هل بالفعل بدأ خريف الثورات المضادة؟

10 مارس 2019
+ الخط -
هل بالفعل يصح القول إن الثورات المضادة في المنطقة العربية تجر أثواب هزيمتها صوب غد لن يكون بلوغه مضموناً؛ فهي اليوم تمرر أيام حكمها الذي أسسته على أشلاء ربيع عربي موءود بصعوبة بالغة، وبتكلفة باهظة، وبأفعال انتحارية يائسة.. وهل بالفعل تكشف المؤشرات المتكاثرة أن لعبة الثورات المضادة وصلت إلى منتهاها؟

يراهن البعض على أن الثورات المضادة تلفظ أنفاسها الأخيرة؛ فهناك توتر هائل يجتاح المنظومة الحاكمة، وباتت تعاني من فشل مزمن في إيجاد مخارج آمنة من أزماتها، خاصة المالية والاقتصادية، ويبدو أن القمع والعنف لم يعودا يجديان في قمع الشعوب وإسكاتها؛ فقد تجددت المظاهرات في الجزائر والسودان، والسخط من سلطوية النظام في مصر، والتململ داخل الشرائح الداعمة للأسد في سورية.. خاصة أن هذه النظم أعادت الطبقات الوسطى، وبالتالي فقدت دعمها، كما انفض عنها كل مثقف يحترم ذاته، ولم يعد يدعمها سوى المرتزقة من الإعلام..

وأخيراً بدا واضحاً أن هذه النظم لا تمتلك أي مشروع - سياسي/ اقتصادي/ ثقافي - سوى التشبث بالسلطة والحفاظ عليها، وما باتت الدساتير والأحزاب المروضة والمجتمع المدني المستأنس قادرة على تعمية شيخوختها وعجزها عن الاستمرار.


قد تكون كل هذه الحجج والمبررات كافية في إثبات وتعرية فشل النظم التي قامت على الثورات المضادة في أعقاب الانتفاضات العربية في نهايات 2010 وما تلاها.. لكن غاب عن هذا التحليل أن الثورات لا تتفجر نتيجة فشل الدول أو ترهل النظم وعنفها الذي يتنامى في علاقة عكسية مع إنجازاتها..

فالظروف الموضوعية مهما بلغ سوؤها لا تعني بالضرورة تفجر الاحتجاجات، تتفجر الثورات والانتفاضات عندما يقرر الشارع ذلك، فالثورة قرار الشارع، وليست مجرد رد فعل على عنف النظم أو فشلها.. الثورة علامة على استيقاظ الشارع.

لم تندلع الانتفاضة في مصر في 2011 لأن النظام وصل إلى نقطة انسداد لا رجوع منها؛ إنما اندلعت لظهور نخب شابة تبحث عن دور جديد لها في مجتمعاتها؛ وبما أن المنظومة القائمة لا تفسح لهم المجال لتحقيق ذواتهم، سعوا هم للحصول على هذه المكانة ولعب هذا الدور الذي ينشدونه، فالثورة في مصر لم تندلع في الحقيقة في 2011، إنما بدأت في 2005، أما لحظة 2011؛ فقد كانت كاشفة فقط عن ثورة مستعرة منذ خمس سنوات أو يزيد.

قد تكون الظروف الموضوعية في الوقت الراهن ليست في صالح نظم الحكم القائمة، وقد يبدو أن النظم القائمة مهترئة وفاقدة لأية شرعية، وبقاءها مرهون فقط بغياب البديل، وقد تكون السلطة فعلياً ملقاة على قارعة الطريق تنتظر من يلتقطها.. لكن يبقى تجدد الثورات مستبعداً لغياب الفاعل البكر الطامح للعب دور، يدفعه لمشاكسة النظم القائمة ومصارعتها على السلطة، وحتى ظهور هذا الفاعل ستظل الثورات المضادة قائمة.