06 نوفمبر 2024
هذه المفاجآت في الانتخابات الفرنسية
حملت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية عدة مفاجآت، لم تكن متوقعة حتى ساعة إعلان النتائج التي أهّلت مرشحَيْن من بين أحد عشر متسابقا لخوض غمار الجولة الثانية والحاسمة التي ستجري بعد أقل من أسبوعين، وتكشف عن رئيسة فرنسا المقبلة أو رئيسها.
أكبر هذه المفاجآت تأهل مرشحيْن من خارج المؤسسات الحزبية التقليدية التي تعاقبت على حكم فرنسا منذ أكثر من ستين سنة، فالمرشح الذي احتل المرتبة الأولى، إيمانويل ماكرون، يٌقدّم نفسه مرشحاً من خارج النظام "السيستيم"، على الرغم من أن من قرّر دعمه اليوم في الدورة الثانية هو النظام نفسه الذي جاء هو لتغييره. أما المرشحة الثانية التي ستنافسه، فهي مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرّف الذي ظلت الأحزاب السياسية التقليدية تحاربه، وترفض وجوده داخل مؤسسات الدولة.
المفاجأة الثانية الكبيرة هي نهاية "التناوب الفرنسي" الذي ظل يهيمن على الحياة السياسية الفرنسية منذ نحو ستين سنة، ما بين اليمين المحافظ واليسار الاشتراكي، فالحزب اليميني المحافظ الذي حل مرشحه، فرانسوا فيون، ثالثا يجد نفسه مقصيا عن الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لأول مرة منذ أن أسسه شارل ديغول، زعيم التحرير الفرنسي، نهاية خمسينيات القرن الماضي. فيما مني الحزب اليساري الاشتراكي بأكبر هزيمةٍ في تاريخه، عندما احتل مرشحه، بونوا هامون، المرتبة الرابعة، مسجلا أدنى نسبة من الأصوات في وقتٍ يقود فيه حزبه البلاد. وفي المجمل، فإن كلا الحزبين اللذين ظلا يهيمنان على الحياة السياسية الفرنسية لم يجنيا سوى ربع الأصوات المعبّر عنها. ما حصل في فرنسا هو رفض الأحزاب السياسية التقليدية التي نخرتها فضائح الفساد، ورفض الممارسة السياسية الحزبية التقليدية التي أصبحت ضروريةً إعادة النظر فيها.
المفاجأة الثالثة، وهذه ليست جديدة، الدور الكبير الذي باتت تلعبه وسائل الإعلام في توجيه
الرأي العام الانتخابي في الدول الديمقراطية. ومثل الانتخابات الأميركية التي لعب فيها الإعلام دورا كبيرا في رفع أسهم رجل مغمور، هو دونالد ترامب، وصنع منه رئيسا لأكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، فإن الإعلام لعب، مرة أخرى، دورا كبيرا في الانتخابات الفرنسية، ودفع بسياسي مغمور، هو إيمانويل ماكرون، ليتصدّر نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وربما قد يصبح رئيسا لفرنسا في حال فوزه في الدورة الثانية. فـ"الظاهرة ماكرون"، كما تصفه وسائل الإعلام الفرنسية، هو صنيعة الآلة الإعلامية القوية، أو كما كتبت مجلة ماريان هو "فقاعة إعلامية" بامتياز، ساهم الإعلام الفرنسي في صنعها، حيث أصبح الإعلام، كما كتبت المجلة، بمثابة "آلة لتحريك حجر النرد على الرقعة الديمقراطية، بدلا من أن يكون حارسا للتعدّدية الحزبية، يتعامل بصفة عادلة مع جميع المرشحين".
المفاجأة الرابعة، نسبة المشاركة المرتفعة التي فاقت 80%، فارتفاع هذه النسبة لا يعني فقط استعادة الناس الثقة في السياسة، وفي الانتخابات آلية للتداول على السلطة، بقدر ما تعكس حالة الانقسام الحادة داخل المجتمع الفرنسي، والتي غذّتها حملاتٌ انتخابية، زادت من حدة الاستقطاب بين مرشحين يمثلون تياراتٍ سياسية مختلفة. وحسب النتائج الأولية لهذه الانتخابات، يظهر أن خمسة تيارات كبيرة تتوزع المجتمع الفرنسي ما بين قوىً سَئِمت من الممارسة السياسية التقليدية، وتتطلع إلى التغيير، صوّت أصحابها لصالح إيمانويل ماكرون (23.9%)، ويمينيون متطرّفون صوّتوا لصالح مارين لوبان (21.4%)، ومحافظون أعطوا أصواتهم لفرنسوا فيون (19.9%)، ويساريون راديكاليون استقطبهم خطاب جان لوك ميلانشون (19.6%)، ونحو (20%) قاطعوا الانتخابات لأسبابٍ غير معروفة، وبالتالي يصعب تحديد ميولهم السياسية.
ستكون المفاجأة الخامسة هي تلك التي ستظهر بقوة في الدورة الثانية لهذه الانتخابات، ويتعلق
الأمر بحضور موضوع "الاتحاد الأوروبي" بقوة لحسم حظوظ المرشحين المؤهلين. وهذه ليست جديدة هي الأخرى، فمنذ "البريكسيت" البريطاني، تحول الاتحاد الأوروبي إلى موضوع استقطاب حاد داخل المجتمعات الأوروبية، وهو الذي وجد قبل ستين سنة لتوحيد شعوبها. فانتخابات الدورة الثانية ستكون بمثابة استفتاءٍ حول بقاء الفرنسيين داخل الاتحاد الأوروبي، أو خروجهم منه، ما بين ماكرون الذي يدافع عن بقاء بلاده داخل هذا الاتحاد مقابل لوبان التي جعلت من الخروج من الاتحاد الأوروبي أحد شعارات حملتها. وفي حال فوزها، ستجد أوروبا نفسها أمام حالةٍ جديدة، اسمها هذه المرة "الفريكسيت"، ستنهي شيئا اسمه "الاتحاد الأوروبي" لو تحقّقت. ويُستحضر هنا أن نحو 41% من الذين صوّتوا في الدورة الأولى لصالح اليمينية لوبان (21.4%)، واليساري جان لوك ميلانشون (19.6%)، أعطوا أصواتهم لمرشحيْن يعارضان الاتحاد الأوروبي، كل من منظوره الخاص.
ليس هذه سوى غيض من فيض المفاجآت التي ما زالت تخفيها الانتخابات الفرنسية، ويجب توقع مفاجآت أكبر في الدورة الثانية والحاسمة التي ستجري يوم 7 مايو/ أيار المقبل. فالفرنسيون يجدون أنفسهم، مرة أخرى، أمام اختيار حاسم وأكثر صعوبةً مما حصل عام 2002، عندما صعد والد مارين لوبان إلى الدور الثاني مع جاك شيراك، فاليسار الاشتراكي كان آنذاك قويا، وأدت دعوته للتصويت لصالح شيراك إلى قطع الطريق أمام والد لوبان. لكن الصورة اليوم تبدو شبه ملتبسة، أمام تشتت اليسار الذي ما زال لا يعرف لمن سيصوّت أنصاره من أتباع ميلانشون في الدورة الثانية. وهناك أصواتٌ داخل هذا اليسار تدعو إلى مقاطعة الدورة الثانية، تقابلها أصواتٌ أخرى تدعو إلى التصويت لليمين المتطرّف، لتأزيم الوضع، لأنها تعتقد أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى انتفاضة المجتمع الفرنسي الذي قد يثور ضد حكم اليمين المتطرّف.
تذهب تحليلات كثيرة إلى أن اليمين المتطرّف انهزم في الدورة الأولى، ومثل هذا الكلام كان يقال قُبيل انتخاب الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة، عندما أصبح المنافس الوحيد للمرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، قبل أن تقع المفاجأة التي صدمت كثيرين، ولا شيء يمنع اليوم من أن تحدث مفاجأة مماثلة في فرنسا ستصدم كثيرين، وستغير وجه فرنسا وأوروبا والعالم إن حدثت.. وأتمنى أن لا تحدث.
أكبر هذه المفاجآت تأهل مرشحيْن من خارج المؤسسات الحزبية التقليدية التي تعاقبت على حكم فرنسا منذ أكثر من ستين سنة، فالمرشح الذي احتل المرتبة الأولى، إيمانويل ماكرون، يٌقدّم نفسه مرشحاً من خارج النظام "السيستيم"، على الرغم من أن من قرّر دعمه اليوم في الدورة الثانية هو النظام نفسه الذي جاء هو لتغييره. أما المرشحة الثانية التي ستنافسه، فهي مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرّف الذي ظلت الأحزاب السياسية التقليدية تحاربه، وترفض وجوده داخل مؤسسات الدولة.
المفاجأة الثانية الكبيرة هي نهاية "التناوب الفرنسي" الذي ظل يهيمن على الحياة السياسية الفرنسية منذ نحو ستين سنة، ما بين اليمين المحافظ واليسار الاشتراكي، فالحزب اليميني المحافظ الذي حل مرشحه، فرانسوا فيون، ثالثا يجد نفسه مقصيا عن الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لأول مرة منذ أن أسسه شارل ديغول، زعيم التحرير الفرنسي، نهاية خمسينيات القرن الماضي. فيما مني الحزب اليساري الاشتراكي بأكبر هزيمةٍ في تاريخه، عندما احتل مرشحه، بونوا هامون، المرتبة الرابعة، مسجلا أدنى نسبة من الأصوات في وقتٍ يقود فيه حزبه البلاد. وفي المجمل، فإن كلا الحزبين اللذين ظلا يهيمنان على الحياة السياسية الفرنسية لم يجنيا سوى ربع الأصوات المعبّر عنها. ما حصل في فرنسا هو رفض الأحزاب السياسية التقليدية التي نخرتها فضائح الفساد، ورفض الممارسة السياسية الحزبية التقليدية التي أصبحت ضروريةً إعادة النظر فيها.
المفاجأة الثالثة، وهذه ليست جديدة، الدور الكبير الذي باتت تلعبه وسائل الإعلام في توجيه
المفاجأة الرابعة، نسبة المشاركة المرتفعة التي فاقت 80%، فارتفاع هذه النسبة لا يعني فقط استعادة الناس الثقة في السياسة، وفي الانتخابات آلية للتداول على السلطة، بقدر ما تعكس حالة الانقسام الحادة داخل المجتمع الفرنسي، والتي غذّتها حملاتٌ انتخابية، زادت من حدة الاستقطاب بين مرشحين يمثلون تياراتٍ سياسية مختلفة. وحسب النتائج الأولية لهذه الانتخابات، يظهر أن خمسة تيارات كبيرة تتوزع المجتمع الفرنسي ما بين قوىً سَئِمت من الممارسة السياسية التقليدية، وتتطلع إلى التغيير، صوّت أصحابها لصالح إيمانويل ماكرون (23.9%)، ويمينيون متطرّفون صوّتوا لصالح مارين لوبان (21.4%)، ومحافظون أعطوا أصواتهم لفرنسوا فيون (19.9%)، ويساريون راديكاليون استقطبهم خطاب جان لوك ميلانشون (19.6%)، ونحو (20%) قاطعوا الانتخابات لأسبابٍ غير معروفة، وبالتالي يصعب تحديد ميولهم السياسية.
ستكون المفاجأة الخامسة هي تلك التي ستظهر بقوة في الدورة الثانية لهذه الانتخابات، ويتعلق
ليس هذه سوى غيض من فيض المفاجآت التي ما زالت تخفيها الانتخابات الفرنسية، ويجب توقع مفاجآت أكبر في الدورة الثانية والحاسمة التي ستجري يوم 7 مايو/ أيار المقبل. فالفرنسيون يجدون أنفسهم، مرة أخرى، أمام اختيار حاسم وأكثر صعوبةً مما حصل عام 2002، عندما صعد والد مارين لوبان إلى الدور الثاني مع جاك شيراك، فاليسار الاشتراكي كان آنذاك قويا، وأدت دعوته للتصويت لصالح شيراك إلى قطع الطريق أمام والد لوبان. لكن الصورة اليوم تبدو شبه ملتبسة، أمام تشتت اليسار الذي ما زال لا يعرف لمن سيصوّت أنصاره من أتباع ميلانشون في الدورة الثانية. وهناك أصواتٌ داخل هذا اليسار تدعو إلى مقاطعة الدورة الثانية، تقابلها أصواتٌ أخرى تدعو إلى التصويت لليمين المتطرّف، لتأزيم الوضع، لأنها تعتقد أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى انتفاضة المجتمع الفرنسي الذي قد يثور ضد حكم اليمين المتطرّف.
تذهب تحليلات كثيرة إلى أن اليمين المتطرّف انهزم في الدورة الأولى، ومثل هذا الكلام كان يقال قُبيل انتخاب الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة، عندما أصبح المنافس الوحيد للمرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، قبل أن تقع المفاجأة التي صدمت كثيرين، ولا شيء يمنع اليوم من أن تحدث مفاجأة مماثلة في فرنسا ستصدم كثيرين، وستغير وجه فرنسا وأوروبا والعالم إن حدثت.. وأتمنى أن لا تحدث.