10 مارس 2019
مؤامرة الربيع العربي!
في أوائل التسعينات، ومع الحضور الكبير للصحوة الإسلامية والتيار الإسلامي، نظر البعض للجهاد الافغاني ضد الاستعمار السوفياتي كثقب أسود يمكن أن يستوعب العدد الهائل من الإسلاميين المنتشرين في العالم العربي، فتم إعلان الجهاد من على منابر الحكومات العربية، وجمعت التبرعات بمعاونة النظم الحاكمة؛ كل ذلك بغرض التخلص من الفوائض البشرية الإسلامية في الجهاد الإسلامي في أفغانستان. بالطبع فشلت المحاولة؛ فقد أسهمت التجربة الأفغانية في تطوير الخطابات الجهادية وفي بلورة التباينات بين التكوينات المتعددة لهذا التيار الواسع.
فهل تعاملت القوى الخارجية المعادية لثورات الربيع العربي، مشيخات الخليج وتل أبيب وواشنطن، مع الثورات العربية بنفس المنطق الذي تعاملت به نظم الحكم العربية مع تيار الصحوة الإسلامية باعتباره فوائض تخلصت منها عبر ثقب الجهاد الأفغاني؟
وفق هذه الرؤية: فإن قوى أجنبية كبرى رصدت تراكم رؤوس أموال في المجتمع المصري، خارج الطبقة المخملية المسيطرة على الجزء الأكبر من رأس المال المصري، ورصدت تراكم فوائض الرأسمال البشري الواعي الطامح للعب دور أكبر، خاصة من الشباب، ومع حالة الترهل التي بات يعانيها نظام مبارك وعجزه عن استيعاب وتوظيف هذه الرساميل (المالية، والبشرية) المتنامية، ومع علمها أن هذه الرساميل البشرية والمالية ستخلق حراكا اجتماعيا صاعدا، سيغير معادلة الحكم القائمة، ولن تكون نتائجه في صالح هذه القوى الكبرى، لذلك تم الصمت حيال التدهور المتسارع لنظام مبارك ولم تمد له يد المساعدة أو التوجيهات اللازمة لخروجه من كبوته، وتم الصمت تجاه غليان الشارع وتجاه تبلور الموقف الثوري، حتى اندلعت أحداث الثورة برعاية هذه القوى، وإن كانت أسباب اندلاعها حقيقية وغير مفتعلة.
حَدَث الثورة كان هو الشرَك الذي انقادت إليه القوى السياسية الكبرى، باعتبارها هي التي تحوز الجزء الأكبر من الفوائض البشرية والمالية التي تراكمت خارج حواضنها التقليدية. أما سنوات ما بعد الثورة، فقد كانت هذه المرحلة بمثابة قنوات لاستنزاف هذه الفوائض من الرساميل البشرية والمادية؛ من خلال تصفية القوى الفاعلة كلها، واستنزاف مدخرات المجتمع ورؤوس أمواله خلال سنوات الاضطراب، ومن بعدها عبر سياسات التقشف. بحيث يتم استعادة المعادلة التي تسهر على حمايتها هذه القوى الخارجية الكبرى، هذه المعادلة هي (مجتمع فقير من الرأسمال البشري الواعي الطموح المتفائل، وفقير من الرأسمال المادي الذي يغذي رغبته في حيازة وضع أفضل ومكانة أحسن في الهرم الاجتماعي + نخبة مخملية تحتكر الجزء الأكبر من الرأسمال المادي في المجتمع تتحالف + دولة/ نظام تحتكر العنف وتعمل بالقمع على حفظ هذه المعادلة).
لو تم مد هذا التصور لنهايته، سنجد أن مستقبل المشهد السياسي في دول الثورات المجهضة يؤول إلى نتيجة محددة، هي: التخلص من نظم الحكم المحسوبة على الثورات المضادة بعد أن استفرغت مسوغات بقائها؛ حيث نجحت في استنزاف فوائض الرأسمال البشري والمادي الذي كان قد تراكم في المجتمع، خارج حواضنه التقليدية، خلال سنوات ما قبل الثورة. واستبداله بنظام جديد، يغلب عليه الطابع الإصلاحي، يحمي معادلة "توازن الكراهية والضعف بين المجتمع والدولة والنخبة المخملية" السابق ذكرها، ويحمي المجتمع من الانزلاق لحافة الحرب الأهلية "حرب الكل ضد الكل". وبالتالي يرحل الحكام الذين صنعوا عداوات مع المجتمع وتبقى نظم هي امتداد لنظم ما قبل الربيع العربي.
بالطبع يمكن توجيه النقد لهذا التصور من حيث كونه غارقاً في نظرية المؤامرة، لكن رغم النقد تبقى احتمالية أن يكون هذا التصور واقعيا وموضوعيا قائمة، خاصة أن النتائج التي تحققت على الأرض، وحالة الإنهاك جراء الاستنزاف التي باتت تعاني منها مجتمعات الثورات تؤكد ذلك وتدعمه.
فهل تعاملت القوى الخارجية المعادية لثورات الربيع العربي، مشيخات الخليج وتل أبيب وواشنطن، مع الثورات العربية بنفس المنطق الذي تعاملت به نظم الحكم العربية مع تيار الصحوة الإسلامية باعتباره فوائض تخلصت منها عبر ثقب الجهاد الأفغاني؟
وفق هذه الرؤية: فإن قوى أجنبية كبرى رصدت تراكم رؤوس أموال في المجتمع المصري، خارج الطبقة المخملية المسيطرة على الجزء الأكبر من رأس المال المصري، ورصدت تراكم فوائض الرأسمال البشري الواعي الطامح للعب دور أكبر، خاصة من الشباب، ومع حالة الترهل التي بات يعانيها نظام مبارك وعجزه عن استيعاب وتوظيف هذه الرساميل (المالية، والبشرية) المتنامية، ومع علمها أن هذه الرساميل البشرية والمالية ستخلق حراكا اجتماعيا صاعدا، سيغير معادلة الحكم القائمة، ولن تكون نتائجه في صالح هذه القوى الكبرى، لذلك تم الصمت حيال التدهور المتسارع لنظام مبارك ولم تمد له يد المساعدة أو التوجيهات اللازمة لخروجه من كبوته، وتم الصمت تجاه غليان الشارع وتجاه تبلور الموقف الثوري، حتى اندلعت أحداث الثورة برعاية هذه القوى، وإن كانت أسباب اندلاعها حقيقية وغير مفتعلة.
حَدَث الثورة كان هو الشرَك الذي انقادت إليه القوى السياسية الكبرى، باعتبارها هي التي تحوز الجزء الأكبر من الفوائض البشرية والمالية التي تراكمت خارج حواضنها التقليدية. أما سنوات ما بعد الثورة، فقد كانت هذه المرحلة بمثابة قنوات لاستنزاف هذه الفوائض من الرساميل البشرية والمادية؛ من خلال تصفية القوى الفاعلة كلها، واستنزاف مدخرات المجتمع ورؤوس أمواله خلال سنوات الاضطراب، ومن بعدها عبر سياسات التقشف. بحيث يتم استعادة المعادلة التي تسهر على حمايتها هذه القوى الخارجية الكبرى، هذه المعادلة هي (مجتمع فقير من الرأسمال البشري الواعي الطموح المتفائل، وفقير من الرأسمال المادي الذي يغذي رغبته في حيازة وضع أفضل ومكانة أحسن في الهرم الاجتماعي + نخبة مخملية تحتكر الجزء الأكبر من الرأسمال المادي في المجتمع تتحالف + دولة/ نظام تحتكر العنف وتعمل بالقمع على حفظ هذه المعادلة).
لو تم مد هذا التصور لنهايته، سنجد أن مستقبل المشهد السياسي في دول الثورات المجهضة يؤول إلى نتيجة محددة، هي: التخلص من نظم الحكم المحسوبة على الثورات المضادة بعد أن استفرغت مسوغات بقائها؛ حيث نجحت في استنزاف فوائض الرأسمال البشري والمادي الذي كان قد تراكم في المجتمع، خارج حواضنه التقليدية، خلال سنوات ما قبل الثورة. واستبداله بنظام جديد، يغلب عليه الطابع الإصلاحي، يحمي معادلة "توازن الكراهية والضعف بين المجتمع والدولة والنخبة المخملية" السابق ذكرها، ويحمي المجتمع من الانزلاق لحافة الحرب الأهلية "حرب الكل ضد الكل". وبالتالي يرحل الحكام الذين صنعوا عداوات مع المجتمع وتبقى نظم هي امتداد لنظم ما قبل الربيع العربي.
بالطبع يمكن توجيه النقد لهذا التصور من حيث كونه غارقاً في نظرية المؤامرة، لكن رغم النقد تبقى احتمالية أن يكون هذا التصور واقعيا وموضوعيا قائمة، خاصة أن النتائج التي تحققت على الأرض، وحالة الإنهاك جراء الاستنزاف التي باتت تعاني منها مجتمعات الثورات تؤكد ذلك وتدعمه.