هذه التداعيات السلبية للاستفتاء الكردي

07 أكتوبر 2017
+ الخط -
أصر رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته، مسعود البارزاني، في 25 سبتمبر/ ايلول الماضي، على إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم عن وطنه الأم العراق، على الرغم من كل المناشدات والضغوط التي مورست عليه من العراق، ودول الإقليم والمجتمع الدولي ممثلاً ببيان مجلس الأمن الذي أعرب عن القلق من تداعيات هذا الاستفتاء علماً أن هذا البيان قد صدر بالإجماع. وكانت قيادات كثيرة دولية وإقليمية قد شجبت، أو أعربت عن قلقها من الاستفتاء، ودعت إلى إلغائه، أو تأجيله والدخول بحوار مشترك مع الحكومة الفيدرالية في بغداد التي يشكل الكرد العراقيون جزءاً حيوياً منها. والآن، وبعد أن حصل الاستفتاء، على الرغم مما صاحبه من إجراءات غير قانونية وتزوير، وانخفاض ملحوظ في عدد المستفتين الذين لم يتجاوز عددهم عتبة 72% في أحسن الأحوال، ونسبة تصويت بنعم 92%، على الرغم مما صاحب عملية الفرز والعد من تدخلات سلبية، أثرت على نتيجة التصويت، فإن الجواب إيجاباً بنعم لم تتجاوز نسبته الثلثين إلا بالكاد، إذ أحرزت 66،24%. وقد أعلن رئيس مفوضية الاستفتاء في السليمانية ريبين أبو بكر، في مؤتمر صحافي في السليمانية، أن نسبة المشاركين في الاستفتاء في محافظة السليمانية كانت 50% رفض 20% منهم الانفصال عن العراق، ما يعني أن نسبة الرافضين تصل إلى 70%.
لهذا الاستفتاء مترتبات على المجال الكردي الداخلي والعراقي والإقليمي والدولي. على الصعيد الكردي الداخلي، لن تكون موافقة كتلة السليمانية في الساعة الأخيرة التزاماً دائماً بتأييد مسعود البارزاني، ذلك أن تحفظات هذه الكتلة على أدائه واستئثاره بالسلطة، وإيقافه عمل البرلمان، وتجاوزه فترته الدستورية، واستئثاره وعائلته بأموال النفط، وإفقاره المواطنين بعدم دفع رواتب الموظفين، بذريعة عدم تحويل حصة الإقليم من موازنة الدولة، والادخار لمواجهة احتمالات المستقبل. من هنا، نتوقع تفاقم الأمور في الإقليم، إذا لم تحل الأزمة مع الحكومة الاتحادية التي يشكل الكرد ركناً أساسياً فيها.
راهن البارزاني على فرض الأمر الواقع، باعتبار أن الكرد تمكنوا في مراحل سابقة من احتواء الرفض السلبي للعراق ودول الجوار خطوات أحادية اتخذوها، متناسياً أن خطوته الحالية
 ستكون ذات مساس واضح بالأمن القومي لدول الجوار وللعراق، وهو أمر ليس سهلا احتواؤه، ليس فقط لهذا السبب، بل لأن ما ذهب إليه البارزاني قد أخلّ بالدستور العراقي الذي شارك الكرد بصياغته، وصوتوا عليه بما يشبه الإجماع. لذلك، فإن أي إجراءات دستورية ستتخذها الحكومة الاتحادية للحفاظ على وحدة العراق الدستورية وسلامة التراب الوطني لن تجد من يستهجنها في الداخل والخارج.
مسؤوليات الحكومة الاتحادية هي الحفاظ على وحدة التراب الوطني والسيادة الوطنية للعراق، ما يعني أن المنافذ الحدودية من مراكز حدود وجمارك ومطارات يجب أن تكون من مسؤولية الحكومة الاتحادية، وهذا ما طالبت به على لسان رئيسها حيدر العبادي بتسليم المطارين الدوليين في أربيل والسليمانية إلى الحكومة الفيدرالية خلال ثلاثة أيام، وإلا ستغلق الحكومة الفيدرالية المجال الجوي، وهو ما فعلته اعتباراً من مساء الجمعة 29 سبتمبر/ أيلول 2017. وبهذا سينقطع اتصال الإقليم جواً بالعالم، مع كل ما يحمله هذا الانقطاع من مشكلات بنيوية وإنسانية وعملية. فإذا ما تمت سيطرة الحكومة الفيدرالية على منافذ الحدود مع تركيا (منفذ إبراهيم الخليل)، والمنافذ الحدودية مع إيران، وهو ما يظن أنه يجري حالياً بجهد مشترك مع الدولتين الجارتين المعارضتين للانفصال الكردي، تركيا وإيران، فإن الموقف في داخل الإقليم سيكون أكثر قتامة. ومن الأمور التي طلبتها الحكومة الاتحادية السيطرة على تصدير النفط عبر أنبوب طوبراق الناقل للنفط العراقي، وبضمنه نفط إقليم كردستان إلى موانئ البحر المتوسط، والذي هو الوسيلة الوحيدة التي ينقل الإقليم عبرها نفطه البالغ نصف مليون برميل يومياً. المسؤول عن تصدير نفط العراق هو مؤسسة التسويق (سومو)، وهي مؤسسة اتحادية تم الاتفاق مع سلطات الإقليم أن تتولى هي تصدير النفط حصراً. وقد تجاوز الإقليم هذا الاتفاق. وقد حذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سلطات الإقليم من أنه سيغلق هذا الخط، إذا ما أصرّت سلطات الإقليم على موقفها الانفصالي. وعندئذٍ، سيكون موقف الإقليم المالي صعبا جداً.
من الأمور المعقدة في هذا المجال تجاوز الإقليم سلطاته الإدارية المحلية، وفرضه الاستفتاء بالقوة على المناطق التي توصف بأنها "متنازع عليها"، وهي محافظة كركوك وسهل نينوى وقطاعات عربية وتركمانية من محافظة أربيل وقضاء خانقين في محافظة ديالى وقضاءي ربيعة وسنجار وقضاء الشيخان في محافظة نينوى (الموصل). على الرغم من الشكوك الحقيقية في دستورية الاستفتاء، لعدم وجود نص دستوري يجيز الاستفتاء على الانفصال، فإن فرض الاستفتاء على مناطق لا تتبع المحافظات الثلاث المعترف بعائديتها لإقليم الحكم الذاتي يعد خرقاً للدستور، وستكون جهود الحكومة الفيدرالية إعادة فرض سلطتها عليها مبرّرة. والموضوع الخطير هنا هو الفشل في إعادة السلطة الاتحادية سلمياً على هذه المناطق، وهي حالة ستقود إلى صدام مسلح، لا يمكن التكهن بنتائجه.
تنطلق الحكومة الاتحادية في موقفها من منع استقلال الإقليم الكردي وانفصاله من مسلمات عدة، منها أنه يشكل جزءاً أساسياً من التراب الوطني للعراق الذي اعترف به المجتمع الدولي، ممثلاً بعصبة الأمم التي اعترفت باستقلال العراق، وقبلته عضواً فيها في نوفمبر/ تشرين 
الثاني 1932، وإن الإقليم يشكل الرابط بين العراق وجواره الشمالي (تركياً)، وبأنه يمثل الخزين والمورد المائي الأكبر للعراق، وبأن سكان الإقليم قد صوتوا، بأغلبية كبرى، على تنصيب فيصل الأول ملكاً على العراق، واختاروا انضمام ولاية الموصل (يشكل الإقليم جزءاً منها وليس كلها) إلى العراق، نتيجة تقصي بعثة عصبة الأمم عامي 1924-1925 ميدانياً. ولذلك، فإن الانعكاس على العراق سيكون سلبياً بشكل كبير، إذا ما استقل الإقليم، وهو أمر سيقود، هو الآخر، إلى الصدام المسلح الذي لن يخرج منه رابح، بل سيكون الطرفان خاسرين.
سيكون صعبا على المجتمع الدولي شجب الإجراءات الدستورية للحكومة الفيدرالية، إلا في حالة اللجوء إلى القوة التي لن تلاقي تشجيعاً من المجتمع الدولي، لإخلالها بالوضع الهش في الإقليم، وتأثيرها على عملية مقاتلة "داعش".
حلم الاستقلال لدى الكرد عاطفي طويل، لم يكن العراق مسؤولاً عن عدم تحقيقه. وعلى الرغم من أن الصراع الكردي مع السلطة المركزية في بغداد كان طويلاً، استغرق مجمل تاريخ العراق المعاصر، فإن الكرد لم يرفعوا يوماً شعار الانفصال عن العراق، فقد كان أقصى ما يطمحون إليه هو الحكم الذاتي، وقد منحهم الدستور العراقي عام 1970 الحكم الذاتي، واعترف بهم شعباً مكوناً أساسيا من مكونات الشعب العراقي، ومنحهم دستور ما بعد الاحتلال الوضع الفيدرالي ضمن العراق الواحد، وهو ما طلبوه ونصوا عليه في الدستور الذي اشتركوا في كتابته. في الظرف الحالي، لا بد من تغليب الحكمة والعقلانية والرغبة الفعلية في العيش المشترك، باعتبارها الوسيلة الوحيدة الكفيلة بحل هذا الإشكال المدمر، إذا ما رغب الجميع بالخروج من هذا النفق المظلم.
08A6C6A7-5596-4EDC-ACA9-A8FCF4C66DBF
عبد الوهاب القصاب

خبير عسكري، وكاتب وباحث، ضابط سابق برتبة لواء في الجيش العراقي