هل أدركت فرنسا أخيراً رهانها الخاسر على حفتر؟

25 يونيو 2019
فرنسا كانت سباقة بدعم حفتر سياسياً وعسكرياً(جاك ديمارثون/فرانس برس)
+ الخط -
مع اقتراب دخول حرب اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس شهرها الثالث، تتزايد مؤشرات التراجع الدولية بشأن تأييد ودعم حربه، فبينما تشير تصريحات مسؤولين إقليميين ودوليين، من بينهم وزيرا خارجية كل من السعودية عادل الجبير، وروسيا، سيرغي لافروف، لإعادة العلاقة مع حكومة الوفاق في طرابلس، تبدو فرنسا أكثر تحركاً في هذا الاتجاه، وأكثر جدية في التخلي عن حليفها حفتر من خلال إجراءات عملية تتجاوز تصريحات المسؤولين.

وأعلنت السفارة الفرنسية لدى ليبيا، مساء أمس الإثنين، عن ترحيبها بقرار وزارة الداخلية في حكومة الوفاق بشأن استئناف العمل بالاتفاقيات الثنائية للتعاون في المجال الأمني والتدريب مع الحكومة الفرنسية، مؤكدة أنها "تتطلع للتبادل من جديد حول مكافحة الإرهاب وفتح آفاق جديدة في مجالات التدريب ومكافحة تبييض الأموال والجريمة المنظمة والدفاع المدني".

وإثر إطلاق حفتر حملته العسكرية في الرابع من إبريل/نيسان الماضي للسيطرة على طرابلس، تلقى دعماً مختلفاً في شتى مستوياته، سياسياً وعسكرياً ومالياً، لكن فرنسا كانت من الدول التي قدمت دعماً سياسياً وعسكريا مبكراً، ففي 15 إبريل الماضي أعلنت السلطات التونسية عن مصادرتها أسلحة وذخائر على حدودها مع ليبيا بصحبة 13 فرنسياً يحملون جوازات سفر دبلوماسية. وربطت أوساط متابعة للشأن الليبي بينهم وبين ضباط فرنسيين تحدثت تقارير متلاحقة، وقتها، عن علاقتهم بتقديم الدعم الفني لقاعدة عسكرية لحفتر في مدينة غريان غرب البلاد.

وأكدت حينها صحيفة "تليغراف" البريطانية نقلاً عن مصادرها، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في كواليس السياسة الفرنسية إنه دعم حملة عسكرية للإطاحة بالحكومة المعترف بهاً دولياً في طرابلس بعد تفاهم مع روسيا والسعودية. وجاءت تسريبات الصحيفة بعد تقارير أوروبية تحدثت عن دور فرنسي فاعل في عرقلة قرار أوروبي يطالب بوقف حفتر حملته العسكرية على طرابلس.

وعلى عكس الموقف من الدول الداعمة منذ وقت طويل لحراك حفتر العسكري كالإمارات ومصر، خطت حكومة الوفاق نحو تصعيد الموقف مع فرنسا، إذ أعلن وزير داخلية حكومة الوفاق، منتصف إبريل الماضي، عن تجميد الاتفاقات الأمنية مع فرنسا، ما حدا وزير خارجيتها، جان إيف لودريان، على نفي علاقة بلاده بحرب حفتر.

في هذا الصدد، أوضح السياسي الليبي، محمد الحريزي، أن وعود حفتر لداعميه باكتساح العاصمة عسكرياً خلال أيام وعلى الأكثر أسابيع، أوقعتهم في حرج سياسي كبير.

وتابع الحريزي، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أنّ "الدعم الفرنسي العسكري والفني لقوات حفتر بات مفضوحاً، وأمام الإحراج الذي سببه لها حفتر كان عليها التراجع وعدم الاستمرار".

ولفت إلى أنّ "الغرب بما فيه الإدارة الأميركية تشهد مواقفه أخيراً ترددا يشير إلى تراجع"، مبيناً أن "ممثلة واشنطن في ليبيا أكدت أن بلادها خُدعت بمعلومات غير صحيحة، وأنها لا ترى غير الحل السياسي في ليبيا".

وأضاف أن "فرنسا تسلك المسلك ذاته على ما يبدو، ولهذا أعادت حكومة الوفاق تفعيل اتفاقيات التعاون الأمني معها".

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، خليفة الحداد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التراجع الدولي غير المعلن عن دعم حفتر يفسر قبوله بلقاء المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، السبت الماضي، وتلويحه بالقبول بالحل السياسي. لكن الحداد في الوقت نفسه لا يرى في تفعيل فرنسا اتفاقات التعاون الأمني مع حكومة الوفاق تراجعا كلياً، معتبراً أن "باريس تمتلك رصيداً كبيراً وتراكماً في المعلومات حول الحل السياسي وتدرك أن حكومة الوفاق هي الأخرى رهان خاسر، ولهذا لن تضع بيضها في سلة واحدة وتجازف بمصالحها الكبيرة في البلاد".

وبحسب الحداد، فإنّ "هذه التراجعات سواء الفرنسية أو غيرها، ستؤثر بشكل كبير في موقف حفتر العسكري لكنها لا تفيد بشكل كبير من ناحية حكومة الوفاق التي لا تزال ضعيفة الأداء والتعاطي مع أزمتها. فأن يستطيع عسكري لملمة عشرات الفلول والمليشيات ومحاصرتها يعتبر بذاته أمرا خطيرا، وهي التي أعطيت لها دولياً مهمة الوفاق بين الليبيين لا أن تتحول إلى طرف وخصم".

وضرب مثالاً "الكل يعلم أن السعودية قدمت دعماً مالياً لحفتر ومع ذلك استُقبل السراج رسمياً وبصفته رئيس حكومة في السعودية الشهر الماضي، مع أن وزير خارجيتها عادل الجبير يؤكد في الوقت ذاته استمرار اتصال بلاده بحفتر ما يعني، في رسالة ضمنية، أن حكومة الوفاق ليست شريكاً دولياً فاعلاً.

ورغم ما يبديه الحداد من تحليل لموقف الحكومة ومكانتها كشريك دولي في ليبيا، إلا أن الحريزي يؤكد أن مؤشرات التراجع الدولي، وعلى رأسها الفرنسي "ستغير من مسار الأحداث وسير المعركة في الأيام المقبلة، وربما يجد حفتر نفسه وحيداً في المعركة".

المساهمون