كثيرون يشكون من الاستيقاظ المتكرر، خلال النوم ليلاً، ويعيدون الأمر إلى الأرق الذي بات اضطراباً شائعاً في أيامنا هذه. لكنّ ذلك قد يرتبط باحتمالات أخرى.
متلازمة انقطاع التنفس الانسدادي النومي، اضطراب نسمع به اليوم أكثر فأكثر. ليس توصيفه معقّداً، فخلاله يُسجَّل توقف متكرر في التنفس أثناء النوم مع شخير قوي في أغلب الأحيان. ويؤدّي ذلك التوقّف المتكرر إلى قطع الأكسجين لبضع ثوانٍ عن جسم الإنسان الذي يعجز في الوقت نفسه عن التخلّص من ثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي يجعل النوم السليم مستحيلاً. إلى ذلك، قد يعاني المصاب بهذه المتلازمة من نعاس مفرط خلال النهار أو من تعب شديد أو من صعوبة في التركيز أو من الصداع، بحسب ما توضح منظمة الصحة العالمية التي تشدّد على خطورتها في حال لم تُشخّص ويوضع حدّ لتداعياتها السلبية على صحة الإنسان.
تُبيّن دراسات علمية حديثة أنّ نسبة الإصابة بمتلازمة انقطاع التنفس الانسدادي النومي إلى ارتفاع، نظراً إلى تزايد الأسباب المؤدية إليها، لا سيّما البدانة. لذا تتوقّف منظمة الصحة العالمية عند أهميتها عن طريق دراسة النوم التي يُسجَّل خلالها نشاط الجسم أثناء النوم بالإضافة إلى قياس نسبة الأكسجين طوال تلك الفترة. تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المتلازمة لا تمثّل تهديداً للحياة بحدّ ذاتها، إلا أنّها قد تُسفر عن مشاكل خطيرة مثل الأمراض القلبية الوعائية والأمراض الدماغية التي تؤثّر على نوعية الحياة.
والنقص في الأكسجين الذي تتسبّب به نوبة أو نوبات انقطاع التنفّس الانسدادي النومي سواءً أكان جزئياً أم كاملاً، يجبر الدماغ على الانتقال من مرحلة النوم العميق إلى مرحلة النوم الخفيف أو إلى الاستيقاظ، وذلك ريثما يُفتَح مجرى الهواء مجدداً وتعود عملية التنفس إلى طبيعتها. وقد تحدث نوبات أخرى من انقطاع التنفّس الجزئي أو الكامل بعد الاستغراق مجدداً في نوم عميق. وفي الحالات المتفاقمة، قد تحدث هذه النوبات كل دقيقة أو دقيقتين تقريباً أثناء الليل، ويكون صوت شخير معظم الأشخاص المصابين مرتفعاً.
إذا أردت التخلّص من انقطاع التنفّس المفاجئ أثناء النوم، ما عليك سوى التخلّص من البدانة التي تُعَدّ من أبرز مسببات هذه الحالة المرضية. هذا ما يؤكده الطبيب المتخصص في جراحة البدانة، الدكتور ناجي صفا، لـ "العربي الجديد"، قائلاً: "لا شك في أنّ البدانة تزيد من احتمالات حدوث انقطاع في التنفس خلال النوم، الذي صار تشخيصه أسهل نظراً إلى التطور العلاجي الذي يسمح كشفه". ويوضح أنّ "الأبحاث العلمية حوله جعلته أكثر وضوحاً، بعدما كنّا نظنّ في السابق أنّ سببه يعود إلى لحميّة الأنف. لكنّه تبيّن لنا أنّ ثمّة أسباباً عدّة لانقطاع التنفّس هذا، منها تضيّق في البلعوم، أي من حيث يدخل الهواء إلى القصبة الهوائية. كذلك يأتي ثقل البطن ليضغط على جهاز التنفس، عندما يكون الشخص نائماً على ظهره".
ويشير صفا إلى أنّ "المريض لا يدرك إصابته بانقطاع في التنفّس إلا خلال معاينته وتوجيه أسئلة محددة له. حينها يعرف لماذا ينسى أسماء الأشخاص وما سبب اضطراب الذاكرة لديه وكذلك وجع الرأس صباحاً". يضيف أنّ "الإصابات تأتي أكثر لدى الرجال منه لدى النساء والأطفال، مشدداً على "عدم إهمال موضوع الشخير".
في السياق، ولأنّ هذا المرض يرتبط بصحة الجهاز التنفسي، يتحدّث الطبيب المتخصص في الأمراض الصدرية الدكتور جودي بحوث لـ "العربي الجديد" مؤكداً، أنّ "هذا المرض لا يؤدّي إلى الوفاة المفاجئة، إنّما يؤثّر على نوعية الحياة. فالمريض لا يكون قادراً على النوم بما يكفي حاجته، ويعوّض عن ذلك في النهار. بالتالي، يشعر بالنعاس معظم الوقت وقد يقضي قسماً كبيراً منه نائماً. كذلك يشكو من عدم قدرته على العمل، بالإضافة إلى أنّ انخفاض الأكسجين يؤثّر على ضغط الدم وعلى القلب والدماغ معاً". ويشير إلى أنّه "في حال حصل انسداد في الأنف، فإنّ انقطاع التنفّس يزيد وكذلك الشخير. وهنا يأتي دورنا كمتخصصين في الأمراض الصدرية لتشخيص مثل هذه الحالات بدقة متناهية من خلال فحص نسبة الأكسجين أثناء النوم، بالإضافة إلى إجراء دراسة النوم لمعرفة قوة الشخير كمؤشّر لمرض انقطاع التنفّس". وينصح بحوث "من يشعر بانزعاج أثناء النوم من جرّاء ضيق في التنفس ويشكو من ألم في الرأس عندما يستيقظ من النوم، عليه مراجعة طبيبه لاكتشاف المشكلة، وإذا شُخّصت لديه متلازمة انقطاع التنفّس الانسدادي النومي، فلا بدّ من معالجة سريعة تجنباً لأيّ مضاعفات طارئة".
من جهته، يقول الطبيب المتخصص في أمراض الأنف والأذن والحنجرة، الدكتور أنطوان نعمة، لـ "العربي الجديد" أنّه "لا توجد علاقة مباشرة بين انسداد مجاري الأنف وانقطاع التنفّس، بل الأمر يرتبط بارتخاء في البلعوم أثناء النوم". ويوضح أنّه "كلما ارتخت عضلات البلعوم، اشتدّ انقطاع التنفّس. وهو ما يؤدّي إلى هبوط في مستوى الأكسيجين وارتفاع في أكسيد الكربون، فيشعر المريض بالاختناق. وعلى الفور، يتلقّى تنبيهاً من الدماغ فيستيقظ من النوم فجأة كي لا يختنق ويموت. وهكذا يقضي الليل بطوله من دون الحصول على نوم عميق، أي من دون الحصول على نوم كافٍ. فتأتي النتيجة قلة في التركيز وإرهاق وعدم قدرة على قيادة السيارة على سبيل المثال، مع احتمال إصابته بجرحة قلبية أو سكتة دماغية وارتفاع في ضغط الدم". يضيف: "بالتالي، ننصح المريض بإنقاص وزنه إذا كان بديناً والامتناع عن تناول الكحول وعن التدخين، مع ضرورة تجنّب الأدوية المهدئة".