هجرة إلى النجاح الموسيقي في أوروبا

11 ديسمبر 2016
يدرس حالياً علماً في الموسيقى يسمى "السنولوجي" (العربي الجديد)
+ الخط -

في 2014 وضع شاب فلسطيني وموسيقي عربي رحاله في لاهاي الهولندية. حضر ضرار كلش إليها ليكمل دراسته الأكاديمية في مجال الموسيقى، ويبدأ فيها رحلة نجاح.
عن انتقاله من فلسطين إلى هولندا، يقول ضرار كلش لـ "العربي الجديد": "لم يؤثر انتقالي المكاني من فلسطين إلى أوروبا باهتمامتي بوطني، بل جاءت لأسباب عملية بحتة، لإكمال بحثي الأكاديمي وبالتالي هي ليست مرتبطة بأي شعور بالاغتراب أو الهجرة عن الوطن الأم. فاهتماماتي ما زالت هي نفسها وتواصلي مع وطني ما زال على نفس الوتيرة". ويضيف: "لا أشعر بالاختلاف الكبير بين زياراتي وتعاوني السابق مع موسيقيين في أوروبا، وبين ما أفعله منذ انتقالي إلى هولندا قبل عامين".

وعن بداياته وتطور اهتمامه بعالم الموسيقى، يقول ضرار: "بدأت في مجال العزف والموسيقى منذ زمن طويل، من أيام الدراسة الابتدائية، حيث كانت هناك دورات لتعليم الموسيقى في المدرسة التي كنت ألتحق فيها، ومن هناك بدأ اهتمامي بالموسيقى بشكل عام".

لم يخطط ضرار لتعلم آلة موسيقية معينة أو لاحتراف مهنة الموسيقى بأي شكل، واشتراكه بتلك الدورات "جاء بشكل طبيعي وتلقائي مثل اشتراك العديد من الطلاب الآخرين فيها"، على حد تعبيره. بالتالي يجد أن المحفزات لاستمراره في مجال الموسيقى "لم تكن شخصية بحتة، بل لها علاقة أكثر بالوضع الثقافي والموسيقي الذي يعيشه الوطن العربي وبالأخص وطني الأم فلسطين".

يحب ضرار أن يحمل ما يتعلمه إلى وطنه لمزيد من الاهتمام بالفنون البصرية والمسرح أيضاً. ويقول "لا يوجد فصل بالنسبة لي بين اهتمامي بالموسيقى وبين اهتمامي بالواقع السياسي في الوطن العربي، بالإضافة إلى اهتماماتي بالبحث الأكاديمي الخاص بالمجتمع العربي والثقافة العربية".

يدرس ضرار حالياً علماً في الموسيقى يسمى "السنولوجي"، وهو تخصص غير متوفر في أي مؤسسة كالكونسرفاتوار أو أي جامعة تهتم بتعليم الموسيقى، وتعليمه محصور بعدد معين من المؤسسات الأكاديمية على صعيد العالم وليس أوروبا وحسب.
الاختلاف الوحيد ربما يعود إلى وجود فرص الدراسة الأكاديمية هنا أكثر بكثير من توفرها في فلسطين، خاصة في مجال الموسيقى "فأنا أتحدث عن الموسيقى الأكاديمية وليس الموسيقى بمعناها الترفيهي فقط. فالموسيقى هي علم مثلها مثل أي علم آخر".

تأقلم مع وضع جديد

يؤكد ضرار أن الهجرة من فلسطين وحياته الحالية في هولندا بتفاصيلها اليومية لم تتغير كثيراً: "لم أحاول أن أقدم أي تنازلات معينة في أسلوب حياتي اليومي بغرض التأقلم مع المكان الجديد، بالنسبة لي أمور التعايش أو التأقلم لها علاقة أكثر بالتجربة الفردية وليست جمعية أبداً. ولذلك أرفض وضع الحياة في فلسطين بمقارنة مع الحياة هنا مثلاً، فأنا لا أعتقد أن الحياة في أوروبا أسهل مثلاً من الحياة في أي بلد عربي، فكل مكان له خصوصيته ولا أعتقد أن هناك معايير مقارنة أصلاً بين مكان أو آخر، فأنا أفضل العيش في فلسطين، فهي بلدي وبيئتي وليس ذلك بتوجه وطني أو انتماء إلى المكان، ولكن من منطلق أبسط فعلى المستوى الاجتماعي مثلاً، كل شخص له دوره ووظيفته في مجتمعه، وهو الدور الذي لا أستطيع أن أقوم به أو أمارسه هنا في هولندا".


أما عن نشاطاته الأخرى في هولندا، يقول ضرار "نشاطاتي هنا أشبه بنشاطاتي في فلسطين ولكن بدرجة أخف، ومرتبطة أكثر باهتماماتي السياسية، لكنني لا أعتبر نفسي "ناشطاً" هنا بل أشارك وأتعاطى مع النشاطات المختلفة بما يناسب قناعاتي وأفكاري، وأعتبر عملي وإنتاجي الموسيقي غير منفصل عنها".


يؤمن ضرار بأن الإنتاج الموسيقي والحركة الموسيقية مرتبطة بالجغرافيا، وهذا ما يزيد من صعوبة دراسة الموسيقى كتخصص أكاديمي في العالم العربي المفكك جغرافياً، والذي يؤدي بالتالي لتفكك الثقافة الموسيقية العربية. يضيف ضرار موضحاً: "ما أدى إلى تطور ما يسمى "بالموسيقى العربية" هو الحركة الجغرافية والحركة البشرية من الشام إلى القاهرة وغيرها، فهنا في أوروبا مثلاً على صعيد القيام بعروض الموسيقى الموضوع أسهل، لكن لا يفي بالغرض".

يتقن ضرار العزف على عدة آلات موسيقية كالعود، الساكسفون والبيانو، الكونتراباص والكترونيات، وآلات أخرى، ويقول "التعامل مع هذه الآلات والسياقات الموسيقية المختلفة التي أعمل من خلالها، تعكس اهتمامي بالصوت كمادة أولية في الموسيقى بغض النظر عن أي آلة يصدر هذا الصوت. وهذا أمر نابع من استماع واهتمام ليس فقط بالموسيقى العربية بل بالإنتاج الموسيقي بشكل عام في كل مكان عبر التاريخ".

عن آماله وطموحاته في مجال الموسيقى، على المستوى الشخصي والعام في الوطن العربي، يقول ضرار: "أتأمل أن تتاح لي الفرصة بالعودة إلى فلسطين لأساهم أكثر في مجال البحث الأكاديمي في الموسيقى، مهم جداً أن نرتقي في العالم العربي في أدواتنا العلمية وليس حصراً في الموسيقى، لكن هذا هو المجال الذي أستطيع أنا شخصياً المساهمة فيه. مهم جداً أن نعرف تاريخنا و معطياتنا الاجتماعية والسياسية التي نعيشها، فنحن هذه الأيام نعيش في مرحلة من التاريخ يعرف بها العدو عنا أكثر من معرفتنا نحن عن أنفسنا. فمثلاً هناك العديد من الموسيقيين العرب، والذين يعتبرون أنفسهم أكاديميين، لا يعرفون عن الكثير من المخطوطات القديمة والعلماء الموسيقيين من حضارتنا العربية والإسلامية، كابن سينا مثلاً والذي يعرفه أغلب العرب كطبيب ولا يعلمون أن لديه العديد من المؤلفات المهمة في الموسيقى".
المساهمون