وأعلن المتحدث العسكري باسم القوات الموالية للحوثيين العميد يحيى سريع، في بيان مصور السبت، أن عشر طائرات بدون طيار، لسلاح الجو المسير التابع للجماعة، نفذت إحدى أكبر العمليات الهجومية في العمق السعودي، فضربت مصفاتين نفطيتين في كل من مدينة بقيق وخريص، بالمنطقة الشرقية للسعودية، ضمن ما أطلقت عليها الجماعة، عملية "توازن الردع الثانية"، عقب العملية الأولى التي استهدفت حقل "الشيبة" النفطي على الحدود السعودية مع الإمارات.
وأظهرت مقاطع فيديو مصورة، تناقلها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حريق بقيق (على الأقل)، بوصفه الهجوم الأكبر على مدى تاريخ عمليات الحوثيين داخل السعودية، إذ اشتعلت العديد من الحرائق وغطت أعمدة الدخان سماء المنطقة التي يقع فيها مقر شركة أرامكو، قبل أن تعلن الداخلية السعودية أن فرق الأمن الصناعي بشركة أرامكو باشرت إطفاء "حريقين في معملين تابعين للشركة بمحافظة بقيق وهجرة خريص نتيجة استهدافهما بطائرات بدون طيار "درون"، وقالت إنه تم "السيطرة على الحريقين والحد من انتشارهما".
وجاء الإعلان السعودي بعد ساعات من الصور التي توثق للهجوم، فيما قال المتحدث العسكري للحوثيين: "كانت الإصابة دقيقة ومباشرة"، وأضاف: "تعتبرُ هذه العملية إحدى أكبرِ العمليات التي تنفذها قواتنا في العمقِ السعودي"، مشيرا إلى أنها أتت "بعد عمليةٍ استخباراتيةٍ دقيقةٍ ورصدٍ مسبقٍ وتعاونٍ" ممن سماهم "الشرفاءِ والأحرارِ داخل المملكة"، وتوعد من سماه بـ"النظام السعودي" بأن "عملياتنا القادمة ستتوسع أكثر فأكثر ستكون أشد إيلاماً مما مضى طالما استمر في عدوانهِ وحصارِه".
ويعد هجوم الحوثيين في بقيق وخريص، العملية الثانية من نوعها، بعد الهجوم الذي نفذته الجماعة في أغسطس/آب المنصرم، بمسمى "عملية توازن الردع الأولى"، حيث استهدفت حينها، حقل الشيبة النفطي السعودي الذي يعد محل نزاع بين الرياض وأبوظبي، إذ إن ما يجمع الهجومين (الردع الأولى والثانية)، يتمثل بكونهما، استهدفا منشآت نفطية في عمق السعودية، وفي مناطق أبعد ما تكون عن الحدود اليمنية، بالمقارنة بالأهداف التقليدية للجماعة، كما أن كلا العمليتين، أسفرتا عن أضرار، باعتراف السلطات السعودية.
ومع ذلك، تمثل عملية "بقيق" على الأقل، والتي تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الصور في الساعات الأولى منها، الكبرى من حيث الأضرار الموثقة في الإعلام، منذ تصاعد الحرب في اليمن في مارس/آذار2015.
وطالما اقتصرت هجمات الحوثيين على صواريخ باليستية تعلن السعودية عن اعتراضها وإسقاطها، غير أن الوضع يبدو الآن مختلفاً جذرياً، في أعقاب ضرب منشآت النفط، الذي يتعدى الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية بالنسبة للرياض، إلى العلاقات التي تجمعها وتحدد موقعها مع كثير من دول العام.
في الأثناء، أشعل الهجوم النوعي وغير المسبوق للحوثيين، موجة من التساؤلات، عما وراء قدرة الجماعة على استهداف منشآت استراتيجية بالعمق السعودي، باستخدام طائرات مسيرة، زهيدة التكلفة في الغالب، في مقابل عجز الدفاعات السعودية، عن رصد وإسقاط هذه الطائرات، في بلدٍ يصرف واحدة من أكبر الموازانات العسكرية في العالم، وخصوصاً أن الهجوم ليس الأول من نوعه، إذ تبنى الحوثيون منذ أشهر، عشرات الهجمات بطائرات مسيرة باتجاه السعودية، كانت أغلبها في المناطق الحدودية مع اليمن.
ويمثل وصول الحوثيين إلى العمق السعودي، واستهداف منشآت نفطية، بعد ما يقرب من خمس سنوات، على بدء الرياض عمليات عسكرية في اليمن قالت إنها لمحاربة سيطرة الجماعة المدعومة من إيران، مؤشراً إضافياً، على فشل الحرب، فعوضاً عن أن تتمكن السعودية من تدمير قدرات الحوثيين العسكرية على الأقل، بات الحوثيون في موقف عسكري أقوى، على صعيد القدرة على تنفيذ هجمات في العمق السعودي.
الجدير بالذكر، أن تصعيد الحوثيين غير المسبوق، يأتي بالترافق مع الأحداث التي يشهدها الجنوب اليمني، حيث تنهمك الإمارات، حليف السعودية في الحرب، بدعم الانفصاليين المتمردين على الحكومة الشرعية، التي تقول الرياض إنها تحارب في اليمن لدعمها، ويمثل الملفان من الهجمات الحوثية إلى التحركات الإماراتية، ضغطاً قوياً على الرياض، وكلاهما يضيفان المزيد من التعقيد بشأن مصير الحرب في اليمن، كما يجعلان الوضع مفتوحاً على كافة الاحتمالات، بما في ذلك، موجة تصعيد سعودية ضد الحوثيين، أو الرضوخ للدخول باتفاق تهدئة مع الجماعة، وفقاً لما تدعو إليه الأخيرة، وتعتبره مفتاح وقف هجماتها في "العمق السعودي"، وإلا فإن القادم "أشد إيلاماً"، على حد تعبير المتحدث العسكري للحوثيين.