24 سبتمبر 2020
هزيمة يونيو وخديعة أوسلو
شهدت القضية الفلسطينية منذ احتلال بريطانيا كل فلسطين في العام 1917، عقب إصدار "وعد بلفور"، والذي أعلنت فيه بريطانيا، باسم وزير خارجيتها، اللورد بلفور، حق اليهود في إقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين، شهدت القضية عدة محطات رئيسية، لعل أبرزها وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني في العام 1922 بموافقة دولية، وإتاحة سلطات الانتداب البريطاني الفرصة كاملة للوكالة اليهودية والمنظمات الصهيونية، لتنظيم حركة هجرة يهودية واسعة إلى الأراضي الفلسطينية، ليس هذا فقط، بل والأهم، تهيئة الظروف لإقامة المجتمع اليهودي وتنظيمه على الأرض الفلسطينية، بكل مقوماته ومؤسساته، حتى اكتمل المخطط. وأنهت بريطانيا انتدابها على فلسطين في 14 مايو/أيار 1948، وجاءت المحطة الأبرز في تاريخ القضية الفلسطينية، إعلان قيام دولة إسرائيل، فور إنهاء الانتداب البريطاني، وما أعقب ذلك من اشتعال الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى، وما ترتب عليها من هزيمة عربية، ونزوح فلسطيني خارج الأرض لأكثر من نصف مليون مواطن تحولوا لاجئين، وهو ما اصطلحنا على تسميته النكبة.
أعقبت ذلك محطات عديدة شهدتها القضية الفلسطينية، القضية التي كان جوهرها تحرير فلسطين، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، تلك كانت الشعارات التي تم رفعها في كل العالم العربي، وقامت على أساسها نُظم وحكومات، ونشأت حركات مقاومة، ومنظمات ومؤسسات. وكان الأبرز والأهم، من بين كل تلك النظم والحركات، النظام الناصري الذي كان يرفع شعارات القومية العربية وتحرير فلسطين، ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تضم تحت عباءتها أهم حركات التحرير الفلسطينية، في مقدمتها حركة فتح والتي رفعت شعارات المقاومة والكفاح المسلح ضد العدو الإسرائيلي من أجل تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
وكان من أبرز المحطات التي مرت بها القضية الفلسطينية بعد نكبة 1948 محطة يونيو/
حزيران 1967، والهزيمة المروعة التي تعرّض لها النظام الناصري ومشروعه الخاص بالقومية العربية، وهي المحطة التي تمر هذه الأيام ذكراها الثالثة والخمسون. والمحطة البارزة الثانية اتفاقية أوسلو 1993، وكان الطرف العربي فيها هو منظمة التحرير الفلسطينية، صاحبة شعار المقاومة والكفاح المسلح، وهي المحطة التي اقتربت ذكراها السابعة والعشرون. وشهدت القضية الفلسطينية، بين المحطتين وما بعدهما، محطات وأحداثا عديدة، لعل أبرزها حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وما أعقبها من إطلاق ما عُرفت بعملية السلام، والتي تضمنت اتفاقيات كامب ديڤيد ومعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية (1979) واتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية (1994)، إلى أن وصلت القضية إلى محطة "صفقة القرن".
وعلى الرغم من أهمية تلك المحطات، فإن هزيمة يونيو وخديعة أوسلو تكتسبان أهمية خاصة، وتشتركان في أن كلا منهما كان لها أثر بالغ الأهمية على جوهر القضية نفسها.
كان عنوان القضية الفلسطينية، قبل الهزيمة المروعة في 5 يونيو/حزيران 1967، قضية العرب الأولى، والقضية المركزية، وجوهرها هو تحرير فلسطين، وحق اللاجئين في العودة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وكانت إسرائيل تقف بحدودها عند خطوط الهدنة بينها وبين دول الطوق العربية، مصر وسورية ولبنان والأراضي الفلسطينية غير المحتلة، سواء الضفة الغربية والقدس الشرقية، تحت ولاية الأردن، وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية، وبالطبع مع الأردن، وكانت خطوط الهدنة تخضع لمراقبة قوات طوارئ دولية، وهو ما كانت تلتزم به إسرائيل، حتى بعد حرب السويس 1956، واحتلال شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، فإن إسرائيل انسحبت إلى ما وراء خطوط الهدنة مع مصر، تنفيذاً للقرارات الدولية في ذلك الوقت. جاءت الهزيمة لتقلب الأوضاع على الأرض، رأساً على عقب. احتلت إسرائيل كل فلسطين، وشبه جزيرة سيناء في مصر، وهضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية. هذا عن النتائج المادية للهزيمة على الأرض، ولكن الأهم ما جرى من تغيير على جوهر القضية الفلسطينية، حيث تحولت من قضية تحمل شعار "تحرير فلسطين" من البحر إلى النهر إلى اسمها قضية الشرق الأوسط، وحملت شعار إزالة آثار العدوان، أي الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967. وللأسف، بعد مرور أكثر من نصف قرن، لا زال الشعار مرفوعاً، ولا زال احتلال أراضي 1967 قائما، يستثنى من ذلك شبه جزيرة سيناء والتي انسحبت منها إسرائيل نتيجة حرب أكتوبر 1973، وما أعقبها من عملية "سلام"، إلا أن ذلك أسفر عن خروج مصر من دائرة الصراع العربي - الإسرائيلي في ذلك الوقت. كان ذلك هو التغيير الجوهري الرئيسي في مضمون القضية الفلسطينية، والذي أحدثته هزيمة يونيو، وإنْ كانت روح المقاومة وشعاراتها ظلت قائمة في أوساط منظمة التحرير، وحركات المقاومة الفلسطينية المتعددة، والتي رفضت الانضمام إلى عملية السلام التي انخرطت فيها مصر، وانضمت إلى ما كانت تعرف باسم جبهة الرفض أو "الصمود والتصدّي".
جاءت المفاجأة من منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها، عندما فاجأت قيادتها العرب والعالم، بل
والفلسطينيين أنفسهم، بأنها توصلت إلى اتفاق مع العدو الإسرائيلي، عبر محادثات استمرت شهورا في العاصمة النرويجية أوسلو، تحت رعاية وزير خارجية النرويج، وإن أميركا قد التقطت الخيط، وشملت المباحثات برعايتها والتي انتهت بتوقيع الاتفاقية في البيت الأبيض، وسط مراسم حضرها الرئيس الأميركي في وقتها بيل كلينتون. ومن دون الدخول في تفاصيل الاتفاق الذي كان خديعة كبرى، يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني، فإن تلك الخديعة قد أحدثت التغيير الجوهري الأهم في مضمون القضية الفلسطينية بالنسبة للشعب الفلسطيني، ومؤسساته الوطنية للمقاومة. حولت منظمة التحرير من حركة تحرّر وطني تناضل من أجل تحرير الأرض، واستعادة الحق، إلى راعية سلطة وطنية محلية تبدو مجرد رئاسة مجلس بلدي، يرعى الشؤون البلدية، وبعض الخدمات المحلية، تحت الإشراف الأمني المباشر لسلطات الاحتلال.
هل نجح العدو الإسرائيلي في تحويل القضية الفلسطينية من صفتها قضية تحرير الأرض وحق العودة للاجئين والحفاظ على القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة؟ وهل نجح في قتل روح المقاومة والكفاح المسلح لدى الشعب الفلسطيني؟ وهل نجح في حرمان الفلسطينيين من الدعم والتعاطف العربي عبر موجات التطبيع؟ يعتقد أنه نجح في ذلك كله، وهذا ما يدفعه إلى المضي في الوصول إلى محطة "صفقة القرن" التي بدأ بالفعل تنفيذها برعاية أميركية، والخطوة الحاسمة المقبلة إعلان السيادة الإسرائيلية على كل أراضي المستوطنات في الضفة الغربية (حوالي 25% من مساحة الضفة) بالإضافة إلى كل الأغوار وشمال البحر الميت، واعتبار ذلك كله أراضي إسرائيلية، وليست فلسطينية. ويبقى الفلسطينيون يعيشون على قرابة 12% من أرض فلسطين التاريخية، محاطين بالعدو الإسرائيلي من كل جانب، براً وبحراً وجواً. وعليهم أن يقبلوا بذلك في مقابل مجرد البقاء على قيد الحياة. ولكن يبقى البديل، إرادة المقاومة.
وكان من أبرز المحطات التي مرت بها القضية الفلسطينية بعد نكبة 1948 محطة يونيو/
وعلى الرغم من أهمية تلك المحطات، فإن هزيمة يونيو وخديعة أوسلو تكتسبان أهمية خاصة، وتشتركان في أن كلا منهما كان لها أثر بالغ الأهمية على جوهر القضية نفسها.
كان عنوان القضية الفلسطينية، قبل الهزيمة المروعة في 5 يونيو/حزيران 1967، قضية العرب الأولى، والقضية المركزية، وجوهرها هو تحرير فلسطين، وحق اللاجئين في العودة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وكانت إسرائيل تقف بحدودها عند خطوط الهدنة بينها وبين دول الطوق العربية، مصر وسورية ولبنان والأراضي الفلسطينية غير المحتلة، سواء الضفة الغربية والقدس الشرقية، تحت ولاية الأردن، وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية، وبالطبع مع الأردن، وكانت خطوط الهدنة تخضع لمراقبة قوات طوارئ دولية، وهو ما كانت تلتزم به إسرائيل، حتى بعد حرب السويس 1956، واحتلال شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، فإن إسرائيل انسحبت إلى ما وراء خطوط الهدنة مع مصر، تنفيذاً للقرارات الدولية في ذلك الوقت. جاءت الهزيمة لتقلب الأوضاع على الأرض، رأساً على عقب. احتلت إسرائيل كل فلسطين، وشبه جزيرة سيناء في مصر، وهضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية. هذا عن النتائج المادية للهزيمة على الأرض، ولكن الأهم ما جرى من تغيير على جوهر القضية الفلسطينية، حيث تحولت من قضية تحمل شعار "تحرير فلسطين" من البحر إلى النهر إلى اسمها قضية الشرق الأوسط، وحملت شعار إزالة آثار العدوان، أي الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967. وللأسف، بعد مرور أكثر من نصف قرن، لا زال الشعار مرفوعاً، ولا زال احتلال أراضي 1967 قائما، يستثنى من ذلك شبه جزيرة سيناء والتي انسحبت منها إسرائيل نتيجة حرب أكتوبر 1973، وما أعقبها من عملية "سلام"، إلا أن ذلك أسفر عن خروج مصر من دائرة الصراع العربي - الإسرائيلي في ذلك الوقت. كان ذلك هو التغيير الجوهري الرئيسي في مضمون القضية الفلسطينية، والذي أحدثته هزيمة يونيو، وإنْ كانت روح المقاومة وشعاراتها ظلت قائمة في أوساط منظمة التحرير، وحركات المقاومة الفلسطينية المتعددة، والتي رفضت الانضمام إلى عملية السلام التي انخرطت فيها مصر، وانضمت إلى ما كانت تعرف باسم جبهة الرفض أو "الصمود والتصدّي".
جاءت المفاجأة من منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها، عندما فاجأت قيادتها العرب والعالم، بل
هل نجح العدو الإسرائيلي في تحويل القضية الفلسطينية من صفتها قضية تحرير الأرض وحق العودة للاجئين والحفاظ على القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة؟ وهل نجح في قتل روح المقاومة والكفاح المسلح لدى الشعب الفلسطيني؟ وهل نجح في حرمان الفلسطينيين من الدعم والتعاطف العربي عبر موجات التطبيع؟ يعتقد أنه نجح في ذلك كله، وهذا ما يدفعه إلى المضي في الوصول إلى محطة "صفقة القرن" التي بدأ بالفعل تنفيذها برعاية أميركية، والخطوة الحاسمة المقبلة إعلان السيادة الإسرائيلية على كل أراضي المستوطنات في الضفة الغربية (حوالي 25% من مساحة الضفة) بالإضافة إلى كل الأغوار وشمال البحر الميت، واعتبار ذلك كله أراضي إسرائيلية، وليست فلسطينية. ويبقى الفلسطينيون يعيشون على قرابة 12% من أرض فلسطين التاريخية، محاطين بالعدو الإسرائيلي من كل جانب، براً وبحراً وجواً. وعليهم أن يقبلوا بذلك في مقابل مجرد البقاء على قيد الحياة. ولكن يبقى البديل، إرادة المقاومة.