هل هناك تنسيق خفي بين السراج وحفتر في صبراتة؟

08 أكتوبر 2017
من يسيطر على صبراتة؟ (فيليبي مونتيفورت/ فرانس برس)
+ الخط -


تسود حالة من الغموض بشأن وضع مدينة صبراتة الليبية، بعد إعلان "غرفة محاربة داعش الإرهابي" السيطرة عليها، إذ لم تتضح، حتى الآن، إذا ما كانت تلك القوات موالية للواء المتقاعد، خليفة حفتر أم لحكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، في ظل حديث عن وجود "تنسيق خفي" بينهما هناك.

وأعلنت "غرفة محاربة داعش"، الجمعة، عن سيطرتها الكاملة على مدينة صبراتة، بعد ثلاثة أسابيع من القتال ضد مجموعات مسلحة، أبرزها "الكتيبة 48" التابعة لوزارة دفاع حكومة الوفاق، والتي تعرف محلياً باسم "كتيبة أنس الدباشي"، ويقودها أحمد العمو، المتهم بالتورّط في عمليات تهريب البشر عبر ساحل المدينة.

وكانت الغرفة قد تشكّلت من عدد من ضباط المدينة، واستمدت شرعيتها من قبل المجلس البلدي للمدينة، لكن منذ تشكيلها لم تعلن تبعيتها الرسمية لا لحكومة الوفاق ولا لقوات حفتر، بينما عرفت تبعية "الكتيبة 48" لوزارة دفاع حكومة الوفاق، على الرغم من أنها لم تؤكد ذلك خلال القتال الذي دار في المدينة.

وتتألف "الكتيبة 48" من فصائل مسلحة بالمدينة، وأبرزها تشكيلان، يقود الأول أحمد العمو، والثاني يقوده الغول، بينما تتألّف "غرفة محاربة داعش" من عدد من ضباط المدينة ومقاتلين من "كتيبة الوادي" السلفية المدخلية، والتي استعانت بمقاتلين من التيار ذاته من خارج المدينة مؤخراً.

ومن آخر التصريحات المرتبطة بمعارك صبراتة ما قاله المتحدث باسم قوات حفتر، العقيد أحمد المسماري، والذي أكّد أن قوة "غرفة محاربة داعش" تتبع قوات اللواء المتقاعد، مضيفاً، في تصريحات صحافية أمس السبت، أن "العملية تم دعمها بالرجال والأسلحة والذخائر عن طريق غرفة عمليات الكرامة"، وأوضح أن "المقاتلين بمدينة صبراتة ينتظرون الوقت المناسب للإعلان عن ذلك صراحة"، مؤكداً أن "عمليات أخرى ستجرى في القريب العاجل في مدن أخرى".

وأوضح المسماري: "نحن نتعامل مع ضباط وعسكريين بالمدن الغربية وندعمهم لإعادة هيكلة القيادة والقوات المسلحة التي ينضوي تحتها جميع الضباط".

تصريحات المسماري توضح أن حفتر كان على تواصل مع قادة الغرفة، وقدم لهم الدعم، لكن الجنود المقاتلين بالغرفة لم يكونوا على دراية بشكل واضح بهذه التبعية، ما قد يشير إلى وجود مخاوف من قبل اللواء المتقاعد من رفض شعبي من أهالي المدينة لتبعية الغرفة له، وبالتالي أخّر الإعلان عن ذلك حتى انتهاء المعركة.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن قيادة حفتر تسعى إلى التواصل مع ضباط في مناطق أخرى لضمهم في إطار ما وصفه بـ"إعادة هيكلة القيادة والقوات المسلحة".

وذهب آمر "غرفة محاربة داعش"، العميد عمر عبد الجليل، في السياق ذاته، إذ أشار، في تصريحات صحافية أمس، إلى وجود تنسيق بين الغرفة والوحدات العسكرية الأخرى في المنطقة الغربية، "لأن الجيش (قوات حفتر) واحد، وأبناء المؤسسة العسكرية جميعهم على قلب واحد".

لكن تصريحاً سابقاً لعبد الجليل، وهو أحد أبرز الضباط المقربين من حفتر، أشار إلى تعاون بين الغرفة وبين حكومة الوفاق، إذ ذكر، في بيان رسمي له الجمعة، أن "حكومة الوفاق لم تدخر جهداً لمساندة الغرفة وقواتها المساندة منذ اللحظة الأولى من حربها على المجموعات المسلحة في المدينة"، معبراً عن شكره للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، من دون أن يوضح شكل هذه المساندة.

وسبق أن كلّف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، رئيس الأركان المكلف منه، عبد الرحمن الطويل، الأربعاء الماضي، بضرورة إصدار أوامره بوقف القتال في الدائر في صبراتة، معتبراً أنه "يُثير الفتنة داخل المدينة"، ليعلن الطويل بعدها عن صدور أوامره لقائد المنطقة العسكرية الغربية المكلف من حكومة الوفاق، اللواء أسامة الجويلي، بالتدخل لـ"فض الاشتباكات ووقف القتال".

هذا القرار تغيّر بشكل مفاجئ، ليعلن السراج عن "تقديره الكامل لـ"غرفة محاربة تنظيم داعش"، والتي كانت على قدر المسؤولية واستطاعت، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية، إعادة الأمن للمدينة وضواحيها، وتأمين سلامة المواطنين والأملاك العامة"، مؤكداً أن "الغرفة تتبع حكومة الوفاق"، وأن "مؤسسات الدولة ستقوم بالتنسيق مع الغرفة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتأمين المدينة وضواحيها، وإنهاء كل المظاهر المسلحة خارج القانون، وملاحقة كل من يحاول العبث بالأمن".

وأثارت هذه الأوضاع الضبابية المرتبطة بتبعية الغرفة، والتي سيطرت على صبراتة، الشكوك حول إمكانية وجود تعاون غير معلن بين السراج وحفتر.

وفي السياق، قال خليفة الحراري، العقيد المتقاعد والخبير الأمني الليبي، إن "السراج لا يمتلك قوات على الأرض، وإنما يتحالف مع المجموعات المسلحة المسيطرة اضطراراً (..)، وطيلة فترة القتال يبدو أن "غرفة محاربة داعش" كانت تهادن الطرفين، كما هو واضح من خطواتها، لكنها أفسحت المجال لقوات حفتر التي كانت أكثر قوة".

وأضاف الحراري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السراج أخذ موقف المتفرج ليعلن مباركته لأي طرف يسيطر"، لافتاً إلى أن "الانقسام لا يزال مسيطراً على المدينة، فالقوات على الأرض تابعة لحفتر، لكن المجلس البلدي بالمدينة تابع للسراج، ومعروف عنه معارضته لحفتر ودعمه الكبير لعملية "فجر ليبيا" في عامي 2014 و2015".

وتابع: "حفتر لا تهمه صبراتة بقدر ما تهمه السيطرة على منشآت مليتا المهمة لإيطاليا، كما أن سيطرته على مواقع الهجرة غير الشرعية في المدينة تعد مهمة للضغط على مواقف وقرارات روما".

ويبدو أن إعلان العميد محمد صميدة، آمر ما يعرف بـ"غرفة عمليات العجيلات"، اليوم الأحد، عن سيطرة قوة تابعة له على مقار مجموعات مسلحة بالمدينة، وإعلان تبعيته لـ"المؤسسة العسكرية" يصب في الاتجاه ذاته.

وقال صميدة، في بيان رسمي، إن قواته "سيطرت على مقار مجموعات مسلحة بالمدينة"، معللاً خطوته بقطع الطريق أمام "المليشيات الهاربة من صبراتة للجوء إلى العجيلات"، في إشارة إلى "الكتيبة 48" التي كانت تقاتل "غرفة محاربة داعش" في المدينة.

وأكد صميدة أن قواته "أحكمت سيطرتها على مجمع شركة مليتة الغازي".

وتقع العجيلات إلى الجنوب من صبراته، إذ تشكل المدينتان الظهير الحامي لمجمع مليتا للغاز، والذي يعتبر أهم استثمار لإيطاليا بليبيا من خلال شركة إيني التي تديره منذ عام 2008.

وإن لم يجاهر صميدة بتبعيته لحفتر في بيانه، إلا أن المحلل السياسي الليبي، عادل البيرة، يتفق مع الحراري في تحليله، مؤكدا أن "الشارع في صبراتة والعجيلات يعرف جيداً أن عبد الجليل وصميدة هما من رجال حفتر، لكنهما لا يستطيعان المجاهرة حتى الآن بسبب وجود طيف يوالي المجلس البلدي في صبراتة، والذي يرفض حفتر، كما يعارضه طيف قبلي في العجيلات".

ورجح البيرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود تنسيق خفي بين السراج وحفتر خلال هذه العمليات، مشدداً على أن "المسماري أشار إلى هذا في تصريحه بقوله إن قيادة حفتر تسعى لضم ضباط من المنطقة الغربية، وإن كانت رواتبهم من العاصمة طرابلس"، متسائلاً: "كيف يمنح السراج رواتب ضباط يعملون مع حفتر خصمه؟".

ويرى الحراري أن "حفتر بالفعل يسعى إلى ضم ضباط لقيادته، غير أن السراج لا يرغب في التعامل مع مساعي حفتر العسكرية، كما أنه غير قادر على مواجهتها، بسبب عدم امتلاكه قوات خارج طرابلس"، مشيراً إلى أن "رئيس المجلس الرئاسي لا يمتلك سوى المناورة والضغط على كل الأطراف بقوة الدعم الدولي الذي يحظى به".



المساهمون