16 نوفمبر 2024
هل تستطيع إدلب تغيير المعادلة الروسية؟
يفتح الإخفاق الروسي في تحقيق نتائج في معارك أرياف حماة وإدلب الباب أمام التساؤل عمّا إذا كانت ستشكّل إدلب وجوارها منعطفاً في الصراع السوري الذي باتت تسيطر روسيا على مجرياته بدرجة كبيرة.
قد يكون الكلام عن هزيمة روسية في الشمال السوري نوعاً من رفع سقف الآمال بدرجة كبيرة، في حدث ما زال من المبكر إصدار حكم بخصوصه، وتعيين المنتصر من المهزوم. ولكن لا يبدو أن وصف الإخفاق للفعل الروسي، أقله حتى اللحظة، يدخل في سياق المبالغة في وصف مجريات المعارك في الشمال السوري، بقدر ما هو واقع حاصل على الأرض، تؤكّده؛ ليس فقط الخسائر الكبيرة في العتاد والجنود على طرف روسيا ومليشياتها، وإنما أيضاً مناورات روسيا لإقامة هدنة، وإطلاق ورشة مباحثات روسية – تركية، لإيجاد مخرج من هذا الإستعصاء الميداني.
فهل يمكن البناء على هذا الإخفاق لكسر الإستراتيجية الروسية المتدحرجة في قضم المناطق السورية، وإنهاك الخصوم وإخراجهم من دائرة الفعل، وإخضاعهم لنظام الأسد، كما حصل في حلب والغوطة الشرقية وجنوب سورية؟ ثمّة عاملان لطالما ساعدا روسيا على تحقيق ما سمته انتصاراً في سورية، شبكة التفاهمات التي أجرتها مع اللاعبين الإقليمين الذين لديهم مونة على المعارضة، وقد أسهم ذلك في تفكيك قوّة تلك الفصائل، وإغلاق طرق إمدادها، وإضعاف خياراتها إلى حدود صفرية، والخلافات الهائلة التي نشبت بين الفصائل، قتالها مع بعضها وخسارتها العناصر والعتاد، وإنخفاض رغبة عناصرها في قتال قوات العدو.
بالإضافة إلى هذين العاملين، شكّل وجود ملجأ لهذه الفصائل وعناصرها، إدلب وريف حلب، محفّزاً لها لترك القتال، ما دامت تلك المناطق ستصبح بدائل، ليس لممارسة النضال ضد الأسد، وإنما لتشكيل هياكل سلطوية ثورية، وهو حلمٌ عتيد لدى الفصائل. على ذلك، يأتي تأثير سلاح
الفضاء الجوي الروسي في ذيل القائمة، هذا ليس كلاماً إنشائياً، بل أثبتته معارك إدلب أخيراً، فحين ذهبت الفصائل إلى ترميم وصيانة قوتها الذاتية، وتوفر طريق إمداد جيد، وكذلك القتال، لأنه لا توجد بدائل أخرى، أو لأن البدائل كلها سيئة، فإنها استطاعت الصمود، والتقدّم احياناً، على الرغم من وجود الشروط نفسها التي قاتلت بها تلك الفصائل في مناطق أخرى، وانسحبت لصالح الروس، وتم تفسير هذه التراجعات بالتدخل الجوي الروسي الحاسم.
يفيد تاريخ الحروب المماثلة التي خاضتها قوى عظمى ضد أطرافٍ أقل قوّة منها، حربا أميركا في فيتنام وروسيا في أفغانستان، أن هذه القوى استخدمت كثافة نيرانية هائلة في هذه الحروب، وخصوصاً بأسلحة الجو، وكذلك حصلت على مساندة كبيرة من قوى محلية، لكنها لم تحقّق نتائج حاسمة، والسبب أن القوّة المقابلة لها أحسنت إستخدام المزايا التي تملكها بوصفها جيوشا غير نظامية، لديها مرونة أكبر في العمل والتحرّك، فضلاً عن معرفتها بالأرض التي تحارب عليها، واستثمارها كل العوامل المتوفرة، بما فيها ظروف الطقس، فضلاً عن متابعتها التطورات السياسية، سواء داخل بيئات الخصوم؛ أو في البيئات الإقليمية والدولية عموماً.
ثمّة معطياتٌ كثيرةٌ تغيرت قد تساعد في إضعاف المشروع الروسي، أو على الأقل التصوّر الروسي لإدارة سورية بعد الحرب، وإن تم التنبه لها من القيادات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية، سيكون لها نتائج مهمة في سياق الصراع المستقبلي. أول تلك المتغيرات، التناقض الجلي بين إيران وروسيا، فمن الصعب عودة إيران لمساعدة روسيا، وخصوصا في مناطق الشمال، كما أن لإيران مصلحة في إضعاف الروس، والتقليل من هيبتهم، فإيران صارت على قناعةٍ تامة بأن الروس يريدون إضعاف وجودها في سورية، بل وإخراجها نهائيا إن استطاعوا، بدليل موافقتهم على حضور مؤتمر" القدس الثلاثي"، المخصّص أصلاً لبحث
إخراج سورية من إيران.
لن تخوض إيران أي معركة في سورية تحت جناح روسيا، بشكل جدّي، ما لم تقبض نتائجها الإستراتيجية بشكل مسبق، وستحاول الإحتفاظ بقوتها لخطر قادم، ليس الروس خارجه، وخصوصا بعد تكرار الصدامات بين الطرفين، كان أخرها في دير الزور والبوكمال، فضلاً عن أن مليشيات إيران ضعفت، وجرى تفكيك بعضها، وإنسحاب جزء منها، كما أن حزب الله يواجه إحتمالات حرب إسرائيلية، وحتى إيران نفسها أصبحت داخل دائرة خطر الحرب، بعد التطورات الأخيرة في الخليج.
ليس مطلوباً من فصائل المعارضة سحق الوجود الروسي في سورية، فلا إمكاناتهم ولا الواقع الدولي يسمحان بهذا، لكن صمودهم سيجبر روسيا على تغيير المعادلة التي تبنتها حتى اللحظة، والتي تميل إلى جعل الأسد المنتصر الوحيد على حساب ملايين السوريين، فهل من الممكن رؤية هذا التغيير؟
فهل يمكن البناء على هذا الإخفاق لكسر الإستراتيجية الروسية المتدحرجة في قضم المناطق السورية، وإنهاك الخصوم وإخراجهم من دائرة الفعل، وإخضاعهم لنظام الأسد، كما حصل في حلب والغوطة الشرقية وجنوب سورية؟ ثمّة عاملان لطالما ساعدا روسيا على تحقيق ما سمته انتصاراً في سورية، شبكة التفاهمات التي أجرتها مع اللاعبين الإقليمين الذين لديهم مونة على المعارضة، وقد أسهم ذلك في تفكيك قوّة تلك الفصائل، وإغلاق طرق إمدادها، وإضعاف خياراتها إلى حدود صفرية، والخلافات الهائلة التي نشبت بين الفصائل، قتالها مع بعضها وخسارتها العناصر والعتاد، وإنخفاض رغبة عناصرها في قتال قوات العدو.
بالإضافة إلى هذين العاملين، شكّل وجود ملجأ لهذه الفصائل وعناصرها، إدلب وريف حلب، محفّزاً لها لترك القتال، ما دامت تلك المناطق ستصبح بدائل، ليس لممارسة النضال ضد الأسد، وإنما لتشكيل هياكل سلطوية ثورية، وهو حلمٌ عتيد لدى الفصائل. على ذلك، يأتي تأثير سلاح
يفيد تاريخ الحروب المماثلة التي خاضتها قوى عظمى ضد أطرافٍ أقل قوّة منها، حربا أميركا في فيتنام وروسيا في أفغانستان، أن هذه القوى استخدمت كثافة نيرانية هائلة في هذه الحروب، وخصوصاً بأسلحة الجو، وكذلك حصلت على مساندة كبيرة من قوى محلية، لكنها لم تحقّق نتائج حاسمة، والسبب أن القوّة المقابلة لها أحسنت إستخدام المزايا التي تملكها بوصفها جيوشا غير نظامية، لديها مرونة أكبر في العمل والتحرّك، فضلاً عن معرفتها بالأرض التي تحارب عليها، واستثمارها كل العوامل المتوفرة، بما فيها ظروف الطقس، فضلاً عن متابعتها التطورات السياسية، سواء داخل بيئات الخصوم؛ أو في البيئات الإقليمية والدولية عموماً.
ثمّة معطياتٌ كثيرةٌ تغيرت قد تساعد في إضعاف المشروع الروسي، أو على الأقل التصوّر الروسي لإدارة سورية بعد الحرب، وإن تم التنبه لها من القيادات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية، سيكون لها نتائج مهمة في سياق الصراع المستقبلي. أول تلك المتغيرات، التناقض الجلي بين إيران وروسيا، فمن الصعب عودة إيران لمساعدة روسيا، وخصوصا في مناطق الشمال، كما أن لإيران مصلحة في إضعاف الروس، والتقليل من هيبتهم، فإيران صارت على قناعةٍ تامة بأن الروس يريدون إضعاف وجودها في سورية، بل وإخراجها نهائيا إن استطاعوا، بدليل موافقتهم على حضور مؤتمر" القدس الثلاثي"، المخصّص أصلاً لبحث
لن تخوض إيران أي معركة في سورية تحت جناح روسيا، بشكل جدّي، ما لم تقبض نتائجها الإستراتيجية بشكل مسبق، وستحاول الإحتفاظ بقوتها لخطر قادم، ليس الروس خارجه، وخصوصا بعد تكرار الصدامات بين الطرفين، كان أخرها في دير الزور والبوكمال، فضلاً عن أن مليشيات إيران ضعفت، وجرى تفكيك بعضها، وإنسحاب جزء منها، كما أن حزب الله يواجه إحتمالات حرب إسرائيلية، وحتى إيران نفسها أصبحت داخل دائرة خطر الحرب، بعد التطورات الأخيرة في الخليج.
وثمّة متغيرات حصلت في ذهنية القيادة الروسية، فلم تعد مندفعة للحرب من دون شرط أو قيد، سوى ظروف الميدان، إذ يبدو أن روسيا بدأت بفتح خطوط تفاوض حول مستقبل وجودها في سورية، مع قوى دولية وإقليمية. وبالتالي هي مضطرّة لمراعاة هذه التطورات، وقطف ثمار وجودها، وهذا لا شك سيخفّض حافزية الهجوم لديها، لصالح تثمير خطوط التفاوض والمساومات مع الأطراف المؤثرة، أو التي سيكون لها أدوار مهمة في الحساب الروسي، وخصوصا على صعيد عملية إعادة الإعمار، وإستقرار الوجود الروسي في شرق المتوسط.
للفصائل المقاتلة الدور الأبرز في كل هذه التطورات، فصمودها سيضعف خيارات روسيا، ويربكها بدرجة كبيرة، كما أن للتكتيكات الجديدة التي تتبعها في المعارك، بالإضافة إلى بلورة قواها والاستفادة من المزايا التي تملكها على الأرض، وحماس واندفاع كوادرها في صد الهجوم الروسي، كل تلك ستكون عوامل مساعدة على كسر الإستراتيجية التي اتبعتها روسيا في السنوات الثلاث الأخيرة.ليس مطلوباً من فصائل المعارضة سحق الوجود الروسي في سورية، فلا إمكاناتهم ولا الواقع الدولي يسمحان بهذا، لكن صمودهم سيجبر روسيا على تغيير المعادلة التي تبنتها حتى اللحظة، والتي تميل إلى جعل الأسد المنتصر الوحيد على حساب ملايين السوريين، فهل من الممكن رؤية هذا التغيير؟