"متعة وفرصة للربح"، عبارة تختصر مباريات كأس العالم بالنسبة للعراقيّين، وإن لم تكن النتائج مرضية دائماً. فخسارة بعض الفرق تُحزن المشجعين. في المونديال الحالي، كانت الفرق العربية سبب هذه المنغصات.
هذا العام، حدّ المونديال من المشاكل السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية في الشارع العراقي، وأصبح الحديث عن المباريات هو السائد، في وقت يعيش العراقيون أزمات ومشاكل عدة تتعلق بالأمن والأوضاع المعيشية المتردية. صالح جواد (62 عاماً)، يصطحب أحفاده كل يوم إلى المقهى لمتابعة مباريات المونديال. يقول لـ"العربي الجديد"، إن أولاده وأحفاده ورثوا عنه حب كرة القدم.
يضيف جواد: "أولادي الثلاثة يرفضون اصطحاب أولادهم معهم لمشاهدة المباريات، لأنهم ينشغلون عنهم بالتشجيع. كما يبالغون في تفاعلهم إلى درجة قد يحطمون شيئاً ما على الطاولة أو يكسر أحدهم كرسياً. كنت كذلك أيضاً في شبابي". لدى جواد سبعة أحفاد ذكور تراوح أعمارهم ما بين 7 و12 عاماً. يقول: "في كل مباراة من مباريات كأس العالم، ينقسمون إلى مجموعتين، وكل مجموعة تشجع منتخباً. أحياناً، يصل بهم التعصب إلى الشجار. لذلك، أفضّل اصطحابهم معي إلى المقهى. وخلال مباريات المنتخبات العربية، يتفقون على تشجيعها".
وللمشجعين في العراق طقوس خاصة. البعض، وفي حال فوز المنتخبات التي يشجعونها، يعمدون إلى توزيع الهدايا. تقول أنوار جمال الدين إن "المونديال خير وبركة"، مشيرة إلى أنه ومنذ انطلاق مباريات كأس العالم، تصلها هدايا وحلويات من زملائها في العمل. أنوار، وهي موظفة في وزارة التربية، توضح لـ"العربي الجديد"، أنها تتابع مباريات المونديال باهتمام بالغ، ليس حباً بالمباريات بل لمعرفة نوع الهدية التي ستنالها في اليوم التالي.
تتابع أنوار: "لا أعرف شيئاً عن كرة القدم، لكن زملائي في العمل يتنافسون. ومن يفوز منتخبه يوزع هدايا علينا، نحن مجموعة الزملاء العاملين في القسم نفسه". وتلفت إلى أن زملاءها يجعلونها تستمتع بمشاهدة المباريات. وبعد انتهاء أي مباراة، ترسل التهاني عبر واتساب للزملاء مشجعي المنتخب الفائز وتذكرهم بهدايا الفوز. "منحني المونديال متعة"، تقول.
وتطغى قمصان المنتخبات المشاركة في المونديال على الشارع، ويرتدي عدد كبير من الشباب قمصان المنتخبات التي يشجعونها. يقول حاتم الصالحي، الذي يملك محلاً لبيع الألبسة الرجالية، إنه يعرف جيداً مواسم الربح، ومنافسات المونديال موسم ربح جيد. لذلك، ملأ محله بقمصان المنتخبات المشاركة. يضيف لـ"العربي الجديد"، أن "المنتخبات العريقة، مثل البرازيل والأرجنتين وانكلترا وإسبانيا وفرنسا والبرتغال، لها جمهور واسع، ما يعني أن الإقبال على شراء قمصانها يكون جيداً". يضيف: "كان هناك إقبال على شراء قمصان منتخب مصر، خصوصاً قميص محمد صلاح ورقمه 10، إضافة إلى قمصان منتخبي المغرب وتونس". ويشير إلى أن قمصان المنتخبات الخاصة بالأطفال حققت مبيعات جيدة. فالأطفال أكثر حماسة للنجوم الكبار كميسي (الأرجنتين)، ورونالدو (البرتغال)، ونيمار (البرازيل)، ومحمد صلاح (مصر)".
إلى ذلك، تقول ولاء طه إنّها اشترت لأطفالها قمصان المنتخبات التي يشجعونها بحسب رغبتهم، مشيرة إلى أن عائلتها "رياضية بامتياز". وتوضح: "لم أكن أشجع أي فريق قبل زواجي منذ 13 عاماً، سوى منتخبنا العراقي. لكن لزوجي الفضل في أن أكون مشجعة متعصبة لفريق ريال مدريد والبرازيل، وأصبحت أتابع معه مختلف البطولات العالمية". تضيف طه: "ورث أطفالي الخمسة التعصّب الكروي من والدهم. وهم ينقسمون في تشجيع الأندية العالمية والمنتخبات، ويصرخون كثيراً. منذ انطلاق المونديال، بات منزلنا أشبه بمدرجات ملعب".
مساء، وبعد أن يُنهي المواطنون أعمالهم، يتوجه الرجال والصبية من مختلف الأعمار إلى المقاهي، التي تحرص على توفير كل متطلبات الزبائن. فالمونديال، بحسب حسن العواد، وهو صاحب مقهى في حي الكرادة، وسط بغداد، مناسبة للربح. يقول: "الشيشة والمشروبات الباردة والساخنة متوفرة، إضافة إلى الحلويات. كما أن المقهى مجهز بأجهزة تكييف وبمولد كهربائي، ما يتيح للزبون مشاهدة ممتعة للمباريات".
ويعاني العراقيون من نقص في الخدمات، من بينها الكهرباء، ويعتمدون على مولدات، خصوصاً أن الكهرباء تنقطع نحو عشر ساعات في اليوم الواحد. والأهم للعواد أن "الحديث في السياسة والمشاكل الأمنية والأحزاب والتكتلات السياسية غاب، والفضل للمونديال". يضيف أن لكأس العالم نكهة خاصة، وإن كان لا يخلو من منغصات بسبب المنتخبات العربية "شجّع العراقّيون المنتخبات العربية، وكانوا يتأثرون بشدة بعد خساراتها".