رضخ المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، حافظ قائد السبسي، لإرادة خصومه، بإقراره مواصلة رئيس الكتلة النيابية للحزب، سفيان طوبال، مهامه على رأسها إلى نهاية السنة المقبلة. وأنهى السبسي الابن بذلك، مؤقتاً، فصلاً من الخلافات حول سلطاته داخل "النداء"، وساهم بتهدئة الأجواء على أساس اتفاقات "هشة" قد تزول قريباً، إذا ما تغيّرت التوازنات داخل الحزب لتعود الصراعات مجدداً. وبعد أسابيع من التشنج والتراشق بالتهم والتصريحات، خفتت حدة حرب المواقع داخل الحزب إثر اعلان السبسي الابن، خلال اجتماع الهيئة السياسية، الثلاثاء الماضي، وفق ما نقلته مصادر حزبية لـ"العربي الجديد"، بأنه لا ضرر من إبقاء طوبال في مهمة رئيس الكتلة النيابية إلى حين انتهاء الدورة النيابية لسنة 2017، بعدما جنّد كل قواه وأنصاره لإبعاده من الكتلة. وكادت محاولاته إقصاء طوبال أن توصل الحزب إلى حافة انشقاق جديد. وأوضح حافظ قائد السبسي أن قبوله لهذه التسوية يأتي بهدف إبقاء الكتلة متماسكة وتفادي التصدعات، ومن أجل الحفاظ على تركيبة مكتب المجموعة النيابية، والاهتمام خلال الفترة المقبلة بإعداد تصور للمؤتمر الانتخابي لحزب "النداء" في صيف 2017.
لكن هذه الهدنة من الجانبين لا تعني انتهاء الخلاف التقليدي والمتجدد بين حافظ السبسي وبلحاج. وعلى الرغم من تعدد جوانب وموضوعات الصراع بينهما، لا تزال حرب المواقع بين الرجلين في أوجها، لا سيما خلال الأشهر الأخيرة التي تسبق المؤتمر الانتخابي. ويبدو أن السبسي الابن ينتظر، لاستئناف "المعركة"، ليتمكن من تفتيت التكتل المحيط ببلحاج، خصوصاً الكتلة النيابية التي وافقت على إنهاء الخلاف مقابل عدم مهاجمة السبسي الابن. وبرهن الخلاف الأخير على أن التوازنات داخل الحزب قد تغيّرت ملامحها. ذلك أن رضا بلحاج، أحد مؤسسي "النداء"، كان في السابق مقرباً من الرئيس الباجي قائد السبسي، حين كان ضعيفاً داخل الحزب. وسبق له أن خسر أكثر من شوط في معركته ضد السبسي الابن. لكنه عاد ونجح في تجميع الغاضبين من خصمه جميعاً، وضمهم إلى التيار الذي قاده من أجل إنهاء سلطات السبسي الابن في الحزب.
لكن المدير التنفيذي للحزب الذي اعتاد بدوره الانتصار في معاركه، لم يعد يتمتع بدعم الأغلبية في الحزب. وهذا ما برهنت عليه صراعات الأسبوع الماضي، ما جعله يراجع موقفه ويلجأ لأسلوب التسويات، لا سيما بعدما ظهر الحجم الحقيقي لبلحاج خلال الصراع المباشر حول رئاسة الكتلة النيابية. ولم يلتف حول السبسي الابن هذه المرة إلا ما يقارب العشرين نائباً من الكتلة، وأربعة عشر قيادياً بالهيئة السياسية. وهو ما يعني أن مواصلة التصعيد ضد خصومه ستؤدي حتماً إلى انقسام الحزب وتحوله إلى كيانات سياسية مبعثرة ستفقد قيمتها داخل الائتلاف الحاكم وفي المشهد السياسي.
ومن بوادر تفتت مجموعة بلحاج، تضارب الآراء بين حلفائه إثر الاجتماع الأخير. وقد استمر القيادي بالحزب عضو الهيئة السياسية، فوزي اللومي، في الدعوة إلى إنهاء مهام السبسي الابن. وأعلن، يوم الخميس الماضي، في تدوينة له على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "خطة المدير التنفيذي والممثل القانوني لا تزال تشكل أزمة داخل الحزب، لذلك وجب حذفها"، معلناً عن جملة من اللقاءات مع المنسقين المحليين والجهويين بعدة محافظات لتدارس الأمر. ويعتبر المناصرون لطوبال أن المسألة أصبحت ثانوية، وفق ما أكده القيادي والنائب، حسن العماري، لـ"العربي الجديد"، والذي أبرز أن الأهم اليوم هو الحفاظ على تماسك الكتلة ووحدتها.
ويعتبر البعض أن هذه الهدنة لن تدوم طويلاً، وأنها مجرد وقفة لالتقاط الأنفاس، وجرد قوائم الموالين والمعارضين، لاستئناف المواجهة من جديد. ويعتقد البعض أن الخلافات داخل هذا الحزب متأصلة ولن يتم فضّها إلا بمؤتمر انتخابي ديمقراطي، يظهر حقيقة موازين القوى، ويوضح نهائيا للمشهد التونسي ما إذا كانت لهذا الحزب أسس متينة يستند إليها.