هل ثمة أفق لحل سياسي في ليبيا؟

27 اغسطس 2020
+ الخط -

بعد إعلان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس فائز السراج، ورئيس البرلمان في طبرق عقيلة صالح، وقف إطلاق النار في ليبيا، تطرح أسئلة كثيرة تطاول ممكنات تثبيت هذا على الأرض، وما سيبنى عليه من ترتيبات، وهل سيفتح هذا الإعلان أفقاً للحل السياسي في ليبيا، بما يفضي إلى إنهاء سنوات من الحرب والصراع على ليبيا وفيها، أم أن الأمر يقتصر على تهدئة مؤقتة، غايتها تأمين تصدير النفط الليبي؟

بداية، يتعلق الأمر بالخطوات التي ستتخذها الأطراف المحلية المتصارعة لتنفيذ وقف إطلاق النار، وما سيترتب عليها من خطوات سياسية، لكن الأهم هو التوافق في مواقف الدول المتدخلة في الشأن الليبي، ووجود إدارة لديها للتفاهم وتجاوز خلافات المصالح والأجندات والإستراتيجيات، خصوصا أن إعلان وقف إطلاق النار جاء ثمرة مبادرة أميركية، وبعد اتصالات ومشاورات كثيرة، بين مسؤولين من الدول المتدخلة في الشأن الليبي، وضغوط مُورست على القوى والأطراف المحلية المتقاتلة للقبول بها. 

وتنهض المبادرة الأميركية على تحويل مدينة سرت والجفرة إلى مناطق منزوعة السلاح، وإعادة فتح المنشآت النفطية في منطقة الهلال النفطي للإنتاج والتصدير، والانخراط في مفاوضات سياسية، هدفها إنهاء الصراع والانقسام السياسي، وتحديد آليات من أجل توزيع عائدات الصادرات النفطية مع مراقبة أممية لأوجه صرفها وتوزيعها.

أخذت المبادرة الأميركية طابعاً دولياً وتراعي توازن القوى الدولية في ليبيا

ولكن الترحيب الدولي والإقليمي الذي استقبل به الإعلان عن وقف إطلاق النار لا يشي بأن الطريق باتت سهلة أمام انطلاق عملية سياسية جديدة، خصوصا أن ترحيب بعض الدول اقترن بضرورة استئناف إنتاج النفط الليبي وتصديره، بينما المطلوب هو عودة أممية من أجل رعاية حوارات الأطراف الليبية، والوصول بها إلى توافق وطني، وفق مرجعية ومحددات واضحة، سواء على أساس اتفاق الصخيرات الذي وقع في أواخر 2015 أو مخرجات مؤتمر برلين مع القيام بالتعديلات المطلوبة التي تصب في مصلحة الشعب الليبي، وليس في مصلحة الدول المتدخلة في الشأن الليبي، وممارسة الضغوط الكافية لإجبار القوى المسلحة على الالتزام بوقف إطلاق النار وتثبيته بشكل دائم، وبالتالي يتطلب ذلك تحولاً واضحاً في مواقف القوى الإقليمية والدولية في اتجاه التركيز على الحل السياسي، والضغط على كل الأطراف، وخصوصا التي تدعمها، من أجل القبول بالخيار التفاوضي والحل السياسي، وأن لا تستمر في تقديم الدعم لتلك الأطراف.

وإن كانت القوى المتصارعة في ليبيا قد وصلت إلى قناعةٍ تقضي بضرورة الانخراط في عملية تفاوض سياسية، نتيجة صعوبات المواجهة العسكرية وتكلفتها الباهظة ومحاذيرها، فإنها لا تقرّ بضرورات الالتزام بالحل السياسي مخرجا وحيدا للوضع الكارثي في ليبيا، بل لا تزال ترغب في حلّ تفصله على مقاسها ومقاس داعميها، وهو أمر متعذّر، ولا يمكن تحقيقه. وعليه نسمع أصواتا يؤكد فيها كل طرف على مكاسبه ومصالحه، وليس على مكاسب الليبيين عموماً، لذلك دعت البعثة الأممية إلى "الإسراع في تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة على الأراضي الليبية"، وهو أمر يصعبُ على الأطراف الليبية تحقيقه، ما لم تتعاون معها القوى المتدخلة في ليبيا، وبشكل خاص في مسألة إخراج المرتزقة، وفي إمكانية إخلاء مدينتي سرت والجفرة من السلاح، حيث لا تزال روسيا تصرّ على وجود مرتزقة فاغنر في مناطق حقول النفط والموانئ ومنطقة الجفرة، على الرغم من ترحيبها بإعلان السراج وعقيلة صالح عن وقف إطلاق النار. لذلك تحاول تغيير رهانها على اللواء المتقاعد خليفة حفتر (أعلن متحدث باسمه استخفافا بالإعلان) الذي تلقى هزائم كبيرة، من أجل الحفاظ على وجودها ونفوذها العسكري في ليبيا، بغية تحقيق مصالحها وأهدافها.

انخراط الأطراف في التفاوض لا يعني الإقرار بضرورات الالتزام بالحل السياسي مخرجا وحيدا للوضع الكارثي في ليبيا

ولا يبتعد الأمر كثيراً عن باقي المتدخلين في الشأن الليبي، وخصوصا تركيا ومصر وفرنسا وإيطاليا وسواها، لكن ما يجعلها تنخرط في المبادرة الأميركية هو عدم قدرة أي منها على إدارة الصراع وحدها، إلى أمد طويل، وغير قادرة على تحمل مزيد من الأثمان بمغامرات خارجية. كما أن الحسابات الاقتصادية للدول المتدخلة في الشأن الليبي لا تمكنها من إضافة خسائر في جبهات خارجية في هذه الظروف التي تعاني اقتصادات معظم الدول من صعوبات وأزمات عديدة. إضافة إلى أن ذلك كله تزامن مع عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى ليبيا، لمواجهة الحملة الروسية القوية، الهادفة إلى توسيع مناطق النفوذ في القارّة الأفريقية، والتي تجسّدت ليس فقط عبر الاهتمام المتجدّد بالملف الليبي، بل بممارسة ضغوط قوية على قادة وزعماء الأطراف المحلية المتصارعة، وعلى القوى الإقليمية والدولية، من أجل حثها على التخلي عن نياتها التوسعية في ليبيا. وبالتالي، فإن ممكنات وآفاق حل سياسي في ليبيا يجسّدها انحراط أطراف دولية، مثل تركيا وروسيا وألمانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، ما يعني أن المبادرة الأميركية أخذت طابعاً دولياً، وتراعي توازن القوى الدولية في ليبيا، ومعها التوازنات في مناطق شمال أفريقيا وشرقي المتوسط، وتعقيدات الوضع في ليبيا. لذلك المأمول هو أن تقرّ فعلاً الدول المتدخلة في ليبيا بانتفاء الحلّ العسكري، وأن تفتح المبادرة الأميركية باباً أمام إمكانية انخراط جميع الأطراف في حوار سياسي حقيقي، يأخذ في الحسبان مختلف المسارات الطبيعية للأزمة الليبية، وسبل الاتفاق بينها وممكناته، وبشكل يضمن تحويل الإعلان عن وقف إطلاق النار إلى تثبيته الدائم، والوصول إلى توافقات سياسية، تفضي إلى حلّ سياسي دائم، يلبي طموحات الشعب الليبي وينهي معاناته.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".