هل هناك فرصة في مصر للمصالحة؟
متابع المشهد السياسي في مصر، لابد أن يتعامل بشكٍ وحذر كثيرين مع ما تتناقله الأخبار، هذه الأيام، عن مبادرات واتصالات للمصالحة، لأن خبرة العام الماضي من عمر الانقلاب لا تشجع على التعامل بإيجابية مع هذه الطروحات، فمبادراتٌ كثيرة تم الحديث عنها، طوال العام الماضي، لم يكن لها من وجود واقعي، ولم تتعد أن تكون تسريبات من سلطات الانقلاب، لتحقيق أهداف مختلفة، وجس نبض الأطراف الأخرى، ومعرفة حقيقة موقفها، أو محاولة إثارة الشقاق بين أعضاء التحالف وأنصاره، بالحديث عن مفاوضاتٍ تتم وراء ظهر بعضهم، أو إظهار تحالف دعم الشرعية متشدداً رافضاً للمصالحة، على عكس موقف سلطات الانقلاب، الراغبة في المصالحة وإنهاء الأزمة.
واضح من خلال معلومات يقينية متوافرة عن مبادرات المصالحة أن المبادرات التي اتخذت جانباً جدياً هي محاولات قامت بها أطراف خارجية، كالاتحاد الأوروبي والمبعوثين الأميركيين مع بداية الانقلاب، وكانت تهدف، أساساً، إلى اتخاذ خطواتٍ لتهيئة الموقف لمحادثاتٍ بين "الإخوان" وسلطات الانقلاب، والتي أفشلها الانقلاب، بالإضافة إلى مبادرات شخصية صدرت عن رغبة حقيقة في إنهاء الأزمة على قاعدة الحلول الوسط، كمبادرة محمد العوا وإبراهيم يسري، والتي لم تلق استجابة من الجانبين.
والحقيقة أن وجود فرصة مصالحة حقيقية، منذ نشأة الأزمة، كانت شبه مستحيلة، فما حدث يوم 3 يوليو/تموز 2013 كان أشبه برصاصةٍ انطلقت، ولا يمكن أن تعود إلى مكانها. قام الانقلاب على زعم أن هناك 33 مليون مصري خرجوا يوم 30 يونيو/ حزيران، وأن القوات المسلحة استجابت، وتحركت بناءً على رغبة الجماهير. لذلك، وبعيداً عن حقيقة دور الجيش في الانقلاب، كان من المستحيل تراجع المؤسسة العسكرية عن موقفها بأي صورة، فذلك يضرب المزاعم التي قام عليها الانقلاب، ولأن أي تراجع، ولو بالاحتكام إلى الشعب عبر الآلية الديمقراطية، وهي صناديق الانتخاب الحر النزيه، وحتى لو جاءت النتائج في صالحها، ستكشف زيف الأرقام المعلنة عن ملايين 30 يونيو، من خلال آلية محددة، لا يمكن التشكيك في نتائجها.
وعلى الرغم من ذلك، ظل قدر، ولو ضئيل، من الأمل في إمكانية المصالحة، على قاعدة الحلول الوسطى، والعودة إلى الشعب مرة أخرى. لكن، من الواضح أن فكرة المصالحة القائمة على الحلول الوسط كانت مرفوضة، من الانقلاب الذي كان واضحاً أنه لا يوافق على أي شيء، يتجاوز ما حدث في 3 يوليو/ تموز، وأنه مستعد للتفاهم، لكن، في إطار قبول الطرف الآخر بما حدث في ذلك اليوم، والتسليم به، وهو موقف أعتقد أنه لن يتزحزح عنه بتركيبته الحالية. وكان المضي فيما تسمى خريطة الطريق، أو خريطة المستقبل، معناه القضاء على أي فرصة للمصالحة، فقبل إقرار دستور الانقلاب، كانت الفرصة سانحة للمصالحة، نظرياً على الأقل. لكن، مع إقرار الدستور، تم توجيه ضربة قاصمة لفكرة المصالحة، ثم جاءت الانتخابات الرئاسية لتوجه الضربة القاضية لها.
لذلك، لا يمكن أن يؤخذ الحديث، الآن، عن مبادراتٍ للمصالحة، والإفراج عن رموز في تحالف دعم الشرعية للمساهمة في الأمر، بجدية، لأن فكرة المصالحة بين النظام الحالي والتحالف تكاد تكون مستحيلة، لأنه إذا كانت سلطات الانقلاب تتمسك بأن تكون أي مصالحة تتم تحت سقف ما حدث في 3 يوليو، فهل تتنازل عن ذلك، الآن، بعدما اكتسبت شرعية، من وجهة نظرها طبعاً، من خلال صناديق الانتخابات واعتراف العالم بها، واعتقادها أنها في موقفٍ أقوى على الأرض؟
أي تسويةٍ مع هذا النظام تعني، عملياً، الإقرار بما حدث في 3 يوليو، وما تمخض عنه من دستور ورئاسة، وسيكون السؤال البديهي الموجه لمن يقبل هذه التسوية، لماذا كانت كل هذه التضحيات من شهداء ومصابين ومعتقلين ومطاردين ومنفيين!