هل هو الحل في سورية؟

01 نوفمبر 2018
+ الخط -
من دون أي حكم مسبق، أو تفكير تآمري، صار من الضروري طرح سؤال، يتّسم بأقصى قدر من الصراحة والشجاعة عن هوية الوضع الراهن الذي آلت الثورة وسورية إليه، وهل هو وضع انتقالي أم نهائي؟ وإذا كان انتقاليا، ما الفترة التي قد يستغرقها، وما النتائج التي ستترتب عليه، إن كان نهائيا؟
بداية لا بد من التذكير بما سبق أن قلته عشية اتفاقيات خفض التوتر والتصعيد، ولم يهتم به أحد، وهو أنه توجد في سورية حقيقتان سياسيتان ثابتتان، وتحظيان بدعم دولي: الكيان الأسدي المدعوم روسيّا، واللاكيان شرق الفرات، المدعوم أميركيا، وقد يتحوّل إلى كيانٍ في أي وقت تختاره واشنطن، وأنه يوجد بينهما فراغٌ يفتقر إلى الكيانية والهيكلة، ويعجّ بالفوضى والانقسامات، تحتله المعارضة. بعد عقد الاتفاقيات، أكدت أنه يمكن الإفادة من إيجابياتها، وتكريس نظم إدارة محلية ديمقراطية ونزيهة فيها، وتوحيد قدراتها العسكرية وتعزيزها عبر عملية تجنيد وتدريب واسعة لشبان مناطقها، سيما أن أمد الاتفاقيات كان ستة أشهر فقط، وأن الروس يمكن أن يتخلوا عنها، ويغدروا بالمناطق وأهلها في أي وقت، وهو ما حدث بالفعل بعد انقضاء فترة الأشهر الستة التي أمضاها ممثلوها، كعادتهم، في مناكفاتٍ وخلافاتٍ حزبية 
وشخصية ونزاعات على النفوذ. بالنتيجة، أعادت روسيا ثلاثا من المناطق الأربع إلى الأسدية، ولم يبق غير المنطقة الرابعة حول إدلب في الشمال، تفاهمت روسيا مع تركيا على بقائها على وضعها منطقة خفض تصعيد، شريطة مبادرتها إلى القضاء على إرهاب جبهة النصرة واثني عشر تنظيما آخر، تقول تركيا، وتقرّ رسميا بأنها منتشرة في المنطقة. من الجدير بالملاحظة أن الاتفاقية الأولى عقدت بين روسيا وتركيا والمعارضة، وأن تجديدها الحالي حدث مع تركيا. وفي غياب المعارضة التي لم يعد معترفا بتبعيتها لها، وبأنها طرف في اتفاق دولي، عقدت الاتفاقية في إطاره، وعليها، للسببين السابقين، أن تأخذ في حسبانها تحوّل المنطقة إلى كيانٍ ثالث، يخضع لإشراف تركيا ووجودها العسكري، إلى جانب الكيانين، الروسي والأميركي، وأن صفتها الجديدة تسهم إسهاما خطيرا في إخراج القضية السورية دوليا من يد المعارضة، بعد أن كانت قد أخرجتها واقعيا منها.
بقول آخر: إذا كانت المعارضة تمثل الثورة، فهذا الذي جرى يعني أننا أصبحنا في وضع تخطى هذا التمثيل، ويُخشى أن يكون قد تجاوز الثورة نفسها، وأي ممثلٍ لها، بما في ذلك هيئة التفاوض. كما يعني أن مصير الشعب في آخر منطقة خرج النظام، أو أخرج، منها، صار رهنا بإرادة الدولة التركية الشقيقة ومصالحها، وأن المعارضة لن تتمكّن، من الآن فصاعدا، من بلوغ أي هدف، إن كان يتعارض مع إرادتها ومصالحها. هذا أولا. ثانيا: صار تطبيق وثيقة جنيف والقرارات الدولية بشأن الحل الدولي في سورية هو الآخر وراءنا، وضربا من الاستحالة، لأن روسيا التي عطلتها تاريخيا لم تقبل تفعيلها الآن، بما أنه سيهدّد وجودها في سورية، إن طبقت بصورة منصفة، وكذلك واشنطن التي تحتل منطقةً هي بديل العراق الاستراتيجي، من دون أن يزعجها أحد، علما أنها تستطيع الانطلاق منها ضد أي بلد مجاور، تقرّر مستقبلا تطويعه أو 
مواجهته، بينما تفتقر أنقرة إلى القدرة على دفعهما إلى تطبيقها، وتكيّف نفسها بدورها مع حلٍّ تنتجه تفاهماتٌ من خارج هذه القرارات، على عكس ما يعتقده مراهقون سياسيون، يتوهمون أن الثورة ما زالت تدق أبواب دمشق، ولا يلاحظون أو يتجاهلون أنها تلاشت إلى درجةٍ شديدة الخطورة، وأن استمرارها يتوقف على تكيّفها مع أهداف تركيا، وما يمكن لدبلوماسيتها تحقيقه لها، وإلا فتجديدها انطلاقا مما طالب الوطنيون الديمقراطيون به طوال سنواتها السبع: التمسّك ببرنامج الحرية للشعب السوري الواحد تحت جميع الظروف والأحوال، ومواصلة الحراك السلمي المدني وتوسيعه، وتوحيد القاع الشعبي حول أهداف وطنية جامعة، وتوحيد القطاعين، السياسي والعسكري، على أسس برنامجية وخططية ثورية وملزمة، والإصرار على إطاحة الأسدية وتفكيك نظامها، واستبداله بنظام مواطنة ديمقراطي، يكون لجميع السوريين، من دون تمييز أو استثناء.
إذا كانت قضيتنا اليوم موزّعة بين ثلاثة كيانات تدعمها ثلاث دول، وكان تطبيق القرارات حول حل دولي مستبعد، والوضع في الشمال وإدلب غير خاضع لما تقرّره أي مؤسّسة وطنية، مهما كان اسمها، هل يكون من المبالغة القول إن هذا الوضع قد يصبح هو الحل الذي يمكن، في إطاره، تسوية مشكلات الأطراف الثلاثة القابضة على المصير السوري، وضمان مصالحها، وإنه سيستمر فترة غير قصيرة، قد تتخللها صراعاتٌ إقليمية ومنازعات دولية، وتحولات سياسية في منطقتنا العربية وجوارها، وربما حال من الفوضى الشاملة التي ستلزم الكيانات الأجنبية القائمة اليوم في وطننا بالمحافظة على الحال الراهنة؟
هل من الخطأ التفكير بهذه الاحتمال، والعمل بهدوء وجدّية لمواجهته، كي لا تموت الثورة بالتقادم، بقوة إرادة دولية/ إقليمية مشتركة، يفتح تفاهمها على استمراره الباب لحل ما تواجهه كل منها من مشكلاتٍ ترتبت على الصراع السوري/ السوري، وخصوصا منها مشكلة اللاجئين، وتاليا إعادة الإعمار، كمهمة تستمر سنوات، يسودها هدوء ما بعد الثورة؟
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.