هذه الحرب النفسية بين إسرائيل وحزب الله

10 فبراير 2019
+ الخط -
من الصعب على من يتابع ردود الفعل الإسرائيلية على المواقف السياسية التي أطلقها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في إطلالتيه أخيرا، ألا يرى الحجم الذي تحتله الحرب النفسية في هذه الردود والمواقف. وهذه الحرب أداة مهمة يستخدمها الطرفان من أجل التشكيك في إنجازات الخصم، كما فعل نصر الله، حين سخر من الإنجازات التي تدعي إسرائيل أنها حققتها، سواء في هجماتها الجوية على سورية، أم في عملية "درع الشمال" لتدمير الأنفاق التي حفرها الحزب في جنوب لبنان. والحرب النفسية وسيلة أساسية تستخدمها إسرائيل للتهويل على لبنان واللبنانيين من مغبة القوة العسكرية المتعاظمة لحزب الله، والانعكاسات السلبية لإحكامه قبضته السياسية على أمن لبنان وسلامة شعبه. وهي أداة أيضا لإحراج الحزب، من خلال الكشف عن نقاط ضعفه، وتضخيم أرقام خسائره في سورية، أو تسليط الضوء على أزمته المالية نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
ويظهر لمتابع مواقف الطرفين الأهمية الفائقة التي يوليها كل طرفٍ لما يقوله الطرف الآخر. مثلا، شدد نصر الله، في مقابلته مع فضائية الميادين، على بقاء معادلة توازن الردع على حالها، وحدّد الخطوط الحمراء للحزب للرد على أي هجوم إسرائيلي، وهي: هجوم إسرائيلي على لبنان؛ وعملية اغتيال لمسؤول أو ناشط في الحزب سواء في لبنان أو سورية، معلناً أن عميلة تزويد الحزب بالسلاح الدقيق انتهت، على الرغم مما تقوله إسرائيل.
سرعان ما رد على هذا الكلام رئيس الأركان الإسرائيلي المنتهية ولايته، غادي أيزنكوت، في 
حوار أجراه معه رئيس معهد دراسات الأمن القومي، حيث شدّد على نجاح إسرائيل في تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: إحباط خطة حزب الله السرية لاحتلال الجليل، عبر استخدام الأنفاق التي حفرها؛ عرقلة مشروع الصواريخ الدقيقة، ومنع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، من إقامة جبهة جديدة في الجولان.
ولكن ما لا يتحدث عنه الطرفان بوضوح هو كيف ستؤثر التغيرات الجيوسياسية للوضع في سورية على الجبهة الشمالية، سيما في ضوء إصرار إسرائيل، على لسان مسؤوليها السياسيين والعسكريين، على المضي في محاربة التمركز العسكري الإيراني في سورية، وفي ضوء كلام نصر الله إن الحزب لن يقف متفرجاً إذا تعرّضت إيران إلى هجوم إسرائيلي، بحسب ما قاله في خطابه بمناسبة مرور أربعين عاماً على انطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية.
على المستوى الإسرائيلي، تظهر قراءة التحليلات والتقديرات التي تنشرها مراكز البحث في إسرائيل، وكذلك ما يقوله المسؤولون السياسيون والعسكريون هناك، إن إسرائيل في مواجهة وضع جديد يتطلب إعادة نظر لمقاربتها الأمنية في سورية، في ظل عدد من المتغيرات: القيود التي فرضها الروس على تحرّكات سلاح الجو الإسرائيلي في سورية، بعد إسقاط طائرته بالخطأ في سبتمبر/ أيلول الماضي؛ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قواته من سورية؛ الإصرار الإيراني على ترسيخ وجوده العسكري وتعزيزه في سورية.
طوال سنوات الحرب الأهلية في سورية، استخدمت إسرائيل في مواجهتها التمركز العسكري الإيراني هناك عقيدة "معركة بين الحروب" الإطار الذي شنّت إسرائيل، من خلاله، بحسب أيزنكوت، هجوما ضد أهداف في سورية وخارجها. كما برز تبدّل آخر مهم في العقيدة الإسرائيلية، هو الخروج عن سياسة الغموض التي انتهجتها إسرائيل سنوات عديدة، وإعلانها رسمياً عن الهجمات التي تشنها في سورية. ولا يمكن لهاتين المقاربتين أن تشكلا استراتيجية شاملة لمواجهة تحديات شديدة التعقيد، فعقيدة "معركة بين الحروب" هي الآن موضع نقاش واسع داخل إسرائيل، سيما في ظل تغير الموقف الروسي، وانسحاب القوات الأميركية وإعادة نظام الأسد سيطرته على أغلبية الأراضي السورية، وإعادة بناء قدرات الجيش السوري بمساعدة إيرانية وروسية. وثمّة من يتساءل في إسرائيل ما إذا كانت مخاطر "معركة بين الحروب" توازي الفائدة منها. بمعنى آخر، هل النتيجة تبرّر الثمن؟ هناك من يعتقد في إسرائيل أن هذه العقيدة استنفدت نفسها، ولم تعد تتلاءم مع المعطيات الجديدة التي بدأت تتشكل على الأرض.
وبالنسبة لتخلي إسرائيل عن عقيدة الغموض فهو أيضا موضوع جدل داخلي إسرائيلي متشعب. 
وعلى الرغم من دفاع أيزنكوت عن الفكرة، بحجة أن من الضروري أن يعرف الجمهور الإسرائيلي ما يقوم به جيشه في سورية، فإن هناك من لا يوافق على ذلك، وهناك من رأى أن التخلي عن سياسة الغموض لا يهدف إلى ردع العدو، بل قد يشجعه على الرد، وهي موجهة بصورة خاصة إلى تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لمخاطر اندلاع مواجهة عسكرية واسعة النطاق، سواء مع حزب الله أو مع إيران في سورية، ستكون الجبهة الداخلية في إسرائيل هدفاً أساسياً لصواريخ حزب الله وإيران من سورية.
في طليعة الاهتمامات الإسرائيلية حالياً: كيف ستتطور العلاقة بين إيران وروسيا في سورية؟ وهل سيقبل نظام الأسد بوجود عسكري إيراني، يمكن أن يهدّد استقرار نظامه في حال استمرت إسرائيل في حربها على هذا الوجود؟ وكيف سيرد النظام في طهران على العقوبات الشديدة المفروضة عليه؟
في ضوء هذا كله، يبقى لبنان الحلقة الأضعف. بين مواقف نصر الله أخيرا ودفاعه عن إنجازات الثورة الإيرانية، ودعوته الحكومة اللبنانية إلى الانفتاح على إيران، وبيان الحكومة اللبنانية الجديدة التي تحاول من خلاله أن تبدو دولةً تحترم القرارات الدولية، ومضطرة إلى احترام العقوبات المفروضة على إيران، يبدو أن لبنان أمام مرحلةٍ من التهديدات الخطرة، ومن تفاقم الانقسام بين المؤيدين لمحور إيران والمؤيدين للمحور الأميركي.
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر