تظلُّ الهتافات، التي تنظم إيقاع المظاهرات السياسية، أقرب إلى الفلكلور الذي تنتمي حقوقه الأدبيَّة إلى الشعب، فلا يُعرَف مؤلّفها الأول. يقوم "الهتّيفة" من أصحاب الحناجر القويَّة، بتلقّيها من الجماهير وتنظيمها، وإلقائها أمام الجموع التي ترددها بعدهم.
من 25 يناير/كانون الثاني إلى 11 فبراير/شباط، كان الميدان مهرجاناً وطنيَّاً تعدَّدت فنونه، وكان على رأسها فن الهتاف، هذا الفن الذي هضم حقّه، بالرغم من أنه عماد الثورات وأساس المظاهرات.
للهتافات الثورية العامة دورٌ كبيرٌ في حشد المتظاهرين وتوحيدهم، فكلَّما كانت أبعد عن التخصيص والأدلجة، كانت أعلى صوتاً وأبلغ أثراً. وكان هذا هو السرّ في التأثير الكبير للهتافات التي خرجت من ميدان التحرير، إلى كل ميادين المحروسة وشوارعها. ربما كانت أشهر هتافات المتظاهرين: "ارحل" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"عيش/ حرية/ عدالة اجتماعية/ كرامة إنسانية" و"مش حنمشي/ هو يمشي"، التي كانت سرعان ما تعود إلى الحناجر بعد كل عدَّة دقائق في جنبات الميدان. كما نُقِشَت تلك العبارات على الجدران، وعلى أوراق العلب الكرتونيَّة الفارغة، التي حملها الثوار على أكتافهم.
انعكس مشهد الوحدة الوطنية داخل الميدان على سلوك المتظاهرين، فلا فرق بين المصريين، وكان أبلغ مشهدٍ حين التقطت عدسات الفضائيات صورة متظاهرين مسيحيين، وهم يحمون ظهور إخوانهم المسلمين في أثناء الصلاة، خوفاً من هجوم الشرطة أو البلطجية. كان من البديهي أن تنعكس تلك الروح غير المتكلفة في هتافات الميدان، فكان منها: "باسم الوحدة الوطنية/ ارحل يا رئيس الحرامية"، و"بالإنجيل وبالقرآن/ التغيير هنجيبه الآن".
أيضاً، اقتبسَ بعض المتظاهرين هتافاتهم من بعض الأغاني الشعبيَّة القديمة، حيث ظهرت تلك النماذج بعفويةٍ بعدما أعُلن عن تنحي مبارك، في كلمةٍ قصيرةٍ لنائبه عمر سليمان، مثل قولهم: "حاللو يا حاللو/ مبارك شعبه ذلوا، حالو يا حلو/ مبارك شعبه خلعوا".
يمكن، أيضاً، تذكّر مجموعة من أقوى الهتافات الحماسيَّة التي ألهبت الميدان في أيَّامه الأولى، مثل "ثورة ثورة حتى النصر/ ثورة في كل شوارع مصر"، و"اصحي يا مصر وفوق م النوم/ نهبوا ولادك يوم ورا يوم"، و"علّي الصوت علّي كمان/ لجل ما يسمع كل جبان"، و"اصرخ خلّي الناس تتلم/ لا حرية إلا بدم"، و"ارحل ارحل ارحل غور/ خلي بلدنا تشوف النور"، و"يا جلّاد للصبر حدود/ مش لاقيين المِش أبو دود"، و"لو خطفونا م الشوارع/ صوت الثورة طالع طالع.. لو خطفونا م البيوت/ صوت الثورة مش هيموت"، و"مش هنخاف مش هنطاطي/إحنا كرهنا الصوت الواطي"، وهتاف "قطعوا النت والتليفون صوتنا هيوصل مهما يكون"، في إشارة إلى ما فعلته السلطات من قطع وسائل الاتصالات، و"أنا مندس أنا مندس/ أنا عاوز كنتاكي وبس" في إشارة إلى ما أشاعته وسائل الإعلام من أن متظاهري التحرير مجموعة من المنتفعين، الذين تم إغراؤهم للتظاهر بمبلغ خمسين جنيه.
وكان الأداء المشترك إحدى تكتيكات الهتاف، حيث يقول الهتّيف جملة، ويرد عليه المتظاهرون بكلمة واحدة مكررة، مثل قولهم: "أمن الدولة- باطل/ حسني مبارك- باطل/ التوريث- باطل/ الحزب الوطني- باطل"، وغيرها من هذا النوع.
ويُذْكَر أن د. كمال مغيث استطاع في كتابه "هتافات الثورة المصرية"، أن يرصد كمّاً هائلاً من هتافات التحرير، في الثمانية عشر يوماً الملتهبة، خوفاً من أن تذروها رياح النسيان.
بجوار الهتافات الصوتيَّة، كانت هناك لافتات مكتوبةٌ امتلأت بروح التحدّي والسخرية. منها لافتات طريفةٌ كتبها بعض المعتصمين الذين ينتظرون رحيل مبارك. أحدهم كان لا يزال عريساً كتب على لافتةٍ التي حملها على ظهره: "ارحل بقى مراتي وحشتني"، وكتب ثانٍ "مراتي حامل، ومش عاوز ابني يشوفك"، وكتب ثالث "ارحل إيدي وجعتني"، فيما كتب رابع وهو ذو شعر أشعث وملابس بالية "ارحل بقى عاوز استحمى"، بينما غطت الجدران مئات العبارات العفوية مثل: "اليأس خيانة"، وكتبوا عبارة "مقر الحزب الوطني" على جدران حمام عمومي، بينما كتب متظاهرون من محافظة المنوفية مسقط رأس مبارك: "أهالي المنوفية يقدِّمون اعتذارهم للشعب المصري"، وكتب آخرون: "مظاهرات الشباب المصري.. أم الأجنبي"، وظهرت صورة لحسني مبارك كتب تحتها: "عفواً.. لقد نفد رصيدكم"!
بخفة ظلّ كبيرة قطع متظاهرون من الصعيد مئات الكيلومترات للمشاركة في اعتصام التحرير، وقد دخلت مظاهرة كبيرة من الصعايدة إلى الميدان وهي تحمل لافتة كبيرة مكتوب عليها: "الصعايدة وصلوا"، في إشارة إلى أنهم جاؤوا لحسم الثورة وإسقاط مبارك، بعد فشل متظاهري وجه بحري من الحسم مبكراً.
إقرأ أيضاً: الحب والثورة
ظهرت في جنبات الميدان هتافات صعيدية مثل: "يا مبارك يا جبان/ الصعايدة في الميدان"، و"يا جمال قول لأبوك/ الصعايدة حيطخّوك"، كما ظهرت بعد التنحي لافتات ظريفة تطالب مبارك بالعودة: "يا ريس ارجع.. دا حنا كنا بنهزر معاك"، مع توقيع ثوار الصعيد.
ومن طرائف أيام الثورة، أنَّ التعب قد بلغ مبلغه بالمتظاهرين على تخوم التحرير، فناموا على الرصيف في شارع مجلس الشعب. ومع أشعة الصبح الأولى تضاحك بعض المعتصمين، حين رأوا كهلاً صعيدياً ضئيلَ الجسم، متأنّقاً في جلبابه البلدي كأنه "عمدة"، يصنع مظاهرة مبكرة لا يوجد فيها غيره هو، فمعظم الثوار لا يزالون نائمين، وقد حمل الرجل ورقة على عصا أسندها على كتفه مكتوب عليها نفس الهتاف الذي يهتف به في انتظام وثقة، وكأن خلفه مئات المتظاهرين: "الشعب يريد إسقاط النظام"!
لم تمر نصف ساعة، حتى انفجر الجميع انبهاراً وضحكاً وتفاؤلاً، حين رأوا ذلك الصعيدي في طريق عودته بنفس الشارع وهو يقود آلاف المتظاهرين بنفس أسلوب الهتاف، ونفس طريقة أدائه!. وقد آمن الجميع بأن نظام مبارك يلفظ أنفاسه الأخيرة!
أما هتاف النصر الذي دوّى في الميدان بعد إعلان التنحي فكان: "ارفع راسك فوق.. إنت مصري"!
إقرأ أيضاً: هذا ليس ميداني: مسحوا كل الرسومات
من 25 يناير/كانون الثاني إلى 11 فبراير/شباط، كان الميدان مهرجاناً وطنيَّاً تعدَّدت فنونه، وكان على رأسها فن الهتاف، هذا الفن الذي هضم حقّه، بالرغم من أنه عماد الثورات وأساس المظاهرات.
للهتافات الثورية العامة دورٌ كبيرٌ في حشد المتظاهرين وتوحيدهم، فكلَّما كانت أبعد عن التخصيص والأدلجة، كانت أعلى صوتاً وأبلغ أثراً. وكان هذا هو السرّ في التأثير الكبير للهتافات التي خرجت من ميدان التحرير، إلى كل ميادين المحروسة وشوارعها. ربما كانت أشهر هتافات المتظاهرين: "ارحل" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"عيش/ حرية/ عدالة اجتماعية/ كرامة إنسانية" و"مش حنمشي/ هو يمشي"، التي كانت سرعان ما تعود إلى الحناجر بعد كل عدَّة دقائق في جنبات الميدان. كما نُقِشَت تلك العبارات على الجدران، وعلى أوراق العلب الكرتونيَّة الفارغة، التي حملها الثوار على أكتافهم.
انعكس مشهد الوحدة الوطنية داخل الميدان على سلوك المتظاهرين، فلا فرق بين المصريين، وكان أبلغ مشهدٍ حين التقطت عدسات الفضائيات صورة متظاهرين مسيحيين، وهم يحمون ظهور إخوانهم المسلمين في أثناء الصلاة، خوفاً من هجوم الشرطة أو البلطجية. كان من البديهي أن تنعكس تلك الروح غير المتكلفة في هتافات الميدان، فكان منها: "باسم الوحدة الوطنية/ ارحل يا رئيس الحرامية"، و"بالإنجيل وبالقرآن/ التغيير هنجيبه الآن".
أيضاً، اقتبسَ بعض المتظاهرين هتافاتهم من بعض الأغاني الشعبيَّة القديمة، حيث ظهرت تلك النماذج بعفويةٍ بعدما أعُلن عن تنحي مبارك، في كلمةٍ قصيرةٍ لنائبه عمر سليمان، مثل قولهم: "حاللو يا حاللو/ مبارك شعبه ذلوا، حالو يا حلو/ مبارك شعبه خلعوا".
يمكن، أيضاً، تذكّر مجموعة من أقوى الهتافات الحماسيَّة التي ألهبت الميدان في أيَّامه الأولى، مثل "ثورة ثورة حتى النصر/ ثورة في كل شوارع مصر"، و"اصحي يا مصر وفوق م النوم/ نهبوا ولادك يوم ورا يوم"، و"علّي الصوت علّي كمان/ لجل ما يسمع كل جبان"، و"اصرخ خلّي الناس تتلم/ لا حرية إلا بدم"، و"ارحل ارحل ارحل غور/ خلي بلدنا تشوف النور"، و"يا جلّاد للصبر حدود/ مش لاقيين المِش أبو دود"، و"لو خطفونا م الشوارع/ صوت الثورة طالع طالع.. لو خطفونا م البيوت/ صوت الثورة مش هيموت"، و"مش هنخاف مش هنطاطي/إحنا كرهنا الصوت الواطي"، وهتاف "قطعوا النت والتليفون صوتنا هيوصل مهما يكون"، في إشارة إلى ما فعلته السلطات من قطع وسائل الاتصالات، و"أنا مندس أنا مندس/ أنا عاوز كنتاكي وبس" في إشارة إلى ما أشاعته وسائل الإعلام من أن متظاهري التحرير مجموعة من المنتفعين، الذين تم إغراؤهم للتظاهر بمبلغ خمسين جنيه.
وكان الأداء المشترك إحدى تكتيكات الهتاف، حيث يقول الهتّيف جملة، ويرد عليه المتظاهرون بكلمة واحدة مكررة، مثل قولهم: "أمن الدولة- باطل/ حسني مبارك- باطل/ التوريث- باطل/ الحزب الوطني- باطل"، وغيرها من هذا النوع.
ويُذْكَر أن د. كمال مغيث استطاع في كتابه "هتافات الثورة المصرية"، أن يرصد كمّاً هائلاً من هتافات التحرير، في الثمانية عشر يوماً الملتهبة، خوفاً من أن تذروها رياح النسيان.
بجوار الهتافات الصوتيَّة، كانت هناك لافتات مكتوبةٌ امتلأت بروح التحدّي والسخرية. منها لافتات طريفةٌ كتبها بعض المعتصمين الذين ينتظرون رحيل مبارك. أحدهم كان لا يزال عريساً كتب على لافتةٍ التي حملها على ظهره: "ارحل بقى مراتي وحشتني"، وكتب ثانٍ "مراتي حامل، ومش عاوز ابني يشوفك"، وكتب ثالث "ارحل إيدي وجعتني"، فيما كتب رابع وهو ذو شعر أشعث وملابس بالية "ارحل بقى عاوز استحمى"، بينما غطت الجدران مئات العبارات العفوية مثل: "اليأس خيانة"، وكتبوا عبارة "مقر الحزب الوطني" على جدران حمام عمومي، بينما كتب متظاهرون من محافظة المنوفية مسقط رأس مبارك: "أهالي المنوفية يقدِّمون اعتذارهم للشعب المصري"، وكتب آخرون: "مظاهرات الشباب المصري.. أم الأجنبي"، وظهرت صورة لحسني مبارك كتب تحتها: "عفواً.. لقد نفد رصيدكم"!
بخفة ظلّ كبيرة قطع متظاهرون من الصعيد مئات الكيلومترات للمشاركة في اعتصام التحرير، وقد دخلت مظاهرة كبيرة من الصعايدة إلى الميدان وهي تحمل لافتة كبيرة مكتوب عليها: "الصعايدة وصلوا"، في إشارة إلى أنهم جاؤوا لحسم الثورة وإسقاط مبارك، بعد فشل متظاهري وجه بحري من الحسم مبكراً.
إقرأ أيضاً: الحب والثورة
ظهرت في جنبات الميدان هتافات صعيدية مثل: "يا مبارك يا جبان/ الصعايدة في الميدان"، و"يا جمال قول لأبوك/ الصعايدة حيطخّوك"، كما ظهرت بعد التنحي لافتات ظريفة تطالب مبارك بالعودة: "يا ريس ارجع.. دا حنا كنا بنهزر معاك"، مع توقيع ثوار الصعيد.
ومن طرائف أيام الثورة، أنَّ التعب قد بلغ مبلغه بالمتظاهرين على تخوم التحرير، فناموا على الرصيف في شارع مجلس الشعب. ومع أشعة الصبح الأولى تضاحك بعض المعتصمين، حين رأوا كهلاً صعيدياً ضئيلَ الجسم، متأنّقاً في جلبابه البلدي كأنه "عمدة"، يصنع مظاهرة مبكرة لا يوجد فيها غيره هو، فمعظم الثوار لا يزالون نائمين، وقد حمل الرجل ورقة على عصا أسندها على كتفه مكتوب عليها نفس الهتاف الذي يهتف به في انتظام وثقة، وكأن خلفه مئات المتظاهرين: "الشعب يريد إسقاط النظام"!
لم تمر نصف ساعة، حتى انفجر الجميع انبهاراً وضحكاً وتفاؤلاً، حين رأوا ذلك الصعيدي في طريق عودته بنفس الشارع وهو يقود آلاف المتظاهرين بنفس أسلوب الهتاف، ونفس طريقة أدائه!. وقد آمن الجميع بأن نظام مبارك يلفظ أنفاسه الأخيرة!
أما هتاف النصر الذي دوّى في الميدان بعد إعلان التنحي فكان: "ارفع راسك فوق.. إنت مصري"!
إقرأ أيضاً: هذا ليس ميداني: مسحوا كل الرسومات