هل تسعى تركيا إلى دمج هيئة تحرير الشام بالجبهة الوطنية للتحرير؟

05 يوليو 2020
يبقى الموقف التركي من هيئة تحرير الشام متأرجحاً بين الإبقاء والإلغاء (Getty)
+ الخط -

تأتي الأنباء المتضاربة عن إمكانية دمج "هيئة تحرير الشام" بـ"الجبهة الوطنية للتحرير"، بالتزامن مع تدعيم اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب خلال القمة الأخيرة لرؤساء إيران وتركيا وروسيا، ذلك الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين بوتين وأردوغان في الخامس من آذار/مارس الماضي، ليجمّد العمليات العسكرية في إدلب. ومنذ ذلك الحين يُنظر إلى الاتفاق على أنه هشّ وآيلٌ إلى السقوط في أية لحظة.

قد تجد أخبار دمج القوتين الكبيرتين في إدلب، وفق رؤية تركية، أساساً لها على أرض الواقع الميداني والسياسي في معادلة إدلب وما يحيط بها من اتفاقات، إذ لا تزال موسكو تطلب من أنقرة إيجاد حلٍّ لمعضلة "هيئة تحرير الشام" منذ توقيع اتفاق سوتشي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في أيلول/ سبتمبر 2018. فيما تكمن المصلحة التركية من تحقيق هذا الدمج، بتوحيد الجسم العسكري تحسباً لانهيار وقف إطلاق النار في أيّ وقت واستئناف المعارك مجدداً، بعد أن تبادلت الفصائل رمي الاتهامات بالتخاذل خلال المعارك السابقة، حين كان النظام وحلفاؤه يتقدمون في مدن إدلب وحلب وقراهما وقبلها ريف حماة الشمالي، تقدماً سريعاً ودراماتيكياً.

وقال مصدر مطّلع على شؤون "هيئة تحرير الشام" في حديث لـ"العربي الجديد" عن هذه الأنباء إن "العمل جارٍ، منذ فترة، لرفع التنسيق بين فصائل غرفة عمليات (الفتح المبين)"، مضيفاً أن "التنسيق والتعاون وصلا إلى مستويات جيدة".

ولم يؤكد المصدر المعلومات عن مباحثات لدمج القوتين، إلا أنه أعرب عن أمله بأن "تنجح جهود التنسيق الحالية في تحقيق الاندماج الكامل مستقبلاً، لما يحقق من فائدة على الثورة السورية"، مشيراً إلى أن ثمّة "عملاً منذ فترة على توحيد الرؤية العسكرية والجهود على الأرض، وترشيد الطاقات الموجودة في المناطق المحررة، ونأمل أن تتكلل تلك المساعي بالنجاح والتوفيق".

يبقى الموقف التركي من هيئة تحرير الشام غير محسوم، فمن جهة هي الجسم الأكثر تنظيماً في إدلب، ومن جهة أكثر تشكل الجبهة لأنقرة إحراجاً لجهة وسمها بالإرهاب

وتضم غرفة عمليات "الفتح المبين" كلاً من "هيئة تحرير الشام" و"الجبهة الوطنية للتحرير" و"جيش العزة"، وجميعها قاتلت قوات النظام والمليشيات المدعومة من إيران، خلال عمليات التقدم الأخير لقوات النظام وحلفائه بداية من ربيع العام الماضي.

ونفى النقيب ناجي المصطفى، المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهي تحالف مقرب من تركيا يضمّ العديد من فصائل إدلب ومحيطها، في حديث مع "العربي الجديد"، الأنباء المتداولة عن مباحثات لتحقيق اندماج بين كل من الهيئة والجبهة، وحول إمكانية تحقيق ذلك مستقبلاً، وأشار إلى أنه "لا يمكن التنبؤ بالمستقبل".

وأكد قيادي في فصيل "فيلق الشام"، أحد أهم مكونات "الجبهة الوطنية للتحرير" نفي المصطفى للأنباء، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن "استشعار الخطر من خلال تحركات النظام على خطوط التماس في جبهات إدلب، يحتّم علينا رفع التنسيق مع الفصائل الموجودة في إدلب، ولا سيما أنها شاركت معنا في القتال، وستشارك في حال استئناف العمليات القتالية بحال انهيار الاتفاق".

وأوضح القيادي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، قد كثفت من تحضيراتها لما هو قادم، من خلال زجّ المقاتلين بمعسكرات لتلقي تدريبات عالية الكفاءة، بالإضافة إلى إعادة ترتيب الصفوف عسكرياً داخل الجبهة، والتنسيق مع الفصائل خارجها، وربما كان ذلك ما قُرئ على أنه بداية لتحقيق الدمج".

ويبقى الموقف التركي متقلباً لجهة التعامل مع "هيئة تحرير الشام". فمن جهة، تعتبر أنقرة الهيئة الجسم الأكثر تنظيماً وإدارةً للتعامل معه في إدلب، ولا سيما بحماية تطبيق الاتفاقات التي عقدتها مع موسكو، وأهمها الاتفاق الأخير القاضي بتسيير الدوريات على طريق حلب – اللاذقية "أم 4"، تمهيداً لفتحه أمام الحركة الطبيعية. ومن جهة أخرى، إن بقاء الهيئة باسمها وهيكليتها الحالية يشكل عبئاً على أنقرة أمام الروس، وربما المجتمع الدولي، لجهة وسمها بالإرهاب، ما يحتّم عليها ترتيب تذويبها في أجسام الفصائل المتحالفة معها، أو إيجاد حل آخر، لا يكون للموجهة المباشرة مكان فيه.

وكانت "هيئة تحرير الشام" قد عمدت أخيراً إلى تصفية غرفة عمليات "فاثبتوا" المكونة من فصائل متشددة تقترب فكرياً من "تنظيم القاعدة"، في رسالة واضحة لتعديل توجهها العقائدي، وحماية الاتفاقات التركية - الروسية في إدلب، التي تعترض عليها فصائل الغرفة المذكورة، فيما لمّحت معلومات إلى أن تعامل الهيئة مع فصائل الغرفة التي يُعدّ تنظيم "حراس الدين" المتشدد أبرز مكوناتها، قد أتى بتوجيهات مباشرة من أنقرة.

المساهمون