27 سبتمبر 2018
هجمة انتصارات مع الإقرار بالهزيمة
يبدو أن "قراراتٍ" اتخذت للحج إلى سورية، صدورا عن أن الانتصار النهائي يكتمل، وبالتالي، يجب تدعيم ذلك من خلال زحف وفود من أحزاب مختلفة في البلدان العربية، ومن دول كذلك. في لبنان، يريد حزب الله كسر "النأي بالنفس" الذي اتخذته الدولة اللبنانية، بدفع وزراء منه إلى زيارة سورية رسمياً. ومن فلسطين، يزحف بعضهم للتهنئة والتبريك. وفي مصر، تصدر أحزاب "قومية" بياناً تدعو فيه الدولة إلى إعادة العلاقات مع سورية، وربما يجري ترتيب زيارة رسمية. وكان كاتب هذه السطور قد كتب عن الحج التونسي إلى دمشق. والدولة الأردنية ترتب سيطرة النظام على الحدود وتريد فتح المعابر. ويمكن أن نصادف وفوداً من دول خليجية تحج إلى دمشق.
يتعلق الأمر بتوهم الانتصار. ولهذا يأتي ذلك كله في سياق الحل الذي سيُفرض، والقائم على بقاء بشار الأسد، حيث إن ما يتردد هو أن "الجيش العربي السوري" ينتصر، وقد حُسمت الأمور. لهذا يجب تدعيم ذلك من خلال المستوى الدبلوماسي و"التضامني" من أتباع "الممانعة، فهو يحتاج إلى ذلك، لكي يستطيع الجلوس على الكرسي، ومن ثم الوقوف لإعلان النصر النهائي. بالتالي، فإن شغلا يُبذل من أجل "احتضان الانتصار الكبير"، من خلال الشغل على إعلان مواقف داعمة للنظام، والقيام بزيارات مستمرة تؤكد عودة "الوضع الطبيعي"، وإعطائه "الأوكسجين" ليستطيع العودة إلى الحياة، بعد أن مات منذ زمن ليس قصيرا. وهذا ما توضحه تصريحات أخرى، حيث يتسابق داعموه لكي يبرز كل منهم عضلاته التي "منعت سقوط بشار الأسد".
كل التصريحات التي تنطلق من إيران وحزب الله و"الحشد الشعبي" ومن روسيا تقول إن بشار
الأسد كان قد هُزم وشارف على السقوط، لولا تدخل هؤلاء. هذا ما أشار إليه أكثر من مسؤول إيراني في أكثر من مناسبة، وكرّره حزب الله بصوت خافت، وكرّره أخيرا قادة في "الحشد الشعبي" العراقي. كذلك صرّح به وزير الخارجية الروسي لافروف، وكان أشار إليه الرئيس بوتين نفسه. وكل واحد من هؤلاء يؤكد على أنه الذي منع سقوط النظام، وقالت إيران إنها هي التي منعت سقوطه، والحشد "الشيعي" قال الأمر نفسه، وكذلك روسيا قالت إنها من منع سقوط النظام. بهذا، نجد أن كلا من هذه القوى يدّعي أنه الذي منع سقوط النظام، ليعلن أنه هو الذي انتصر. ولا يذكر أي من هؤلاء دوراً لـ "الجيش العربي السوري" (إلا بالتعفيش)، وبالتالي يقرّون بأنه لا وجود لقوى عسكرية نظامية تقاتل، وكان لها دور في منع سقوط النظام.
بهذا، لم يعد بشار الأسد منذ زمن (بداية سنة 2013) قادراً على الحكم، ولم يعد لديه ما يحمي الدولة، ولهذا استقدم هؤلاء ليبقى في السلطة. بالتالي هو باقٍ بقوة تلك التدخلات، وليس بقوة يمتلكها، وجيش قال هو، منذ صيف سنة 2015، أنه تقلص إلى 130 ألفا، ما جعله غير قادر على السيطرة على الأرض السورية، ولهذا قرَّر أن يمركزه في بعض المواقع (تقلص عداد الجيش أكثر خلال السنتين التاليتين). وإذا كان جرى تعميم مسألة التدخلات الخارجية ضد النظام، وجرى التهويل بها، فيمكن دراسة الأمر زمنياً ليتوضح أن أول سقوط له، على الأقل، كان بقوة الشعب.
تدخل حزب الله وإيران بداية سنة 2013، وكان نائب الرئيس، فاروق الشرع حينها، قبلها بقليل، قد صرّح لصحيفة الأخبار البيروتية الموالية للنظام بأن النظام غير قادر على الانتصار، وكذلك المعارضة، لهذا وصف الوضع بوجود استعصاء، وقال إن الحل يكمن في التفاوض بين الطرفين، والذهاب إلى حل سياسي (جرى تهميش الشرع بعد هذا التصريح). حينها لم يكن هناك وجود حقيقي للقوى التالية: داعش وجبهة النصرة، أحرار الشام وجيش الإسلام، وكل المجموعات السلفية، وكان التسلح محدوداً، ويعتمد على منشقين من الجيش، ومن الشباب الذي كان يتظاهر سلمياً، ولم يكن هناك "دعم خارجي"، لا للعمل المسلح ولا للنشاط الشعبي. ولكن، حينها كانت الثورة قد عمّت كل سورية، وظهر ضعف النظام بالتصدّع الكبير في الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري (قوتا الصدام مع الشعب منذ البداية)، وتذمّر واسع في صفوف الجيش فرض أن يضعه النظام في معسكرات مغلقة، لكي لا ينشق أو يتمرّد. وكان النظام منذ إبريل/ نيسان سنة 2012 قد انسحب من مناطق واسعة في الشمال والشرق، لكي يستطيع "لملمة الجيش" ومنع انشقاقه. وبالتالي، كانت قوى النظام التي استخدمها لسحق الشعب قد أصيبت بالهزال، وظهر من داخل السلطة من يريد التفاوض والوصول إلى حل سياسي. في الوقت الذي كانت فيه أميركا تطلب من روسيا "أن ترعى مرحلة انتقالية كما حدث في اليمن"، وتعمل على لجم دور تركيا، وحيث سحبت المعارضة من تحالف قطر/ تركيا إلى السعودية وروسيا. بالتالي، كان النظام يتهاوى، وكان يمكن أن تسقط دمشق.
لكن، كما قرَّر النظام منذ البدء حسْم الأمر بالقوة لإنهاء الثورة، تقدمت إيران بدعم الخيار العسكري من خلال إرسال قوات حزب الله، ثم المليشيا الطائفية العراقية، وأيضاً الحرس
الثوري الإيراني (كان لها دور منذ البدء في خبرات قمع التظاهر، والقناصة، وضباط يتابعون الوضع). فهي لا تريد "حلا وسطا" كان ممكناً، بل تريد استمرار بشار الأسد. هذه المرحلة (2013 إلى صيف 2015) هي مرحلة دعم وجود داعش وجبهة النصرة من أطراف عديدة، منها النظام وإيران والنظام العراقي (كما أميركا وتركيا ودول الخليج)، لإيجاد مبرّر للتدخل الإيراني، ولتشويه الثورة عبر قوى يجري احتسابها عليها وهي آتية لتدميرها (وكذلك تدخلات خليجية لكبح أزلامها كي لا يتطور الصراع). وهي مرحلة تحوّل الثورة إلى صراع مسلح وتهميش دور الحراك الشعبي. في هذه المرحلة، تضخمت المجموعات السلفية "الجهادية"، وأخذت تقضم الكتائب المسلحة، وتقتل ناشطي الحراك الشعبي. وارتبطت بدول إقليمية (أحرار الشام وجيش الإسلام، وكل المجموعات السلفية).
اختلت موازين القوى سنة 2015 على ضوء تفاهم إقليمي سعودي/ قطري/ تركي، حيث ظهر عجز قوى إيران، بعد أن استطاعت المجموعات السلفية و"الجيش الحر" السيطرة على إدلب وجسر الشغور، والتقدم في ريف حماة الغربي. لهذا ركض قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إلى موسكو لتتدخل. وهنا يظهر أن الصراع الإقليمي قد فرض اختلالاً أسقط قدرة إيران وحزب الله وكل المليشيا الطائفية "الشيعية" على حماية النظام، ليظهر أنه سيسقط. على الرغم من أن كل الدعم الإقليمي تمثّل في تزويد المقاتلين بمضادّات للدبابات مع بقاء الفيتو الأميركي على تزويدهم بمضادّات الطائرات، وهو الخطر التدميري الذي كانت تواجهه سورية.
بهذا، من حق إيران وتابعيها القول إنهم مَنْ منع سقوط بشار الأسد، على الرغم من أنهم فشلوا في ذلك، وإلا لما كانوا في حاجة لتدخل روسي. كما من حق روسيا أن تقول الأمر نفسه، فبقاء النظام متوقف الآن على الوجود الروسي الذي بات احتلالاً بعد توقيع اتفاقات تبقي القواعد الروسية أكثر من نصف قرن. لا شك أن النظام أنقذ. لكن، هل يبقي التفاهم الإقليمي الدولي بشار الأسد، أشك كثيراً في ذلك، فالرئيس القادم هو من ستفرضه روسيا من "أصحابها".
لهذا، ستبدو الهجمة على سورية لزيارتها وإعادة العلاقة معها تكريما للاحتلال الروسي، وليس لنظام بات يخضع لقرارات قوى الاحتلال. وربما حفلة توديع لبشار الأسد أكثر منه تكريساً له رئيساً على شعبٍ يرفضه.
يتعلق الأمر بتوهم الانتصار. ولهذا يأتي ذلك كله في سياق الحل الذي سيُفرض، والقائم على بقاء بشار الأسد، حيث إن ما يتردد هو أن "الجيش العربي السوري" ينتصر، وقد حُسمت الأمور. لهذا يجب تدعيم ذلك من خلال المستوى الدبلوماسي و"التضامني" من أتباع "الممانعة، فهو يحتاج إلى ذلك، لكي يستطيع الجلوس على الكرسي، ومن ثم الوقوف لإعلان النصر النهائي. بالتالي، فإن شغلا يُبذل من أجل "احتضان الانتصار الكبير"، من خلال الشغل على إعلان مواقف داعمة للنظام، والقيام بزيارات مستمرة تؤكد عودة "الوضع الطبيعي"، وإعطائه "الأوكسجين" ليستطيع العودة إلى الحياة، بعد أن مات منذ زمن ليس قصيرا. وهذا ما توضحه تصريحات أخرى، حيث يتسابق داعموه لكي يبرز كل منهم عضلاته التي "منعت سقوط بشار الأسد".
كل التصريحات التي تنطلق من إيران وحزب الله و"الحشد الشعبي" ومن روسيا تقول إن بشار
بهذا، لم يعد بشار الأسد منذ زمن (بداية سنة 2013) قادراً على الحكم، ولم يعد لديه ما يحمي الدولة، ولهذا استقدم هؤلاء ليبقى في السلطة. بالتالي هو باقٍ بقوة تلك التدخلات، وليس بقوة يمتلكها، وجيش قال هو، منذ صيف سنة 2015، أنه تقلص إلى 130 ألفا، ما جعله غير قادر على السيطرة على الأرض السورية، ولهذا قرَّر أن يمركزه في بعض المواقع (تقلص عداد الجيش أكثر خلال السنتين التاليتين). وإذا كان جرى تعميم مسألة التدخلات الخارجية ضد النظام، وجرى التهويل بها، فيمكن دراسة الأمر زمنياً ليتوضح أن أول سقوط له، على الأقل، كان بقوة الشعب.
تدخل حزب الله وإيران بداية سنة 2013، وكان نائب الرئيس، فاروق الشرع حينها، قبلها بقليل، قد صرّح لصحيفة الأخبار البيروتية الموالية للنظام بأن النظام غير قادر على الانتصار، وكذلك المعارضة، لهذا وصف الوضع بوجود استعصاء، وقال إن الحل يكمن في التفاوض بين الطرفين، والذهاب إلى حل سياسي (جرى تهميش الشرع بعد هذا التصريح). حينها لم يكن هناك وجود حقيقي للقوى التالية: داعش وجبهة النصرة، أحرار الشام وجيش الإسلام، وكل المجموعات السلفية، وكان التسلح محدوداً، ويعتمد على منشقين من الجيش، ومن الشباب الذي كان يتظاهر سلمياً، ولم يكن هناك "دعم خارجي"، لا للعمل المسلح ولا للنشاط الشعبي. ولكن، حينها كانت الثورة قد عمّت كل سورية، وظهر ضعف النظام بالتصدّع الكبير في الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري (قوتا الصدام مع الشعب منذ البداية)، وتذمّر واسع في صفوف الجيش فرض أن يضعه النظام في معسكرات مغلقة، لكي لا ينشق أو يتمرّد. وكان النظام منذ إبريل/ نيسان سنة 2012 قد انسحب من مناطق واسعة في الشمال والشرق، لكي يستطيع "لملمة الجيش" ومنع انشقاقه. وبالتالي، كانت قوى النظام التي استخدمها لسحق الشعب قد أصيبت بالهزال، وظهر من داخل السلطة من يريد التفاوض والوصول إلى حل سياسي. في الوقت الذي كانت فيه أميركا تطلب من روسيا "أن ترعى مرحلة انتقالية كما حدث في اليمن"، وتعمل على لجم دور تركيا، وحيث سحبت المعارضة من تحالف قطر/ تركيا إلى السعودية وروسيا. بالتالي، كان النظام يتهاوى، وكان يمكن أن تسقط دمشق.
لكن، كما قرَّر النظام منذ البدء حسْم الأمر بالقوة لإنهاء الثورة، تقدمت إيران بدعم الخيار العسكري من خلال إرسال قوات حزب الله، ثم المليشيا الطائفية العراقية، وأيضاً الحرس
اختلت موازين القوى سنة 2015 على ضوء تفاهم إقليمي سعودي/ قطري/ تركي، حيث ظهر عجز قوى إيران، بعد أن استطاعت المجموعات السلفية و"الجيش الحر" السيطرة على إدلب وجسر الشغور، والتقدم في ريف حماة الغربي. لهذا ركض قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إلى موسكو لتتدخل. وهنا يظهر أن الصراع الإقليمي قد فرض اختلالاً أسقط قدرة إيران وحزب الله وكل المليشيا الطائفية "الشيعية" على حماية النظام، ليظهر أنه سيسقط. على الرغم من أن كل الدعم الإقليمي تمثّل في تزويد المقاتلين بمضادّات للدبابات مع بقاء الفيتو الأميركي على تزويدهم بمضادّات الطائرات، وهو الخطر التدميري الذي كانت تواجهه سورية.
بهذا، من حق إيران وتابعيها القول إنهم مَنْ منع سقوط بشار الأسد، على الرغم من أنهم فشلوا في ذلك، وإلا لما كانوا في حاجة لتدخل روسي. كما من حق روسيا أن تقول الأمر نفسه، فبقاء النظام متوقف الآن على الوجود الروسي الذي بات احتلالاً بعد توقيع اتفاقات تبقي القواعد الروسية أكثر من نصف قرن. لا شك أن النظام أنقذ. لكن، هل يبقي التفاهم الإقليمي الدولي بشار الأسد، أشك كثيراً في ذلك، فالرئيس القادم هو من ستفرضه روسيا من "أصحابها".
لهذا، ستبدو الهجمة على سورية لزيارتها وإعادة العلاقة معها تكريما للاحتلال الروسي، وليس لنظام بات يخضع لقرارات قوى الاحتلال. وربما حفلة توديع لبشار الأسد أكثر منه تكريساً له رئيساً على شعبٍ يرفضه.