هذا العام.. لا عيد للمهاجرين عبر المتوسط

01 يناير 2015
كانت أقوى تجربة عشتها في كل حياتي (أ.ف.ب)
+ الخط -
لم تكن السنة التي يحتفل العالم بإتمامها سنة هادئة بين أمواج البحر الأبيض المتوسط، إذ تجاوز عدد الغارقين في البحر وهم يحاولون الهجرة 3419 ضحية، رافعاً بذلك عدد الذين توفوا أثناء الهجرة عبر مختلف الطرق السرية، أو أولئك الذين وقعوا ضحية الجرائم الدولية وهم في طريقهم الى أوروبا، الى 4272. فيما أجمل عدد محاولي العبور في 207,000. تلك الأرقام التي تبقى تقريبية فقط، حسبما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في تقريرها الذي نشرته في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2014.

واعتبرت المفوضية أن هذه الأرقام تعني مضاعفة حصيلة 2011 بثلاث مرات، محددة أسبابها في الحرب الأهلية التي تدور رحاها في ليبيا وسورية والعراق وأوكرانيا. مانحة مرتبة الصدارة للاجئين القادمين من سورية، على قائمة البلدان المصدرة للاجئين في 2014. مشكلين، برفقة الإيريتريين، نصف عدد طالبي اللجوء الاجمالي. فيما عدت الأراضي الليبية أكثر نقاط العبور إقبالاً، لما تعيشه من فوضى سياسية. وتعتبر الجنسية الأساسية لأولئك العابرين هي السورية، محاولين الهرب من الحرب الأهلية وأتونها، راكبين مغامرة الأمواج المتوسطية. وليس في كل مرة يسلم القارب.


مصعب الأمهر، شاب سوري فلسطيني، حامل للجنسية السورية، قدم حديثاً لفرنسا، يخبر "جيل العربي الجديد" قصة عبوره: "لقد قضينا في البحر بين ليبيا وإيطاليا أسبوعين، كنا في مركب تهريب عائلات من سورية وليبيا، وبضع شباب من تونس. المركب لم يكن يتسع لكل ذلك العدد، وفقدنا امرأة توفيت في المركب إثر أزمة قلبية، اضطررنا لرمي جثتها في البحر. ساعة عثرنا على البر الإيطالي بدأنا نبكي، لقد كانت أقوى تجربة عشتها في كل حياتي وأكثرها ألماً".

ويقيّم مصعب، الذي يعيش أول بداية عام في حياته في أوروبا، معاملة شرطة حراس الحدود الإيطاليين بأنها إجرامية، "لقد تعاملوا معنا وكأننا كلاب جربانة، كانت إجراءات المراقبة للتوزيع على المشافي ومخيمات المهاجرين مهينة"، مستطرداً بأن معاناته لم تنته، إذ عليه أن يؤدي ما استدانه من أجل تأدية ثمن التهريب، ما يضطره للعمل في عطلة العيد، "نحن لا عيد لنا، وعليّ دين كبير وجب أن أؤديه. كيف تريد أن نحتفل بالعيد ونحن نعيش المعاناة والتمزّق والغربة؟ ليست بلدي وحدها الخربانة، بل نفسيتي أيضاً".

من جهته، أوضح ويليام لاسي سوينغ، رئيس المنظمة العالمية للمهاجرين، أن ما يعيشه العالم اليوم، يجعل عدد الناس المضطرين للهجرة هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، نتيجة الحروب في سورية والعراق وغيرهما، مؤكداً على ضرورة احترام المهاجرين لأوروبا، مستحضراً إحصائيات تشير إلى حاجة القارة العجوز في أفق سنة 2050 إلى ما بين ثلاثين وأربعين مليون عامل، ما يمكن أن تسده الهجرة. مع تشديده على ضرورة مرور أوروبا من حالة تحصي فيها عدد الضحايا إلى توقيف العنف ضد "المهاجرين".

وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 232 مليون شخص هاجر بلاد ولادته حول العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، أغلبهم عابراً البحر الأبيض المتوسط من بلدان جنوبه نحو الشمال. وفيما تختلف الأرقام بين المنظمات حول عدد الضحايا لهذه السنة، فإن المنظمات التي تعمل على الهجرة بين ضفتي المتوسط أجمعت على أن ضحايا هذا العام يعدون رقماً قياسياً مقارنة بالأعوام السابقة، وفي مقدمة الجنسيات القادمة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، نجد الضحايا السوريين والمصريين والفلسطينيين. رافعين العدد الاجمالي للضحايا، ومنذ سنة 2000، إلى رقم الأربعين ألفاً، حسب تقرير للمنظمة الدولية للمهاجرين.

وعلى الرغم من أن إيطاليا تعد، حسب المعطيات، البلد الأكبر استقبالاً لحديثي الوصول، فهي ليست الأولى في استقبال طلبات اللجوء للدول الأوروبية، بل تتجاوزها ألمانيا والسويد، ما جعل إيطاليا بلداً للعبور أكثر منه لاستقرار المهاجرين القادمين من الجنوب، خاصة بعد الأزمة، وتوفير دول اسكندنافية إمكانية استقدام العوائل للاجئين السوريين، الذين تم قبول ملفاتهم.

وفيما تتصاعد أسهم اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية، والذي يعتبر المهاجرين والأجانب عموماً أصل الشرور والأزمات، فقد نظّم اليسار الأوروبي، خاصة اليسار الجذري، حملات ضد قرارات التوقيف والترحيل التي اتخذها البرلمان الأوروبي قبل بضعة أسابيع، خاصة في المدن المتوسطية من أوروبا، وهي حملات لتحرير المعتقلين وتوعية المهاجرين السريين بطرق التهرّب من قرارات وتحقيقات الشرطة والقضاء.

مصعب الأمهر، ابن دمشق، يتذكر بحنين ماضيه الدمشقي: "مكتوب علينا أن نهاجر جيلاً خلف جيل، أبي من فلسطين، وأنا ولدت في دمشق، وتوجهت إلى روسيا بعد اندلاع الحرب في بلادي للدراسة، ثم قصدت مصر، وهاجرت عبر ليبيا، إلى إيطاليا، ومنها إلى فرنسا، ورافق كل ذلك العديد من صنوف المعاناة. الصدق أني لا أعرف ما إذا كان يستحسن أن أستقر هنا أم أتوجه شمالاً، لا أعرف ماذا سيحدث غداً، وساعة أفكر في الماضي والاستقرار أتخيّله بعيداً جداً، رغم أني خرجت من دمشق فقط قبل سنتين".

المساهمون