ويأتي هذا التصعيد من قبل البرلمان الحليف السياسي للواء المتقاعد خليفة حفتر بالتوازي مع نشاط مصري كبير يبدو أنه نجح في عودته للملف الليبي، من خلال دعواته المفتوحة لكل ممثلي الأطراف الليبية الذين زاروا تباعا القاهرة في الآونة الأخيرة.
وبشكل رسمي، أعلن وزير خارجية النظام المصري سامح شكري عن قرب نجاح جهود القاهرة لــ"عقد لقاءات بين قيادات المؤسسات الليبية المتمثلة فى حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، ومجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، والجيش بقيادة المشير خليفة حفتر"، وهو ما أكدته مصادر تابعة للمجلس الرئاسي لــ"العربي الجديد" أول من أمس.
وقال شكري خلال تصريح صحافي يوم أمس الإثنين: "نعمل على ترتيب لقاء مباشر بين القيادات الثلاث، هو تأكيد جديد على أن القضية ليبية، والحوار والتوافق يجب أن يكون ليبيا" لافتاً إلى أن مصر لا تسعى لأي مصلحة سوى مصلحة الشعب الليبى.
لكن مراقبي الشأن الليبي يرون أن جهود القاهرة الأخيرة تريد من خلالها إرسال رسالة مفادها أنها الأقدر على جمع كل الفرقاء الليبيين، وليس فقط ممثلي عملية الكرامة والبرلمان شرق البلاد، ويرى ذات المراقبين أن القاهرة منزعجة من تنامي الدور الجزائري والتونسي المتصاعد في الملف الليبي، وهي بكل تأكيد لها مصالحها وحساباتها الأمنية والاقتصادية والسياسية المختلفة تماما عن حسابات القاهرة الداعمة لانقلاب حليفها اللواء المتقاعد حفتر.
ويقول بعض المحللين إن القاهرة لم تغير سياساتها تجاه ليبيا، وإنما أتاح لها التراجع الأوروبي والأميركي الداعم للاتفاق السياسي وحكومة الوفاق، الفرصة للدخول بشكل أكثر قوة على خط الأزمة الليبية، ولا سيما أن الحديث في تزايد حول تغير سياسية الإدارة الإميركية برئاسة دونالد ترامب حيال الأزمة الليبية، بالتوازي مع نجاح وصول اليمين المتطرف للسلطة في بعض الدول الأوروبية، وإيطاليا على وجه التحديد، التي تمثل أكبر داعمي حكومة الوفاق الأوروبيين.
ومنذ إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملية عسكرية عرفت باسم عملية "الكرامة" في بنغازي عام 2014، لم يخف نظام السيسي في القاهرة دعمه السياسي وربما العسكري أيضا له، في خطوة لاستنساخ تجربته التي انقلب فيها على الحكم الشرعي في مصر برئاسة الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013.
وفي الفترة الأخيرة، اضطرت الجزائر ومن بعدها تونس الداعمتين للاتفاق السياسي في ليبيا لتعبئة الفراغ الذي تركه تغير سياسات أوروبا وأميركا، والذي أثر سلبا على موقف حكومة الوفاق والاتفاق السياسي، بهدف الوصول إلى حل للمسائل الخلافية في الاتفاق السياسي، فقد دعت الجزائر "حفتر" إلى زيارتها لمناقشة سبل المضي في تطبيق الاتفاق السياسي، وطلبت منه التوقف عن دعم مجموعات مسلحة بجنوب وجنوب غرب البلاد، بالقرب من حدودها التي تنشط فيها المجموعات الخارجة عن القانون، والمرتبطة بالهجرة غير الشرعية والإرهاب.
وفي وقت لاحق زار رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج الجزائر تلبية لدعوة رسمية، كما أن رئيس البرلمان "عقيلة صالح" وصل إلى الجزائر في ذات الفترة لمناقشة مستجدات الوضع السياسي والأمني في البلاد.
من جانبها دخلت تونس مدفوعة برغبة جزائرية على خط المساعي التصالحية وتقليل الهوة بين الأطراف الليبية، فدعت صالح والسراج لزيارتها، ولم تخف تصريحات مسؤوليها مخاوفهم من وصول تهديد المجموعات "الإرهابية" لحدودها، وإمكانية تأثرها بالفوضى العسكرية والأمنية في غرب البلاد، ولا سيما خشيتها من عودة مئات العناصر "الإرهابية" التونسية التي كانت تقاتل مع "داعش" في سرت.
لكن اللافت في الأمر أن حفتر وداعميه في البرلمان يحاولون التعامل مع كل المبادرات من دول الجوار سواء من الجزائر أو تونس، أو الاتحاد الأفريقي، لكنهم في ذات الوقت يبدون ترحيبهم بأي مبادرة تطالب بإعادة النظر في شكل المجلس الرئاسي الحالي، ولا يخفون رغباتهم في إخراج ممثلي التيارات الإسلامية وعلى رأسها "الإخوان المسلمين" منه، وهو ما يتوافق مع رؤية القاهرة وأبوظبي التي ترفض الاعتراف بالإسلام السياسي في أي مشهد حكومي عربي.
القاهرة وأبوظبي ومعهما دول كبرى مثل روسيا وفرنسا طالبت عديد المرات بدور محوري لـ"حفتر" في أي مشهد قادم، ولذا انصبت جهودها على ضرورة إعادة النظر في الاتفاق السياسي، والمقصود بالتحديد هو إلغاء المادة الثامنة والتي يعني بقاؤها خروج "حفتر" من المشهد القادم، وبالتالي فشل أي مسعى لوصول العسكر للسلطة، وهذا لن يتأتى إلا باستبعاد مناوئي "حفتر"، وخصوصا ممثلي التيارات الإسلامية من أي جسم سياسي ينبثق عن أي تفاهم قادم لتعديل الاتفاق السياسي.