تعيش الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) حالةً من الضبابية تتعلق بوجودها القانوني. فالبعض يرى أن صلاحيتها القانونية انتهت منذ أربع سنوات، تحديداً لأنّ الدستور التونسي ينص على استبدالها بهيئة جديدة بعد عامٍ على انتهاء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي عرفتها تونس سنة 2014، في حين يذهب آخرون إلى أن وجود "الهايكا" ضروري لمنع حصول فراغ قانوني في تنظيم قطاع الإعلام السمعي البصري، ما قد يؤدي بدوره إلى حالةٍ من الفوضى، في مرحلة سياسية دقيقة تعيشها البلاد.
لتوضيح هذه المسائل وغيرها، التقت "العربي الجديد" بالعضو النافذ في مجلس "الهايكا"، هشام السنوسي، الذي اعتبر أنّ وجود الهايكا أكثر من ضروري في هذه السنة الانتخابية حتى تتولى تنظيم الإعلام في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستشهدها تونس في الربع الثالث من العام.
وأشار إلى أنّ التأخير في تأسيس هيئة جديدة تعوض الحالية يتحمل مسؤوليته مجلس نواب الشعب التونسي الذي لم يسرع بمناقشة القانون المنظم للهيئة، كما تتحمل مسؤوليته الحكومة التي قدمت نصاً قانونياً لا يستجيب لمعايير حرية الصحافة ويحاول احتواء المؤسسات الإعلامية ويفرض نوعاً من السلطة الرقابية على الهيئة من خلال التبعية المالية.
وحول رأي البعض بأن الهيئة فاقدة لمشروعية الوجود، بيّن السنوسي أنّ بعض الأحزاب ترغب في حل الهيئة الحالية لغايات سياسية، مضيفاً أن "حزب حركة النهضة يسعى لذلك، حيث صرح رئيس الكتلة في البرلمان التونسي، نور الدين البحيري، قائلاً عن أعضاء الهايكا (لو كان عندهم بقية من حياء لاستقالوا)". ورأى أنّ "حركة النهضة تتدخل في الإعلام اعتقادًا منها أن السيطرة على الإعلام طريق للفوز بالانتخابات وهو اعتقاد أثبتت الدراسات خطأه".
عن الخلاف مع أحد مؤسسي قناة "نسمة تي في" الخاصة، نبيل القروي، قال السنوسي إنّ القروي وهو الفاعل الرئيسي في القناة والمسيطر على خطها التحريري "كثيرًا ما صرح بأنه المساهم الرئيسي في فوز الرئيس التونسي الحالي الباجي قايد السبسي بالانتخابات الرئاسية سنة 2014، وبأنه أحد مؤسسي حزب نداء تونس وسبق له عضوية لجنة الأمن القومي، وهي مهام تتعارض والقانون المنظم للعمل الإعلامي في تونس، لذلك طالبت الهيئة بتوضيح الموقف القانوني للقناة لأنها في تقديرنا أصبحت قناة وجودها غير قانوني وأصدرنا قرارات في ذلك، لكن السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة التونسية لا تقوم بتنفيذ تلك القرارات".
وأشار السنوسي أيضاً إلى أنّ العلاقة بين الهايكا والحكومة التونسيّة "تحكمها ثنائية التواصل والتوتر خاصة أن الحكومة لم تقم بتنفيذ بعض تعهداتها من قبيل توقيع عقد برامج مع المدير العام للتلفزيون الرسمي التونسي رغم توقيعه من قبل هذا الأخير ومصادقة الهايكا عليه، وكذلك التأخير في تأسيس هيكل يُعنى بقيْس نسب الاستماع والمشاهدة بشكل علمي رغم أن الحكومة تعهدت بتأسيسه".
ونفى السنوسي الاتهام الذي يُوجّه للهايكا، حول بناء علاقات مبنية على أهواء شخصية مع بعض المنظمات مثل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام، مبيّناً أن تركيبة الهيئة متنوعة تجمع بين قضاة وإعلاميين وأساتذة جامعيين وبالتالي لا يمكن أن تكون علاقة الهيئة مع الأطراف النقابية لها بعد شخصي بل بعد مؤسساتي. وأضاف أن "علاقة الهيئة مع النقابة الوطنية للصحافيين جيدة خاصة أنّ النقابة اختارت التأسيس لصحافة ذات جودة ونوعية محترمة للمعايير الدولية وتدافع عن قيم الحرية وهو ما نشترك فيه ونعمل عليه سوياً". أما عن العلاقة مع النقابة العامة للإعلام (المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل)، فقال إنّها جيدة، لكنّها متوترة "نتيجة سلوكيات بعض القيادات في هذه النقابات التي لا تتردد في سب وثلب أعضاء الهيئة في مواقع التواصل الاجتماعي".
كما أكّد هشام السنوسي أنّ "الهايكا ستقوم بدورها وتستعمل صلاحياتها القانونية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة وستعاقب كل المخالفين أياً كانوا".