هل تهبّ رياح التغيير على الإعلام التونسي؟

18 مارس 2018
مطالبات بخصخصة المؤسسات الإعلامية التونسية الرسمية (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
يعرف الإعلام التونسي في الفترة الأخيرة جملة من التغييرات الكبرى التي قد تحدّد مستقبله. وأول هذه التغييرات رفض كل الهياكل المهنية للقانون المنظم للقطاع الإعلامي الذي قدمته الحكومة التونسية، ممثلةً في وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، الأمر الذي قد يضطرها (الحكومة) إلى تأجيل الحسم فيه وتنقيحه ليستجيب لمطالب الصحافيين. وبالتالي، تأجيل الحسم في التركيبة الجديدة لـ "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا) التي كان من المنتظر الحسم فيها قبل شهر مايو/أيار المقبل. 

لكنّ الأمر قد يتأجل إلى نهاية عام 2018، وفقاً لتصريحات خاصة أدلت بها مصادر من "الهايكا" لـ "العربي الجديد". 

ثاني التغييرات يتمثل في الهجمة التي يتعرض لها المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة التونسية، مفدي المسدي، من قبل كثيرين يتهمونه بتسريب بعض المعطيات التي تتعلق بعمل الحكومة التونسية إلى بعض وسائل الإعلام القريبة منه دون أخرى.

هذا الأمر تسبب في أزمة بين رئاسة الحكومة التونسية ووزارة الداخلية، على خلفية تسريب معلومات عن إقالة مديرين عامين في وزارة الداخلية من دون أن يصدر عن الوزارة المعنية أيّ بيانٍ حول ذلك، قبل أن تصدر بياناً بعد 16 ساعة من تسريب الخبر.

وأثار ذلك الكثير من التأويلات، إذ اعتبرها الكثيرون مضرة بصورة تونس الخارجية. هذه الحادثة وأخرى قد تعجل برحيل المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة التونسية، مفدي المسدي، وتعويضه بمستشار آخر، خاصة أن بعض نواب "حزب نداء تونس" عبروا، لـ "العربي الجديد"، عن عدم رضا الحزب عن أدائه.



ثالث التغييرات سيشمل المديرين العامين لأكبر مؤسستين إعلاميتين عموميتين (رسميتين): الإذاعة التونسية (10 محطات إذاعية تشغل 1158 شخصاً) والتلفزيون الرسمي (قناتان تشغل 1254 شخصاً).

إذ تفيد المصادر أن المدير العام للإذاعة التونسية، عبدالرزاق الطبيب، عبّر لـ "الهايكا" ورئاسة الحكومة التونسية عن عدم رغبته في مواصلة تولي إدارة المؤسسة. كما أن المدير العام للتلفزيون، عبدالمجيد المرايحي، يتولى المسؤولية بالنيابة.

هذا الوضع جعل رئاسة الحكومة التونسية و"الهايكا" تتفقان على تغيير المديرين العامين للمؤسستين، بعد الانتخابات البلدية المرتقبة في السادس من مايو/أيار المقبل. كما تمّ الاتفاق على تكوين لجنة مشتركة وفتح باب الترشحات لتقديم مشاريع برامج، لتولي إدارة الإذاعة التونسية والتلفزيون التونسي لمدة ثلاث سنوات، على أن يتم الاختيار بالتوافق بين رئاسة الحكومة و"الهايكا"، وفقاً لبرنامج كل مرشح. 


في مقابل ذلك، تتعالى الأصوات المطالبة بتفويت (خصخصة) الحكومة التونسية للمؤسسات الإعلامية العائدة لها بالنظر. إذ قال أستاذ الإعلام صلاح الدين الدريدي إن "الوطنيتين التلفزيتين (التلفزيون الرسمي)، الوطنيات والجهويات الإذاعية (الإذاعات الرسمية)، وكالة تونس إفريقيا للأنباء، جريدتي الصحافة ولابرس... جدواها عديمة ومردوديتها صفر وتستنزف المال العام، يجب التفويت فيها إلى مجموعات إعلامية متمرسة في صناعة الإعلام".

وهو رأي يرفضه الكثير من العاملين في القطاع الإعلامي ومن المجتمع المدني الذين يعتبرون أن الإعلام العمومي (الرسمي) هو عماد الديمقراطية الناشئة في تونس. وهو ما يتفق مع موقف "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين" و"الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا).

لكن هذين الهيكلين، في المقابل، يخشيان من رغبة بعض الأطراف الحاكمة في السيطرة على الإعلام العمومي وتوجيهه لخدمة مصالحها. لذلك، يطالبون باستمراريته مع توفير كل ضمانات استقلاليته من أي تبعية لأي طرف سياسي، ليكون إعلام كلّ التونسيين الذين يقومون بتمويله من خلال الضرائب التي يدفعونها للحكومة.



في سياق متصل، باتت خطوط التقارب بين "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين" و"النقابة العامة للإعلام" أكثر وضوحاً، خاصة بعد الحملة التي تعرض لها نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، ورئيس النقابة العامة للإعلام، محمد السعيدي، من قبل بعض القنوات التلفزيونية الخاصة على خلفية رفضهما الاجتماع مع مالك قناة "الحوار التونسي"، سامي الفهري، المتهم بالفساد.

وأصبحت معالم التقارب واضحة للعيان من خلال الاجتماعات الدورية المشتركة بين النقابتين ومواقفهما الموحدة في عددٍ من القضايا، بالإضافة إلى انشغالهما بملف تواصل ضرب الحقوق الاجتماعية في الإعلام الخاص، وتردي الأوضاع في الصحافة المكتوبة، وعدم وجود سياسة عموميّة للإعلام ما يفتح الباب على مصراعيه لمحاولات التطويع ووضع اليد. وتحمّل النقابتان الحكومة مسؤولية التباطؤ في معالجة الوضع.