هدنة حمص والأزمنة الثلاثة من عمر عاصمة الثورة

07 مايو 2014
بعض ما تبقى من بابا عمرو بحمص (فرانس برس/GETTY)
+ الخط -

عند الساعة العاشرة والنصف من صباح اليوم، الأربعاء، بدأت رحلة خروج مسلحي المعارضة من أحياء حمص المحاصرة. رحلة قصيرة لن تتعدى النصف ساعة باتجاه مقراتهم الجديدة في الرستن وتلبيسة، لكنها ستغيّر الكثير في جغرافيا الصراع المستمر منذ ثلاثة سنوات.

تختصر حمص الحكاية السورية برمّتها؛ هي عاصمة المحافظة الأكبر في البلاد، وتشغل قلب الخريطة، وتعجّ بمختلف تفاصيل الفسيفساء السوري الديني والطائفي والإثني.

إليها انتقل الحراك السلمي مبكراً من درعا في مارس/ آذار عام 2011، وقوبل بيد من حديد، وقبل أيام قليلة، تحديداً في 18 أبريل/ نيسان، أحيا الحماصنة ذكرى "مجزرة ساحة الساعة"، حين فتحت قوات الأمن النار على المعتصمين فخلّفت عشرات القتلى والجرحى.

من حمص وفي ريفها، كانت أولى ملامح عسكرة الانتفاضة المدنية التي سرعان ما اتخذت طابعاً عنيفاً على خلفية أحداث طائفية يتبادل الطرفان المسؤولية عنها قبل نهاية العام 2011.

كرم الزيتون والحولة والزارة وغيرها الكثير، أسماء لأحياء وبلدات تقول المعارضة إنها شهدت مجازر مروّعة على أيدي القوات الحكومية.

مبكراً، وقبل انقضاء العام الأول، شهدت أحياء المدينة، وخصوصاً بابا عمرو، أبشع المواجهات مع منشقين عن الجيش، وفيها قتل أوائل الصحافيين الغربيين كجيل جاكييه وماري كولفن ريمي اوشليك...

لكن المدينة لم تهدأ رغم سيطرة القوات الحكومية على بابا عمرو، في مارس/ آذار 2012.

أهمية المدينة، التي تقطع الطرق بين العاصمة دمشق ومدن الشمال والشمال الشرقي، دفع القوات الحكومية للاستماتة في محاولة السيطرة عليها، من دون جدوى. ليس بعيداً عنها، في القصَيْر، كان أول تدخل رسمي لمقاتلي حزب الله اللبناني، في الصراع الذي اتخذ طابعاً طائفياً متزايداً.

ومنذ ذاك الوقت، لم يعد وصف القوات الحكومية يفي بالغرض، باتت القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، بما فيها لبنانيين وعراقيين ولجان مدنية، كلها في حرب ضروس، ليس ضد وحدات الجيش الحر التي باتت اسماً فضفاضاً فحسب، وإنما مع قوى أصولية لا علاقة لها بمطالب الحراك السوري الذي خرج ينادي بالحرية والكرامة.

سقطت القصير، ومنها تحركت القوات الموالية للرئيس السوري في اتجاه المدينة، بعد السيطرة على ريفها الجنوبي كاملاً، ليضيق الحصار على مَن بقي من مقاتلي المعارضة هناك.

اليوم، إذ يخرج آخر مقاتلي المعارضة من حمص المنهكة، ترتسم حدود أوضح لجغرافيا الصراع المفتوح على المجهول، وتخشى المعارضة أن يؤدي إلى تقسيم البلاد.

عاصمة الضحك كانت قبل الانتفاضة، عاصمة الثورة باتت خلال الصراع. أما اليوم، فباتت مدينة منكوبة حجراً وبشراً تُترك لمصير لم يُبتّ به... إنها حمص.