلاد منذ زهاء 39 سنة بقبضة حديدية محكمة، فارضاً عليها حكماً "ثيوقراطياً" يستمد شرعيته من "ديمقراطية الملالي" أو رجال الدين.
ربما كانت الزيادة في الأسعار هي سبب اندلاع الاحتجاجات التي خرجت لأول مرة في مدينة مشهد، أكبر المدن الإيرانية، قبل أن تنتقل إلى أكثر من مدينة، لكن ما زاد من تأجيج الوضع ما كشفت عنه الحكومة الإيرانية، في إطار موازنتها الجديدة، من أموال تصرف تحت بنود خاصة، تذهب إلى مؤسسات دينية وأمنية غير خاضعة للمساءلة أو المراقبة. وهو ما استغله الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي غرّد محرّضاً الإيرانيين بالقول إن أموالهم تُسرق لتنفق على "الإرهاب"، في إشارة إلى التدخلات الإيرانية في العراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن.
ما تشهده إيران اليوم شبيهٌ، إلى حد ما، بالاحتجاجات التلقائية التي شهدتها تونس عام 2010، قبل أن تتحول إلى الثورة التي أطلقت شرارة الربيع العربي. كلاهما خرجت ضد أوضاع
استمرت انتفاضة التونسيين شهراً قبل أن تتحول إلى ثورة عارمة أطاحت رأس النظام، على الرغم من العنف الذي واجهته، وهو ما يفسر ارتفاع عدد ضحاياها، ومن قوة النظام التونسي بجهازه البوليسي القمعي الذي كان يحكم قبضته على كل مناحي الحياة في البلاد. وما نشاهده اليوم في إيران يشبه، إلى حد كبير، ما عرفته تونس من قبل، وهو ما يدفع إلى التنبؤ بـ "ربيع فارسي" قادم.
وعكس ما تروّجه اليوم بعض وسائل الإعلام التي تسعى إلى إذكاء نار الاحتجاجات الإيرانية للتعجيل بإشعال فتيل الثورة، فإن أي تحول مقبل في إيران لن يكون بالضرورة في صالح الدول القمعية المحيطة بها، ذات الأنظمة "القروسطية"، وإنما سيكون امتداداً لنَفَس ثورات الربيع العربي التي سعى النظام الإيراني الحالي بتواطؤ مع أنظمةٍ عربيةٍ معاديةٍ له، هي التي تحرّض اليوم على التعجيل بإشعال ثورته، على وأدها وقمعها. وهذه إحدى مفارقات ما يحدث اليوم في واحدة من أكثر المناطق اشتعالاً في العالم!