08 يونيو 2018
هذه ليست مصر التي نعرف
تذهب إلى مصر، باحثا عن مصر التي ضيّعها بعض العرب، وجعلوها تابعا لهم..
تذهب إلى مصر، باحثا عن حقيقة أخبار تسمعها وتقرأها عنها، ومعلومات قالها أصدقاء لك عن حالها التي لا تسرّك، ولا تسر حبيبا، إنما تسر كل عدو (وأولهم إسرائيل) طبعا. تقيم أياما في مصر، وتقابل عديدين، وتحاول أن ترى الكثير، فتجد أن ما شاهدته عن أحوالها أكثر سوءا مما سمعته وقرأته.
تذهب إلى مصر، باحثا عن مصر التي ضيعها بعض العرب، وجعلوها تابعا.. تعرف أن لبعض "عرب الخليج" الكلمة الأولى في مصر سياسيا واقتصاديا وإعلاميا. ولا يستطيع أي كاتب صحفي أو إعلامي أن ينتقد أي مسؤول خليجي، أو سياسة أي دولة خليجية (عدا قطر طبعا).
تعرف في مصر أن للسعودية والإمارات نفوذاً إعلامياً، مثلما للنظام سيطرة على كل وسائل الإعلام، لا سيما الفضائيات، رسمية وخاصة. ولسيطرة النظام على الإعلام الرسمي والخاص أشكال وطرق عدة، ليس منها فقط تعيين رجاله وعملائه في المناصب القيادية بوسائل الإعلام القومي والخاص، بل بمحاسبة أي صحفي أو إعلامي "أخطأ" في خبر أو مقال.
تسمع عن رئيس تحرير صحيفة "المصري اليوم"، محمد السيد صالح، والذي أخطأ صباح انتهاء انتخابات عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، فعنون الخبر الرئيسي لصحيفته بعنوان "الدولة تحشد طاقتها لانتخاب الرئيس السيسي"، فانهال الغضب عليه، ولم يمنع سحب صحيفته من السوق واعتذاره تحويله إلى النيابة وسجنه. وعينت الدولة بعد ذلك واحدا من الصحفيين القدامى المحسوبين على عهد الرئيس السابق حسني مبارك رئيسا لتحرير "المصري اليوم" التي كانت تتميز بمهنيتها وبموضوعيتها، فأصبحت الصحيفة لا تختلف عن بقية الصحف القومية، في نفاقها للرئيس، وتمجيدها النظام.
وتسمع اعتراف رئيس تحرير صحيفة قومية بأنه عين بهذا المنصب، لأنه "ابن المؤسسة
الوطنية"، والمؤسسة هذه يُقصد بها الجيش، فهو كان محرّرا عسكريا في جريدته "القومية"، وهذا ما أهله للتعيين رئيسا للتحرير.
تقابل صديقك (منذ سنوات الدراسة في كلية إعلام جامعة القاهرة)، حمدين صباحي، وتجده "مخنوقا جدا"، ويجبرونه على "الاعتكاف" عن أي نشاط سياسي في بيته في شرق القاهرة، هو ومعه خالد علي، الذي أفشلوا ترشّحه للانتخابات الرئاسية ضد الرئيس السيسي، والنقابي الوطني الشهير، كمال أبو عيطة. كلهم مهدّدون بالاعتقال في أي لحظة ليوضعوا في السجن "على ذمة الحبس الاحتياطي" سنوات عديدة، مثل رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، والرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات، بعد اتهامه بإشاعة أخبار كاذبة عن حجم تكلفة الفساد في مصر.
وتعرف أن حمدين وزملاءه من الناشطين السياسيين معرّضون للاعتداء عليهم بالضرب في أي لحظة، مثلما حصل مع المستشار جنينه قبل سجنه. وكل شيء "غير أخلاقي" متوقع وممكن أن يقوم به النظام ضد معارضيه أو منتقديه، مهما كانت هويتهم أو انتماؤهم السياسي، هكذا يقولون لك في مصر.
وتقرأ حملة في الصحف على الإعلامي المعروف، عماد الدين أديب، لأنه دعا، في مقابلة تلفزيونية معه، إلى "حوار مع شباب الإخوان المسلمين الذين لم يتورّطوا في أحداث مسجد رابعة أو في أي أعمال ضد الدولة". ولم يشفع له من الهجوم عليه أنه من المحسوبين على عهد الرئيس حسني مبارك السابق، ولا مقالاته ومقابلاته التي يتقرّب بها من الرئيس السيسي، حتى أنهم أشاعوا أنه شارك في حفل سفارة العدو الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، في فندق مطل على ميدان التحرير حيث اندلعت ثورة 25 يناير، وبينما كان عماد في بيروت. ومنها، يتصل بك صديقك عماد لينفي الإشاعة، راثيا لك "حال الإعلام في مصر".
ويقول لك ناشط سياسي، لا تذكر اسمه خوفا عليه، "إن العهد الحالي هو أسوأ عهد مر على مصر منذ ثورة يوليو 1952، بديكتاتوريته وقمعه، على طريقة من ليس معي فهو ضدي، وكل شيء متوقع منه ضد من ليس معه". ويقول لك كاتب صحفي، في موقع مهم في إحدى كبريات الصحف، إنه يضطر أن يكتب ويتحدث بما هو غير مقتنع أو مؤمن به "حفاظا على لقمة عيشه". ويضيف "حين يطلبوني لإجراء مقابلة في التلفزيون معي يبلغوني بما يجب أن أقوله".
وتبحث عن مصر التي علّمتنا العروبة، والتي هي منارة العالم العربي سياسة وثقافة وفنا، وحتى رياضة، فلا تجدها، ولا المصري نفسه يجدها، فتراه يتعلق بأي ظاهرة مصرية، ولو رياضية، مثلما هو متعلق الآن باللاعب المصري العالمي، محمد صلاح. وتقول النكتة إن الرئيس عبد الفتاح السيسي زعلان، لأن صور صلاح في الشوارع وفي كل مكان في مصر أكثر من صوره.
تذهب إلى مصر، باحثا عن حقيقة أخبار تسمعها وتقرأها عنها، ومعلومات قالها أصدقاء لك عن حالها التي لا تسرّك، ولا تسر حبيبا، إنما تسر كل عدو (وأولهم إسرائيل) طبعا. تقيم أياما في مصر، وتقابل عديدين، وتحاول أن ترى الكثير، فتجد أن ما شاهدته عن أحوالها أكثر سوءا مما سمعته وقرأته.
تذهب إلى مصر، باحثا عن مصر التي ضيعها بعض العرب، وجعلوها تابعا.. تعرف أن لبعض "عرب الخليج" الكلمة الأولى في مصر سياسيا واقتصاديا وإعلاميا. ولا يستطيع أي كاتب صحفي أو إعلامي أن ينتقد أي مسؤول خليجي، أو سياسة أي دولة خليجية (عدا قطر طبعا).
تعرف في مصر أن للسعودية والإمارات نفوذاً إعلامياً، مثلما للنظام سيطرة على كل وسائل الإعلام، لا سيما الفضائيات، رسمية وخاصة. ولسيطرة النظام على الإعلام الرسمي والخاص أشكال وطرق عدة، ليس منها فقط تعيين رجاله وعملائه في المناصب القيادية بوسائل الإعلام القومي والخاص، بل بمحاسبة أي صحفي أو إعلامي "أخطأ" في خبر أو مقال.
تسمع عن رئيس تحرير صحيفة "المصري اليوم"، محمد السيد صالح، والذي أخطأ صباح انتهاء انتخابات عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، فعنون الخبر الرئيسي لصحيفته بعنوان "الدولة تحشد طاقتها لانتخاب الرئيس السيسي"، فانهال الغضب عليه، ولم يمنع سحب صحيفته من السوق واعتذاره تحويله إلى النيابة وسجنه. وعينت الدولة بعد ذلك واحدا من الصحفيين القدامى المحسوبين على عهد الرئيس السابق حسني مبارك رئيسا لتحرير "المصري اليوم" التي كانت تتميز بمهنيتها وبموضوعيتها، فأصبحت الصحيفة لا تختلف عن بقية الصحف القومية، في نفاقها للرئيس، وتمجيدها النظام.
وتسمع اعتراف رئيس تحرير صحيفة قومية بأنه عين بهذا المنصب، لأنه "ابن المؤسسة
تقابل صديقك (منذ سنوات الدراسة في كلية إعلام جامعة القاهرة)، حمدين صباحي، وتجده "مخنوقا جدا"، ويجبرونه على "الاعتكاف" عن أي نشاط سياسي في بيته في شرق القاهرة، هو ومعه خالد علي، الذي أفشلوا ترشّحه للانتخابات الرئاسية ضد الرئيس السيسي، والنقابي الوطني الشهير، كمال أبو عيطة. كلهم مهدّدون بالاعتقال في أي لحظة ليوضعوا في السجن "على ذمة الحبس الاحتياطي" سنوات عديدة، مثل رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، والرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات، بعد اتهامه بإشاعة أخبار كاذبة عن حجم تكلفة الفساد في مصر.
وتعرف أن حمدين وزملاءه من الناشطين السياسيين معرّضون للاعتداء عليهم بالضرب في أي لحظة، مثلما حصل مع المستشار جنينه قبل سجنه. وكل شيء "غير أخلاقي" متوقع وممكن أن يقوم به النظام ضد معارضيه أو منتقديه، مهما كانت هويتهم أو انتماؤهم السياسي، هكذا يقولون لك في مصر.
وتقرأ حملة في الصحف على الإعلامي المعروف، عماد الدين أديب، لأنه دعا، في مقابلة تلفزيونية معه، إلى "حوار مع شباب الإخوان المسلمين الذين لم يتورّطوا في أحداث مسجد رابعة أو في أي أعمال ضد الدولة". ولم يشفع له من الهجوم عليه أنه من المحسوبين على عهد الرئيس حسني مبارك السابق، ولا مقالاته ومقابلاته التي يتقرّب بها من الرئيس السيسي، حتى أنهم أشاعوا أنه شارك في حفل سفارة العدو الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، في فندق مطل على ميدان التحرير حيث اندلعت ثورة 25 يناير، وبينما كان عماد في بيروت. ومنها، يتصل بك صديقك عماد لينفي الإشاعة، راثيا لك "حال الإعلام في مصر".
ويقول لك ناشط سياسي، لا تذكر اسمه خوفا عليه، "إن العهد الحالي هو أسوأ عهد مر على مصر منذ ثورة يوليو 1952، بديكتاتوريته وقمعه، على طريقة من ليس معي فهو ضدي، وكل شيء متوقع منه ضد من ليس معه". ويقول لك كاتب صحفي، في موقع مهم في إحدى كبريات الصحف، إنه يضطر أن يكتب ويتحدث بما هو غير مقتنع أو مؤمن به "حفاظا على لقمة عيشه". ويضيف "حين يطلبوني لإجراء مقابلة في التلفزيون معي يبلغوني بما يجب أن أقوله".
وتبحث عن مصر التي علّمتنا العروبة، والتي هي منارة العالم العربي سياسة وثقافة وفنا، وحتى رياضة، فلا تجدها، ولا المصري نفسه يجدها، فتراه يتعلق بأي ظاهرة مصرية، ولو رياضية، مثلما هو متعلق الآن باللاعب المصري العالمي، محمد صلاح. وتقول النكتة إن الرئيس عبد الفتاح السيسي زعلان، لأن صور صلاح في الشوارع وفي كل مكان في مصر أكثر من صوره.